مسرح

مشهد أول عن البشر.. ومشهد ثان عن الحجر والشجر

مشهد(1)

(يدخل فتوح إلى العيادة وهو يضرب يده الشمال بيده اليمين)

فتوح: الحقني يا دكتور، انقدني يا دكتور.

الدكتور: اتفضل اجلس يا سيد فتوح، واحكيلي المشكلة بالتفصيل.

فتوح: زي ما حضرتك شايف يا دكتور، ايدي اليمين صابتها حالة هستيريا ومعادش طايقة تعيش مع ايدي الشمال. نازله فيها ضرب ليل ونهار. حاولت نوقفها ما قدرتش. ارجوك اسعفني، عاوني.

الدكتور: حالة غريبة فعلا (يتفحص حالة فتوح) ما عندكش فكرة هي ايدك اليمين علاش غضبانة من ايدك الشمال، مش كانوا عايشين مع بعضهم في سلام ووئام، شن سبب هالحالة من الغضب التي تحولت إلى عنف ورغبة في الانتقام.

فتوح: علمي علمك يا دكتور، ما عندكش أي فكرة عن السبب اللي فجر هذا الغضب، وأهم ايديا الإثنين قدامك يا دكتور، وتفضل انت بنفسك حاول تعرف السبب.

الدكتور: انت مش اشول زي أغلب الناس في الدنيا ولهذا، ففيه أسباب واضحة اليمنى هي اللي دائما تشتغل وتكدح، هي اللي تقوم بالعمل عسير أو يسير، هي اللي تكتب، هي اللي تصافح، هي اللي لما يعتدي عليك حد، تضرب وتبادر بالدفاع، هي اللي تضع الطعام في فمك، بينما اليد الشمال قاعدة في بطالة دائمة تتفرج وما تقومش بأي جهد تعاون بيه اليد اليمنى.

من هنا نقدر انقول أمر طبيعي أن تغتاظ اليد اليمنى وتحس بالظلم هي ليش صبرت كل هالمدة وما ثارتش إلا الآن.

فتوح: ما هو حتى اللي يصبر هلبه من غير ما يشوف حالة انفراج اتصيرله مرات حالة انفجار، مش هكي يا دكتور ؟

الدكتور: فعلا، هذا موضوع يحدث مع الأفراد، واحيانا مع شعوب بكاملها، لكن الموضوع الغريب، ليش ايدك انت بالذات اللي اتصير معاها حالة التمرد والثورة والانتقام بهذا الشكل العنيف من ايدك الثانية، ما هو ايدينا كلها تعاني من نفس المشكلة، ومع ذلك عايشة في آمان مع بعضها، اهو زي ايديا أنا الاثنين (يبسط يديه) شوف كيف هما في حالة طبيعية، الله، حاجة غريبة، ايدي اليمين بدت تتحرك غصبا عني ورغما عن ارادتي تضرب ايدي الشمال، أكيد هذه حالة معدية، توحي بوجود ثورة عالمية تقوم بيها اليد العاملة ضد اليد العاطلة، تعالي اندوروا مع بعضنا دكتور ثاني، النجدة، ألحقونا، النجدة. (يخرجان ويقفل الستار).

مشهد (2)

(يظهر المسرح اثنان يمثّل أحدهما دور الشجرة ويرتدي رداء أخضر اللون له أوراق وأغصان، فلا يظهر إلا وجهه، ويمد عصا تشبه عرق الشجرة، تحت الصخرة التي يقوم بها ممثل ثان يرتدي ثوبا يشبه لون الصخر ويتكور كأنه صخرة ساكنة جامدة فوق مرتفع من الأرض).

الصخرة تخاطب الشجرة: انك تمدين جذرا، غليظا تحتي، وتريدين اقتلاعي من مكاني، فلماذا تفعلين هذا بي، وأنا جارتك التي عاشت معك على الود والسلام وحسن الجوار عشرات الأعوام.

الشجرة: وكيف يكون هذا الاقتلاع مصدرا للحزن والألم، بدل أن يكون مصدرا للفرح والاحتفال، فمن أين لصخرة مثلك أن تجد جذرا مثل جذري يعينها على التحرر من سجنها وجمودها ويقوم بتحريكها لتصبح قادرة على الانتقال من مكان إلى آخر. إنني لم أفعل هذا إلا بدافع الإشفاق عليك وأنا أراك في هذا الوضع المزري على مدى الأعوام التي عشتها بجوارك.

الصخرة: القلق يأتي من أنني لا أعرف ماذا سيكون مصيري عندما اترك داري، ومقامي الذي وجدت نفسي أقيم منذ أن وجد الكون.

الشجرة: لا أدري سببا للقلق يا عزيزتي الصخرة، فلو أفلح هذا الجذر في اقتلاعك، فسيكون بداية حياة جدية مثيرة بالنسبة لك، لأن السيول ستأتي لتنتقل بك من مكان إلى آخر، وقد تسبق السيول أيدي البشر وجرافاتهم، لاستخدامك في مواقع جيدة، مدن وجسور، وربما تجدين نفسك جزءا من قصر ملكي أو سور حديقة عامة، فيكون لوجودك في الحياة منفعة وجدوى، بدل البقاء مستمرة في مكانك إلى الأبد مثالا للعبث واللا جدوى.

الصخرة: كيف تقولين هذا الكلام عني وتنسين نفسك، تريدين لي الحركة الانتقال من مكان لآخر وأنتِ باقية، متسمرة، في هذا المكان طوال العمر.

الشجرة: الفرق بيني وبينك يا عزيزتي الصخرة، أنكِ جماد لا ينمو ولا يثمر، أما أنا فرغم أنني لا أتحرك من مكاني، إلا أن حياني مليئة بالنشاط والحركة والحيوية، أنمو وأكبر وتغطيني الأوراق، ثم أزهر وأبرعم وتتحول براعمي إلى ثمار، فتزورني الطيور ويأتي البشر يجنون ثماري ويستظلون بظلي قبل أن تذبل أوراقي وتتساقط مع الخريف، لأعانق الريح عارية وأغتسل بأشعة الشمس لبضعة أشهر، ثم تستأنف دورة الحياة الخضراء نشاطها مع أمطار الشتاء وإطلالة الربيع لأعيش موسما جديدا من الخصب والإزدهار والنماء

.. الصخرة: ( وقد بدأت تتزحزح من مكانها ) صدقت يا أختي العزيزة الجميلة الخضراء، لقد سئمت جمود الحياة، وأشعر أنني على أهبة الإنطلاق، لأعرف لأول مرة منذ ملايين السنين كيف تتجدد الحياة، سأفتقدك كثيرا، ولن أنسى جميلك ومعروفك فالوداع الوداع (ثم تبدأ تقول كلمة الوداع بشكل غنائي إيقاعي وهي تتدحرج ببطء من أعلى المرتفع إلى أسفله).

ستار.

مقالات ذات علاقة

من مسرح الطفل.. الطفل والحمامة

يوسف الشريف

مسرحية.. ربــمــا

حواء القمودي

الحـجــاب

منصور أبوشناف

اترك تعليق