1
كان قد رأى قبل هجوم الرمل نملا مجنّحاً، طيورا تحلّق في الفضاء (هل كانت نوارس من البحر البعيد؟ أم جاءت بها شطئان بحيرات الجنوب؟) لماذ تَردّدَ ليلة البارحة، كيف له أن يموت ولا يعرف الجواب؟ لو كان لي وقت كاف كنت عرفتُ عَدد سحب تلك الليلة المقمرة، لو كان لي وقت كاف كنت مضغتُ حزمة الزعتر مرة أخرى. ما كان لي أن أنام ولا أنهض من جديد.
بقايا استراحة أصوات. ما تخزن العين من شيء سوى خوفها! لا يهم فليس في الصحراء غير العويل. هل أنا أقرب إلى ألسماء؟ كان بعيدا ثم التفت ودنا.
2
لا اقوى على قول شيء!
حطّتْ يدٌ من شمال وحطّتْ يدٌ من يمين على قالب الصخر.
وانثنى في السماع حُلم و فتافيت ليل. لا تهزعرشي، فالسلالم التي رفعها الغاوون ذابت مع الريح والدخان الكثيف أخدته النار. لي ألف جناح لكني لا أطير. لي يد واحدة ترتّق الزمان من جروح الكلام. لي زفرة أريد أن أغسلها بمكر النسيان.
3
من أعلى الربوة رأى البيوت تنهض في رداء الشمس، كان السقاة على حافة الدرب الحجري يصعدون، والنساء المحجّبات يخبزن ما تخمَّرَ في الليل من عجين. من اين يجيئون؟ من اين يتناسلون؟ قال ورمى بسهمه الناريّ نحوهم.
4
ماذا تفعل بالمطرقة؟ ماذا تفعل بالأحذية كثيرة خارج البيت؟ ماذا يفعل الصِبية أمام ساحة البلدية يصرخون بالثأر؟ ماذا يفعل الشيخ جالسا على كرسيه العالي؟ قالت و هي تنحني على كتفه العاري.
5
أجلسُ على حجر، العتمة تتعبني، خلفي يقف قرد الوقت، عاريا، يضحك، مِنْ أصابعه العشرة تتأرجح الريح الشرقية، هو لا يرغب في القتل، هو لا يسقيهم إلا ليلا، هو ينام ولا نعرف كيف. مخيلتي في العتمة تكبر، تسلبني راحة نفسي، تَخرجُ من فساتينها الطويلة المزركشة أحصنة، جبال ضخمة، زرازير صغيرة، سفن بأشرعة عالية تسبح على حافة غابة، ديكة وسلاحف، أرصفة شوارع مرتبة، سيارات المانية و يابانية. قد يسمح لي المكان الضيق بالاعتدال في جلستي قليلا فأحيي العابرين أمام بيتي، تفوح منهم روائح الخصب والسكينة.
6
مطر، مطر غزير يهطل على ساحة العلّيق. الراقصات احتمين بأغصان شجرة الخروب الكبيرة. الطفولة هادئة عل مقعدها الخشبي تبتسم. مطر، مطر غزير يهطل على ساحة العليق. تك، تك، تك يتواصل الغناء الكوني….
7
قالت له وهي خلفه عارية: لولا الأصفاد لقبلت عنقك الشامخ. لم يقدر أن يلتفت وراءه ليراها، ضاقت الطريق بحاملي الأسلحة، البلاشفة الجدد.
واحة ليست لك، واحة ليست لهم. لا تقاوم زحف الكلمات على شاشة قلبك. اترك لها المكان و لا تترك لسانك يتلو ما يوحى إليه.
8
خلف أزيز الرصاص و دويّ المدافع، بين حجرين كبيرين، ترقب القطط دخان المعارك. يكبر الحزن، يصير ثعلبا بأذنين من بلور. ينساب صوت المغنية، تركت لها الشوارع طريقا للعبور، رفعت الغابة في الجبل الاخضر البعيد آذانها يرجع الصدى العذب. ويح لك يصرخ ولد من على دراجته القديمة، ويح لك تنفلت البوارج القبيحة من قيد الماء، تنساب سوالف العروس مع موج غاضب. الربيع كان لا يأتي إلا هاربا أو متسللا! جاء في وصية العجوز الميت. لا تفزعا إلى شيء حتى يفزع بكما كتبها في ذيل الصفحة الثالثة.
9
على سرّة جانبية، هبّ دبيب الارض، يوهم بعضه بالنجاة، يتراصف حينا و ينتشر على الجانبين وقفت العاريات، الكاسيات، يقطر من شعورهم الدهن و الطيب. هل كان المساء غافلا عما يفعلن أم أراد أن يفهم سرّ الرعشة العميقة. يحاديني صوتهن ناعما ريان، يحاديني شجنٌ يتصاعد من العيون، يحاديني نوم سلس بين أفخادهن، يحاديني ما لا يقال
وانطلق كالسهم.
10
وحيدا وقف الحصان، التيه نام على شط الرمال العظيم، والقمر الخانع، المائع، في بيته، صامت لا يبوحّ.أي طريق أمامه والمدى شاسع، مقفر، غامض؟
11
للشجرة القدرة علىأن تلهب شهوة الفصول، للعقل القدرة على أن يفنى و للأشياء أن تصير أكثر غموضا. “الإنسان لا يعرف من هو لكن يعرف كيف هو” يقول القديس توما الأكويني. “ماذا أفعل بساقين من كلام بليغ” يقول الغريب الجالس على مقعد خشبيّ قديم. سيفتش الحارس العجوز صرّته، ويدفع درهمين ثمنا لقهوة مرّة، سيكون من الصعب عليه أن يحبس لسانه في جرّة الوقت. هكذا يمكن للكأس أن تأنس بالنبيذ الخليع، للأغنية أن تبعثر نغماتها في الغابة، للسارية العالية أن تنحني للعلم، وللبساط أن يسمح لوحوشه بالرقص في الساحة العامة. عبثٌ مجازي، ليلٌ مخمور، لا تنظر، يمينك، شركُ اعلانات، بينما أرسطو يبحث عن بيته ويفكر في أن الاستعارة وسيلة عرفانية.