شخصيات

رسام الكاريكاتير الساطور.. الرحيل المؤلم لعاشق الحريّة والفنّ

شكري السنكي

قوَّة الفنّ فِي إبراز المعاناة… رسام الكاريكاتير الساطور.. الرحيل المؤلم لعاشق الحريّة والفنّ

الفنان حسن دهيميش
الفنان حسن دهيميش

(فنّ الكاريكاتير أقوى مِن الكلمات، وهُو فنّ بسيط ومؤثر فِي آن معاً، فضلاً عَن أنه يتمتع بخواصٍ كثيرة، منها إظهار عيوب المجتمع فِي صورة ساخرة ممتعة تدعونا إِلى إحداث التغيير فِي ثوابت راسخة متجذرة فِي الوقع، والّتي غالباً مَا تتطلب التجديد). الأستاذ هـاني جبـران
المُقدِّمَة
الرسومات السّاخرة ذات المغزى أو (الكاريكاتير)، هُـو فـنّ راقٍ وأداة نضـاليّة وعمل إعـلامـي وصحـفي لـه قيمتـه وأهميتـه ودوره، وقد يفـوق مَـا يحملـه مِن نقـد عشـرات المقـالات والتقـاريـر الصحفيّـة. وفـنّ الكاريكاتير هُو فنّ قديـم جداً، وكان معروفاً عند المصريين القدماء والآشوريين واليونانيين، وهُـو فنّ تقدم فِي الغرب كثيراً ولعب دوراً مهماً فِي الثقافـة ونشر الوعـي وحيَاة النَّاس بشكلِ عام، بينما ظلّ فِي منطقتنا يراوح فِي مكانه ماعدا بعض الاستثناءات البسيطة.
ونؤكـد مِن جديـد أن هذا الفـنّ قد لعـب دوراً مهـماً في حيَـاة ونهضـة شعوب الغرب، بينما دوره فِي منطقتنا العربيّـة ما زال متأخراً إلى حدٍ كبير، وفنانو الغرب مِن رسّامين كاريكاتير ومصـورين والفوتو مونتاج، يستخدمون الصورة لنقل الوقائع ونقـد الواقـع وتصحيـح الأوضـاع، ولا يجاملون أحداً على حساب معتقداتهم وقضايا شعوبهم وأممهم، بينما عنـدنا كثيراً مَـا تجـدهم يجـاملون أو يغضـون الطرف أو يـذهبـون إِلى مناطـق أخرى بعيـدة كل البعـد عَـن السّلطة والحكـام الّذِين هم “أصل الداء والبلاء”، كمَا قال رسّام الكاريكاتير الرَّاحل الساطـور.
وبالرَّغم مِن هذا، ظهرت أسماء عربيّة كثيرة فِي هذا المجـال، وقد لمعت بشكلِ مضيء فِي سماء العالم العـربـي. وظهـرت أسماء ليبيّـة أثرت وتركت بصـماتها وجعلت هذا الفنّ ثقافة معاصرة ووسيلة عظمى للتعبير عَن قضايا مجتمعهم المختلـفة كالفنّـان محَمّد الزواوي (1936م – 2011م) والفنّـان حسن محمود دهيميش (1956م – 2016م).
نقف اليـوم أمام رسّام الكاريكاتير حسن دهيميش المعـروف باسم (الساطور)، والّذِي رحل عَن دنيانا يوم الثلاثاء الموافق 16 أغسطس / آب 2016م، والّذِي استخدم ريشته في مواجهـة دولـة الاستبداد وكلِّ ألوان الظلم خلال عهد نظام معمّر القذّافي، أو كمَا قـال الصحـفي حسـن الهـونـي:..”.. كانـت ريشـته تحمـل فِي طياتها نقداً لاذعاً للأوضاع السّياسيّة والاجتماعيّة الّـتي كانت سائدة إبّان حكم معمّر القذافي، عبر وسائل الإعلام والنشر المتاحة للمُعارضة الِلّيبيّة خلال تلك الفترة. وقد واصـل مشواره ونقـده للممارسات السّياسيّة لحكومات مَا بعْـد ثورة فبراير. ورفض دهيميش كلِّ المُمارسات الخاطئة والانتهاكات مِن جميع الأطراف الّـتي برزت على السّاحة الِلّيبيّة بعْـد سقـوط نظـام القذّافي، ولم ينحز لأيَّ طرف سياسي بل ظلّ وفياً لحلمه بدولة المؤسسات والقانون..”.
وَفِي سياق متصل، ذكر رسّام الكاريكاتير الِلّيبي العجيلي العبيدي أن نظام القذّافي لم يكن يسمح لأيَّ فنّـان لّيبيّ بتناول القضايا السّياسيّة المحليّة أو نقـد السّلطة وشخص معمّر القذّافي فِي الصحف الِلّيبيّة، ولكن أوعز لرسامي الكاريكاتير بتناول مواضيع دّوليّـة مثل الحـرب فِي العـراق والصّـراع الإسرائيـلي الفلسـطيني والحـرب فِي دارفور. وقـد جاء على لسان الفنّـان العجيلي العبيدي فِي تقـريـر نشره موقـع: (الحـق نت) بتاريخ الخميس الموافق 23 أكتـوبـر / 2014م، مَا يأتي:..”.. نحن كرسّامين فِي الفترة السّابقة كان عندنا رقيب ذاتي لا نستطيع أن نعمل شيئاً لأننا كنّا نعرف العواقب قد تسبّب مشاكل.. وأن الانتفاضة الّتي أطاحت القذّافي أطلقت الكثير مِن المواهب الِلّيبيّة الشابة فِي مجال الكاريكاتير السّياسي..”.
وَخِتامّاً، أسس الفنّـان ورسّام الكاريكاتير حسن دهيميش لنفسه خطاً ميّزه باحتراف، وكان مُناضلاً قبـل أن يكون فنّانـاً، وقد ترك أثراً واضحاً فِي مياديـن النَضـال، وترك بصمته فِي عالـم الرسم السّاخر وساحـة الثقافـة. وكان عظيمـاً فِي حيـاتـه، وترك رصيداً فخماً مِن الأعمال الباقيّة والسيرة العطرة الّتي ستخلد ذكراه أبـد الدهـر. رحم الله دهيميـش.

حسن دهيميش.. سِيْرَتـه وأعمـالـه ومواقفـه
رحل عَن الدنيا المُناضل والفنّان ولاعب الهلال السّابق فِي كرة السّلة حسن محمود دهيميش المعروف بـ(الساطور) يوم الثلاثاء الموافق 16 أغسطس / آب 2016م، عَن عمر ناهز (60) الستين عاماً. كان يشعر بالألم والتعب الشديد قبل أن يكتشف الأطباء فِي عمَّان عاصمة المملكة الأردنيّة الهاشميّة أنه يعاني سرطاناً بالمخ فِي مراحله الأخيرة، فقرر السفر إِلى مقر سكن عائلته فِي بريطانيا ليموت قرب زوجته وأولاده. أُعلنت خبـر وفاتـه الإعلاميّـة هدى السراري مديرة (قـناة 218) فِي صفحتها بالفيسبوك، ويـذكر أن دهيميش كان أحـد مؤسسي (قـناة 218) وضمن كـادرها الوظيـفي، وقد انطلق بث القناة مِن عمَّـان فِي أكتوبـر/ تشـرين الأوَّل 2015م.
ولد الفنّان حسـن دهيميـش فِي بّنْغازي العام 1956م، ووالده هُو مربي الأجيال والشّيخ الجليل محمود دهيميـش قارئ القرآن الكريم فِي الإذاعة الِلّيبيّة والشّاعر الصوفي وإمام مسجد الحسابات العسكريّة فِي بّنْغازي، المقرب مِن المَلِك إدْريْس السّنوُسي – رحمـه الله – وأوَّل مقرئ فِي إذاعة بّنْغازي، والّذِي وافته المنيّة يوم الجمعة الموافق 27 مارس / آذار 2009م.
كان حسن دهيميش مِن سكّـان حيّ (السبّالة) فِي منطقة (البركة) ببنغازي، وكـان قبـل ذلك مِن سكّـان منطقة (التوريلي) وسط مدينـة بّنْغـازي. درس المرحـلة الابتدائيّة فِي مدينتي بنغازي وطبرق، والإعداديّة فِي مدرسة (الأميـر) وسط مدينة بّنْغازي ثمّ الثّانويّة فِي مدرسـة (صلاح الدّين الأيوبي) بمنطقة (البركة) فِي مدينة بنغازي. واهتم بفنّ الرسم منذ طفولته، حيث لفت انتباهه (طائر الحمام) الّذِي كان يرسمه والده بالطباشير ويجيد رسمه بِدِقَّةٍ مُتناهِيةٍ، وقـد أخبرنا هُو نفسـه بذلك حينما حاورته صحيفة: (ؤسان) الإلكترونية فقال:..”.. تعلمت الرسم على أرضيّة المنزل أو الزليز (البلاط)، فقد كان والدي يجيد رسم طائر الحمام وبِدِقَّةٍ، كان يرسم بالطباشير حمامة على كل زليزة (بلاطة) فِي فناء المنزل، فيخلق مشهداً رائعاً وغايّة فِي الإبداع بالنسبة ليّ، ومازلت أتذكر وبوضوح أرضيّة البيت المليئة برسوم الحمام..”.
وكان لمكتبة (الأندلس) بالغ الأثر فِي توجيه موهبته وتكوين شخصيته!. ارتبطت طفولة حسن دهيميش بمكتبة (الأندلس) المملوكة لآل الهوني، والكائنـة بمنطقـة البـركة، وكانت لهذه المكتبة الفضل الكبير فِي تشكيل شخصيته فِي وقت مبكر جدَّاً مِن حياته، وقد ذكر هُو هذا فِي سياق حديثه عَن سيـرته فِي حوار أجراه معه موقع: (ؤسان)، فقال:..”.. مِن حسن حظي، أنني عملت أو تحصلت على عمل فِي مكتبة الأندلس فِي حيّ البركة، وكان عمري حينئذ حوالي العاشرة، وكنت أعمل دون مقابل، ولكن مِن خلال عملي فِي المكتبة اطلعت على الكثير مِن خلال المطالعة وتصفح المجلاّت والجرائد: مجلّة المصور وآخر ساعة، ومجلاّت الأطفـال: سمير وسوبرمان، كذلك تعرفت على بعض الشّعراء والكتَّاب الذين كانت المكتبة تطبع لهم كتباً، فكل هذا ساعدني وكوَّن شخصيتي بشكلِ عامّ، وتوجيه موهبتي وميولي الفنّـي بشكلِ خاصّ..”.
وَفِي جانب ثانٍ، لعب حسن دهيميش كرة السلة فِي نادي الهلال، وكان مِن ضمن مجموعته نوري جريبيع ومُصْطفى الغرياني وقيس العابديّة ورافـع بعيـو وآخرون، وذلـك حينما كان مقر النادي بشارع إدريّان بلت، وفِي الفترة الّتي كان يشرف فيها إبراهيم البقرماوي كمدرب لفريق الأشبال. ومارس حسن لعبة كرة القدم الّتي كان يعـشقها ويتقنها ويجيـد بعض مهاراتها فِي حيّ السبّالة مع بعض أصدقاء الشّارع والمنطقة، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: اللاعب يُوسف إبراهيـم، والهاوي عزالدّين الترهوني، والهاوي سَعْد عبدالله الأثرم (1957م – 5 نوفمبر/ تشرين الثّاني 1996م)، واللاعب عبدالكريم الهلالي (1955م – 13 يناير / كانون الثّاني 2014م) لاعب خط الهجوم بنادي الهلال ثمّ المنتخب الوطنيّ.
وما يُضاف أيْضاً، لم يكن يستهوي حسن دهيميش التراث المرسكاوي الّذِي كان يعشقه غالبية أصدقائه وزملائه فِي الدّراسة، وكان يشده الفنّ المصري فِي زمن العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ. وكان معجباً بالأغنيّة الِلّيبيّة الحديثة قبل أن يحصرها المطرب والملحن محَمّد حسن بمساعدة الشاعرين عبدالله منصُور وعلى الكيلاني فِي مقامين فقط، أو كمَا قال الأستاذ عبْدالرحمن شلقم:..”.. سيطر على الأغنيّة الِلّيبيّة لون واحد وإيقاع واحد فِي زمن الشاعرين عبْدالله والكيلاني، وحصرت الأغنيّة فِي مقامين فقط، الرصد والبياتي، فِي حين كانت أغاني الخمسينات والستينات وأوائل السبعينات غنية بكلِّ المقامات، إضافة إِلى كلماتها المتنوعة الّتي تحوي كلِّ تموجات اللهجة والمزاج عند الِلّيبيّين..”.
أحبّ عبدالحليم حافظ وبعض المطربين الِلّيبيّين الأوائل: سلام قدري، ومحَمّد صدقي، والسّيِّد بومدين، ولكنه لم يستسغ المرسكاوي لشعوره بأن موسيقي المرسكاوي محدودة جدَّاَ، والكلمة المصاحبة لـها كثيراً ما تكون فاقدة مواطن جمال اللغة، بالإضافة إِلى غياب استخدام جماليات الطبيعة عند الوصف أو التصويـر. وقد ذكر حسن دهيميش ذلك فِي حواره مع صحيفة: (ؤسان) فقال:..”.. كان غالبية أصدقاء وزملاء الدّراسة، يعشقون المرسكاوي، فِي الوقت الّذِي لم أكن أستسيغها لشعوري بأنها موسيقى محدودة جداً، خلافاً لطرب سلام قدري، والذي كنت مِن المعجبين به جدَّاَ هُو والفنّان بومدين، والفنّان عبدالحليم حافظ الّذِي كان له تأثيره الكبير على أذني الموسيقيّة. وتعرفت فِي ذلك الوقت أيْضاً على الموسيقيين العظام مثل جيمس براون، مارڤين جاي، ستيڤي وندار ونجوم التاملا موتاون، فشدني ذلك اللون الموسيقي الأسود، فأصبحت لا أستمع إلاّ لموسيقى السود فِي الغرب، وأتذكر أن هذا الأمر خلق ليّ عدة خلافات ومشاكل مع أصدقاء وزملاء الدراسة فِي الثانويّة، حيث إن غالبيتهم كانوا يعشقون المرسكاوي..”.
وَفِي جانب آخر، كان حسن دهيميش معجباً فِي بدايّة شبابـه بكتابات الصّادِق النيهوم (1937م – 1994م) الأديب وأشهر الكتّاب الِلّيبيّين، والّذِي كان ينشر مقالاته فِي صحيفة: (الحقيقة) الّتي تأسست العام 1964م على يد الشقيقين الصحفيين هاشم ورشاد البشير الهوني، وكانت أشهر الصحف الِلّيبيّة منذ تأسيسها إِلى ساعة إغلاقهـا على يـد الملازم معمّر القذّافي العام 1971م. وقد تأثر أيْضاً فِي بداية حياتـه برسام الكاريكاتير الِلّيبيّ الفنّان القدير محَمّد الزواوي (1936م – 2011م)، ولكن بعْد استقراره فِي بريطانيا، والتصاقه بالعمل النضالي السّياسي، ودراسته الفنون الجميلة فِي جامعة برادفون، أصبح أقرب إِلى المدرسة الغربيّة، حيث إن الرسّامين الغربيين متشبعون بجو الحريّة والتحرَّر، ولا يجاملون أحداً على حساب معتقداتهم وقضايا شعوبهم وأممهم، عكس الرسّامين العرب الّذِين تجدهم – وفِي الغالب الأعم – يتحاشون السّلطة أو يجاملونها إِلى حدٍ مَا، بينما تجدهم ينتقدون كلِّ شيء آخر وإِلى درجة التطاول فِي أغلب الأحيان. وقد أشار دهيميش إِلى ذلك فِي حواره مع موقع: (ؤسان) سالف الذكر، فقال:..”.. عندما أدركت دور الفنّ وأهميته وشعرت بمدى تأثير ذلك على الأوضاع القائمـة، زاد ارتباطي بالمدرسة الغربيّة فِي الفنّ.. وعندما عرفت مدى تأثير وقوَّة الإنترنت فِي النّضال ضدَّ القذّافي وأعوانه، وشعرت بمدى تأثير أعمالي والفنّ بصفة عامّة على نظام سبتمبر، كذلك مدى أهميّـة التكنولوجيا فِي تطويـر المهنـة وأهميتها فِي مصارعة الطغيـان. تصـاعد اهتمـامـي بالمدرسـة الغربيّـة وبرسّامين لهـم تجاربهم وخطهم الفنّـي وتأثيـرهـم، واستدراكي لرسوم بابلو بيكاسو ضدَّ ديكتاتور إسبانيا (فرانكو)، وكذلك تأثري بالفنّان جايمس غيلاري (1757م – 1815م) الإنجليزي ورسومه السّياسيّة، وتشارلز فيليبون (1800م – 1860م). هؤلاء الفنانون كانوا يرسمون ويستهزئون بحكام عصرهم، وأعجبني الفرنسي فيليبون لرسمه مَلِك فرنسا لويس فيليب على هيئة انجاصة (كُمَّثرَى) ممّا أغضب المَلِك ورفع عليه قضيّة أمام المحاكم.
نعم، لقد استحضرت كلِّ ذلك، وتعلمت مِن هؤلاء الفنّانين بأن سلاح الكاريكاتور والفنّ فِي عمومه له تأثير قوي، ومع تطور الإنترنت وشعوري بأن النَّاس فِي ليبَيا فعلاً يشاهدون أعمالي، بدأت فِي تقنين أسلوبي، وزوايا معالجتي للقضيّة الوطنيّة، وازداد اهتمامي بتجارب رسّامين آخرين وفنانين الفوتو مونتاج مثل ريتشارد هاميلتون، جون هارتفيلد وآخرين ومصورين مثل الفرنسي هنري كارتير بريسون وهُو المفضل لدي، ولكن مع الأسف لم أجد أيَّ رسام عربي أو فنّاناً يملك قدرة الإبداع الّـتي يملكها الغربيّون، فهؤلاء متشبعون بجو الحريّة والتحرَّر، ولا يجاملون أحداً على حساب معتقداتهم وقضايا شعوبهم وأممهم، عكس الرسّامين العرب الّذِين تجدهم ينتقدون كلِّ شيء ويتطاولون على الجميع إلاّ حكامنا الّذِين هم أصل الداء والبلاء..”.
وَرُبَّما أَستطرِد هُنا لأُؤكِّد ِأَن انتماء حسن دهيميش لهذه المدرسة حدا به إِلى أن يقول أو يفصـل نفسـه عَن الساطور الّذِي اختـاره اسماً لـه، فقال فِي حوار صحفي:..”.. أنا كإنْسَان يهوي الرسم والفنّ بجميع أنـواعه يختلف عَن الساطور كشخصيّة رمزيّة، فالساطور من صنيعتي وليس بالضرورة يمثلني أو يطابقني، فالساطور قد ينتقدني كشخص إنَّ أخطأت، كمَا أنني وكإنْسَان يمكن أن أنتقد الساطور، فالنسبية هي أوَّل شروط الموضوعيّة..”.
ولابُدَّ أن أُشير فِي هذا السّياق إِلى أن رسومات الساطور لم تكن يوماً محل رضا الجميـع أو محل إجماع، ولكن الجميع كان يثمن عالياً موقفه النضالي ومقتنعاً بأهمية فنّـه ومدى تأثيره على نظام القذّافي المستبد. وعلى المستوى الشخصي لم أكن معجباً بكلِّ إبداعاته التشكيليّة، لأنّ هُناك تجاوزات لا أقبلها فِي بعض لوحاته الكاريكاتيرية، والّتي هُو كان يراها مِن صميم عمله وطبيعة دوره، فالفنّان الحقيقي –وكمَا كان الساطور يراه– ليس لديّـه محظورات أو ممنوعات أو خطوط حمراء، ولا يمكن له أن يجامل أو يسمح لأحـد أن يكتف يديه، لأن ذلك قمعٌ للفنّ وإلغاءَ للدور الّذِي يجب أن يلعبه فِي حيَاه النَّاس كمَا هُو قائم فِي دول الغـرب، وغائب عندنا فِي دول العرب.
أَعُود بعْد هذا الاستِطراد إِلى سِيْرَة حسن مُجدَّدَاً، فقد كان محباً للمَلِك إدْريْس السّنوُسي منذ صغـره، ورُبّما يرجع ذلك لأنه تربى فِي بيت محب للمَلِك إدْريْس والسّادة السّنوُسيّين على وجـه العموم، ولذا لم يكن فِي يومٍ مِن الأيّام يطيق القذافي، ومجموعته العسكريّة ونظام حكمه، وقد كان واحداً مِن بين الطلبة الّذِين تظاهروا ضدَّ نظام سبتمبـر فِي أوائل العام 1975م، وهُو العام نفسه الّذِي خرج فيه مِن البـلاد وقرر الاستقرار فِي الخارج بعد أن ضاقت الحيَاة بالِلّيبيّين وبالشباب – على وجه الخصوص – الّذِين كانوا طموحين ومقبلين على الحيَـاة.
ورُبّما أستطرد هُنا لأعبر عَن أسفي الشديد لما قرأته فِي سطور إحدى المقالات أو الخواطر التي كتبت بعْد رحيل الساطـور، والّتي احتوت على إشارة سلبية أو صوّرت أن العلاقة بين المَلِك إدْريْس والشّيخ محمود دهيميش والد الساطور كانت بين شدّ وجذب وأنَّ المَلِك – رحمـه الله – اتخذ قراراً تعسفياً ضدّ الشّيخ وغضب منه غضباً شديداً وفصله مِن عمله، لدرجة أنّه فقد كلِّ المزايا التي كان يحظى بها لينتقل الشيخ بعدئذ إِلى بيت قديم جدَّاً بالإيجار، وقد كانت جدران ذلك البيت مشقوقة وسقفه متصدعاً !!؟. ولا شكّ أن هذه الروايّة تحتاج إِلى تحقيق وتدقيق، لأنها تتنافى مع سجل إدارة المَلِك للحكم، وأن ذلك ليس مِن شيم المَلِك ولا أخلاقه، بالإضـافة إِلى الشّيخ محمود – رحمه الله – كان يضع صورة كبيرة للمَلِك إدْريْس داخل بيته، وكان لا يذكره إلاّ بالخير بل ظل يحبـه حتَّى آخر يوم فِي حياته. وَمَا يمكن إضافته فِي هذا الصدد أيْضاً أن الشّيح محمود كان صوفياً، والصوفيون يحبون آل البيت، والمَلِك إدْريْس السّنوُسي يرجع فِي نسبه إِلى آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأن حبّ الشّيخ للمَلِك امتد منـه إِلى أولاده، وهذا مَا أكده ابنـه فنانا الرَّاحـل في حواره مع صحيفة: (ؤسان)، فقال:..”.. لم أكن أطيق القذّافي، ومجموعته العسكريّة، وكنت شخصيّاً مِن محبي سيّدي إدْريْس..”.
وُعُوْدَاً على ذِي بَدْء، مرَّ حسن دهيميش بظروف صعبة وقاسيّة جدَّاً فِي سنوات غربته الأولى، وعمـل فِي أعمـال مختلفة مِن أجل تأمين لقمة عيشه، كمَا كان مطارداً مِن الشرطة البريطانيّـة بسبب إقامته غير القانونيّة، وكان ذلك قبل زواجه مِن زوجته الإنجليزيّة والّتي تمكن بعْد زواجـه منها مِن تسوية إقامته ثمّ حصوله علـى الإقامة الدّائمة وبعـدهـا الجنسيّة. استمر فِي عمله بشكل جزئي أو ساعات محدودة فِي بعض أيّام الأسبوع أو مَا يُعرف بالإنجليزي (Part time)، وقد انتبه إبّان ذلك إِلى أهميّة الكمبيوتر فدرسه ومنحـه جزءاً مِن وقته، ثمّ درس الفنّـون الجميلة فِي جامعة برادفون إِلى أن تحصل على البكالوريوس ثمّ درجـة ماجستير فِي الفنّـون الجميلة. وعمل بعْـد تخرجـه فِي حقل التدريس، فدرس مادة الرسم أو الفنّـون الجميلة (Art) لسنوات طويلـة. ورزقـه الله سبحانه وتعالى مِن زوجته بولد وبنتين، وقـد عمل ابنـه الشريـف بعْـد ثورة السّابع عشر مِن فبراير 2011م فِي الموقع الإنجليزي لقنـاة (ليبَيا لكل الأحـرار) فِي الدوحـة العاصمـة القطـريّة.
وَفِي المملكة المتَّحـدة، انضم حسن دهيميش مبكراً إِلى القوى الوطنيّة المُعارضة لنظام القذّافي فِي الخـارج، وبدأ نشاطه الإعلامي فِي مجلّة: (الجهاد) أولى صحف المُعارضـة بالخارج ثمّ مجلّـة: (صـوت ليبَيا). انضم إِلى (التجمع الوطنيّ الدّيمقراطي) الّذِي كان يمثـله الدّكتور محمود سُليْمـان المغربـي (1935م – 2009م) والأستاذ محَمّد فضـل زيـان، ورسم أوَّل كاريكاتيراته فِي مجلّـة: (الجهـاد) لسان حال التنظيم. واستمر فِي نشر إنتاجـه فِي مجلّـة: (صـوت ليبَيا) بعْد عقد مؤتمر لندن فِي سبتمبر / أيّلول 1981م، والّذِي أسفر عنه دمج: (التجمع الوطنيّ الدّيمقراطي) وتنظيم (الحركة الوطنيّة الدّيمقراطيّة الِلّيبيّـة) الّتي كان مِن قياداتها الأستاذ فاضل المسعودي والأستاذ نـوري رمضـان الكيخيّا، والأستاذ عبدالرحمـن السويحلـي، فِي تنظيم سياسي نضـالي واحـد أُطلـق عليـه: (التجمع الوطنيّ الدّيمقراطي الِلّيبيّ)، واعتماد مجلّـة: (صـوت ليبَيا) كمجلّة ناطقة باسم التنظيم الجديـد، و(الجهـاد) كنشرة داخليّـة له. ويـذكر أن مجلّـة: (صـوت ليبَيا) كانت لسان حال تنظيم (الحركة الوطنيّة الدّيمقراطيّة الِلّيبية)، وقد صدر أوَّل أعدادهـا فِي 7 أبريل / نيسان 1979م. وعَن هذه المحطّة، قال حسن دهيميش رداً على سؤال صحيفة: (ؤسان) الإلكترونيّة فِي حوار أجراه الموقع معه ونشر بتاريخ 16 فبـراير / شبّاط 2010م:..”.. تعرفت على المُعارضة الِلّيبيّة المُنظمة، والمتمثلة فِي البداية فِي (التجمع الِلّيبيّ)، وبدأت معهم أرسم فِي مجلّـة (الجهاد)، ثمّ مجلّـة (صوت ليبَيا)، وكانت تلك مِن أروع الفرص، لأنها أتاحت ليّ مجال التعرف وعن قرب على أستاذي الكريم المُناضل فاضل المسعودي الّذِي أعتبره كنزاً وطنياً لا يعوض، فعاشرته لمدة بدت ليّ قصيرة، ولكنها كانت غنيّة ومِن ذهب، لأنيّ تعلمت فيها منه الكثير مِن الناحيّة الصحفيّة والمهنيّة، فقد ساعدني ووجهني كثيراً فِي فهم الفنّ الكاريكاتيري..”.
وَفِي جَانِب آخَر، ساهم في نشاطات فرع الاتحاد فِي المملكة المتَّحـدة، وكان أيْضاً يرسل بعض كاريكاتيراته فِي مطلع الثمانينات إِلى مجلّـة: (شـهداء ليبَيـا) الناطـقة باسم فرع اتحاد طلبـة ليبَيـا بالولايّات المتّحـدة وقتما كان الأستاذ توفيق مُصْطفى منينة أميـناً للصحـافة والإعـلام بالهيئـة الإداريّـة. ويُذكر أنه بدأ فِي نشر إنتاجه الفنّـي فِي صحف المُعارضـة الورقيّـة ثمّ المواقـع الإلكترونيّـة بعْـد ظهور الفضاء الإعـلامي، وخروج: (ليبَيا وطننا) أوَّل موقع الإلكتروني ليبي فِي العام 1997م الّذِي أسسه الدّكتور إبراهيم اغنيوة الملقـب بـ(رائـد الإعلام الإلكتروني الِلّيبيّ). ويُذكر أيْضاً أن حسن دهيميش استقال مِن (التجمع الوطنيّ الدّيمقراطي الِلّيبيّ)، واقترب – وفِي وقـت مِن الأوقـات – مِن تنظيـم (الجبهة الوطنيّـة لإنقـاذ ليبَيا) وأرسل بعـض رسومـاته إِلى وسـائل الجبـهة الإعلاميّـة، ولكنه قرر ألا ينضم إِلى أيَّ تنظيم مُعـارض، وفضَّـل أن يكون مستقلاً، ويـكون إنتـاجـه متاحـاً للجميـع، وألا يكون التزامه التنظيمي قيداً على فنـه وألا يجامل أحداً على حساب معتقداته وقضيّة شعبـه وأمـته.
وقـال عنـه الأستاذ أحمَـد خليفة الماقنـي فِي كلمة تأبينـه لـه:..”.. كان الساطور كفنّان يُـعد مدرسـة لفـنّ الكاريكاتير الملتزم بخط إيديولوجي واضح وهادف فِي استعمال ساطوره الّذِي يستمد عمق إيحاءاته مِن بيئته، حيث تعمل رمزيّة الصورة على تعريّة وحشية أصحاب القرارات السّياسيّة فِي تهشيم الكيانين الوطنيّ والفردي للمواطن..”.
وقـال عنـه الأستاذ هشام بِن غلبـون:..”.. لقد كانت رسومات الساطور وزاوية رؤيته المختلفة تُدخل علينا البهجة طوال عقود الغربة الطويلة وتنعش حالة الركود التي تنتابنا في أوقات الإحباط في تلك المرحلة بقدر ما كانت تنغّص عيش القذافي وتعكّر صفوه الذي كان يصوره بسخرية وازدراء بحذاء نسائي أحمر صار مثل العلامة المسجلة للعقيد، بينت الأيام بعْد ثورة فبراير أنه كان يستشيط غضباً مِن تلك الصورة الكرتونية الّتي حبسه فيها الساطور بتكرارها بتجدّد وتنوّع مبهر..”.
وَخِتامّاً، كان الساطور يريد السفر إِلى أرض الوطـن بعْد اندلاع ثورة السّابع عشر مِن فبراير، ولكن ظروف كثيرة حالت دون سفره، وبعدما سمحت ظروفـه بذلك فِي سنة 2013م نصحه أحد الأصـدقاء بـتأجيل الأمـر خوفاً على حياته. غادر الدنيا ولم ير بّنْغـازي الّتي يعشقهـا منذ أن غادرهـا فِي العام 1975م، وبعدما استعد لزيارتها في العام 2013م منعـه صديقـه الأستاذ عُمر الكـدي مِن ذلك خوفاً أن يصيبه مكروه أو يطاله الاغتيال. قال الكدي فِي كلمته التأبينيّة:..”.. منعت الساطور فِي العام 2013م مِن زيارة بّنْغازي خوفـاً على حياته. كانت موجة الاغتيالات فِي ذروتها وكان الساطور مطلوباً مِن الجميع. كم أشعر بالندم. ليتني تركته يزور المدينة الّتي أحبها أكثر مِن أيَّ مكان فِي العالم، لعله يكحل بها عينيه قبل أن يغمضهما إِلى الأبد..”.

وَفَاتِه
وبعْد انطلاق ثورة السّابـع عشر مِن فبراير2011م، سافر حسن دهيميش مِن لنـدن إلى الدوحـة إحـدى العواصـم الّتي احتضنت الثوار، والّتي انطلقـت منها قناة ليبَيـا لكل الأحـرار – القنـاة الّتي استجابت لواقع الثورة الِلّيبيّـة ولنقل صوتها إِلى كـافـة أنحـاء العالم. وكان حسن مِن أوائـل مَنْ لبـوا النـداء لانطلاق القنـاة، وواحد مِن أولئـك الرجـال والشباب الّذِين أتوا مِن كلِّ مكان وشكّلوا الكادر الوظيفي لقنـاة ليبَيا لكل الأحـرار الّتي ترأسها الإعـلامي محمـود عـوض شـمّام، وانطلق بثها الفضـائي بعْد أسابيـع قليلة مِن اندلاع الثـورة، وكان يـوم الأربعـاء الموافق30 مـارس/ آذار 2011م يوم انطلاقهـا الأوَّل. ساهم حسن دهيميش فِي الجانـب الفنّـي الخاصّ بقنـاة ليبَيـا لكل الأحـرار، وساعد فِي الترجمـة مِن الإنجليزيـّة إِلى العربيّـة، ونشر كاريكاتيراته بشكل يومـي فِي القنـاة، كمَا كان يرسل رسوماتـه إِلى موقع: (ليبَيا المُسْتقبل) الّذِي يديره الأستاذ حسن الأميـن، وهُو الموقع الّذِي احتضـن أعمـاله الفنيّـة لسنوات طويلـة، وإِلى موقـع: (ليبَيا وطننا) أقـدم المواقـع الِلّيبيّـة الإلكترونيّة.
واستمر فِي عمله بقناة ليبَيا لكل الأحـرار لمدة تجاوزت العامين، وانتقـل فِي العام 2015م إِلى عمَّـان العاصمـة الأردنيّة ليعـمل فِي (قنـاة 218)، القنـاة الّتي انطـلق بثها فِي شهر أكتـوبـر / تشرين الأوَّل 2015م. نشر رسوماته الكاريكاتيريّة فِي موقع: (قنـاة 218) الإلكتروني وفِي قناتها الفضـائيّـة، وقد كان حسن دهيميش واحداً مِن بين مؤسسي (قنـاة 218)، ومِن أهم عناصر كادرها الوظيفي.
والشّاهـد، عمل حسن دهيميـش خلال الثورة فِي (قناة ليبيا لكل الأحرار)، ثمّ عمل في (قناة 218)، قبل أن يكتشف الأطباء فِي العـاصمـة الأردنيّـة أنه يعاني سرطاناً بالمخ في مراحله المتقـدمـة أو الأخيرة، فقرر السفر إلى بريطانيا ليكون مع زوجتـه وبين أولاده.
انتقل إلى جوار ربه يوم الثلاثاء الموافق 16 أغسطس/ آب 2016م بالمملكة المتَّحـدة، تاركاً وراءه تاريخاً حافلاً بالمواقـف الوطنيّـة والمُساهمات النضاليّة والأعمـال الفنيّـة الّـتي ستخلد اسمه أبد الدهر… “تَرَكْت ذَكَرَاً فِي بِلادِك *** وَالذِّكْر بَعْد الْمَوْت عُمَر” (*)
رحم الله الفنّـان حسن دهيميش المعروف بـ(الساطور)، الوطنـيّ المُخلـص وابن مدينة بّنْغـازي البّـار، أحد الوجوه الفنيّـة المعروفة فِي مجال الرسوم الكاريكاتيريّة، عاصر تأسيس فصـائل المُعارضـة المناهضة لحكم معمّـر القذّافي فِي الخـارِج فِي أواخـر سبعينات القرن المنصرم، وبدأ فِي نشر رسوماتـه الكاريكاتيريّة مع صدور أولى صحف المُعارضة الِلّيبيّة. رحم الله دهيميش الفنّـان المُنـاضـل المُبـدع الّـذِي ترك لنا تراثـاً عظيماً لن ينساه الشّعب الِلّيبيّ.
رحـم الله فنـانا الكبيـر وعوضنا فيه خيراً.

___________________

مُلاحَظّات وَإشَارَات:
*) بيت الشعر: مِن أشعار الشّيخ حُسيْن لحلافي.

مصَادِر وَمَرَاجِع:
1- تحليلات وملفات ساخنة – تقـريـر تحت عنـوان: (فن الكاريكاتير.. ودوره فِي نهضة الثقافة العربيّة) – موقع: (الحـق نت) بتاريخ الخميس الموافق 23 أكتـوبـر / 2014م.
2- الأستاذ حسن الهونـي – مقـالـة تحت عنـوان: (وداعاً حسن دهيميش .. ساطور ليبَيا الساخر) – الصفحة الشخصيّة فِي الفيسبوك بتاريخ يوم الأربعاء 17 أغسطس / أب 2016م.
3- موقع ؤسان – حـوار مع المُبدع الساطور – نشر الحـوار بتاريخ 16 فبراير / شبّاط 2010م.
4- الأستاذ عمر الكدي – مقالـة تحت عنـوان: (وداعاً سيد الريشة المقاتلة) – موقع ليبَيـا المُسْتقبـل يوم الخميس 19 أغسطس / آب 2016م.
5- موقع ليبَيـا المُسْتقبـل – تعـزيـة: الفنّـان حسن دهيميش “الساطور” فِي ذمـة الله – موقع: (ليبَيا المُسْتقبل) بتاريـخ 16 أغسطس/ آب 2016م.

نشر بموقه ليبيا المستقبل

مقالات ذات علاقة

محمد العدولي مرشد الرحالة الأجانب في شرق ليبيا

المشرف العام

الحياة من خلال عدسة التصوير

رامز رمضان النويصري

عاشق الصحافة والرحلات .. الكاتب والمُثقف أبوبكر الهوني فِي ذمـة الله

المشرف العام

اترك تعليق