الشاعر السنوسي حبيب
شخصيات

السنوسي حبيب .. ملف مدونة سريب

تمر هذه الأيام الذكرى الثالثة لرحيل الشاعر الليبي “السنوسي حبيب”، وهنا نعيد نشر الملف الذي نشرته مدونة (سريب) في 2010، للكاتب “أحمد الفيتوري”.

الشاعر السنوسي حبيب

عن أول حب للشاعر السنوسي حبيب

بقلم: أحمد الفيتوري

 

كنت أعمل في جريدة الجهاد التي يرأس تحريرها محمد علي الشويهدي بمدينة بنغازي سنة 1974، حينها أصدر الشاعر السنوسي حبيب ديوانه الأول: عن الحب والصحو والتجاوز وعلي حسابه الشخصي.

وعد أول ديوان يصدره شاعر من جيلي جيل السبعينيات ويرسم رسومه وغلافه تشكيلي من هذا الجيل هو عمر جهان؛ حينها اليسار يزين بقرنفلة جاكيته العسكري التي استعارها من تشي جيفارا.

لما أصدر الديوان وزع أيضا بشكل شخصي؛ قام بعض الأصدقاء والمعارف ببيع النسخ للطلبة في الجامعة الليبية ببنغازي، وكذلك لبعض المثقفين المهتمين.

قبلها حاول الشاعر السنوسي حبيب نشر الديوان من خلال مجلة جيل ورسالة التي يصدرها كشاف ليبيا ويرأس تحريرها سعد نافو، هذه المجلة أصدرت عددا من الكتب منها الديوانين الأولين للشاعر محمد الشلطامي، لكن مستشار المجلة رفض ديوان السنوسي حبيب بحجة وجود زحاف في الوزن التفعيلي لبعض القصائد وطلب تعديل ذلك، السنوسي رفض هذا التعديل معتبرا أن القصائد نشرت في الصحف والمجلات بهكذا أخطاء وأنها تمثل تجربته.

والكاتب المسرحي منصور بوشناف، من حينها كان طالبا بكلية الآداب وزميلا للسنوسي حبيب، تحصلت مسرحية: تداخل الحكايات عند غياب الراوي، علي جائزة في مسابقة مسرحية أقيمت حينها، من القيمة المالية لهذه الجائزة تم دفع المبلغ المطلوب لطباعة الديوان.

أما الشاعر محمد الشلطامي فهو الصوت المبرز لتلكم المرحلة بأشعاره التي يطلقها كالنار في الهشيم، وحول الطلبة أشعاره كمتاريس في مواجهة السلطة أثناء أحداث الطلبة المطالبة باستقلالية الجامعة وبعودة العسكر إلي ثكناتهم.

في مرحلة تمور وتدوي بأحداث وشعارات تملا الشوارع طبع ديوان عن الصحو والحب والتجاوز، وكنت أول من كتب عن الديوان باعتباره “منفيستو جيلي” وأنه الشعر المتجاوز، وعن نبرته التي تجوس بالمكان.

كل المعطيات هذه جعلت من السنوسي حبيب شاعرا في الإمكان أبدع مما كان؛ الشعار الذي اتخذ كأيقونة لليسار حينها، وبدا أن الشعرية أفق مفتوح كما الأحلام والأماني، وكما التمرد والرفض والانتماء، ما هيمن علي شباب هاتيك اللحظة الراهنة وقد كانوا جميعا من الطلبة حتى من لم يكن طالبا فعلا هو طالب بالقوة.

السنوسي حبيب الطالب الجامعي الذي لا يبتغي مغادرة صروح الجامعة، من لباسه بدلة تشي جيفارا أو برنوس جيل جيلاله، من يتظاهر ضد تجنيد الطلاب، هذا المتمرد يكتب الشعر وينشره في الصحف والمجلات المتاحة، هذا الشعر متمرد علي الشعرية المهيمنة حينها متخذا الشعر كلسان حال ينثر الشعر ويجعل من النثرية الشعر.

لقد كتب قصائده كما كتب الشعارات علي حيطان الجامعة.

لهذا فإن ديوان: عن الحب والصحو والتجاوز وهو الديوان المعاش لجيل ركب مركب السجون والمنافي، ديوان نسي في خضم التجربة التي صدع فيها بالتجاوز الذي ديدنه الحب.

***

عن الحب والصحو والتجاوز

(إلي الأطفال المتوثبين النظرات، الواعيدن بالعطاء الخصب)

صلوات لإنسان القرن القادم

يا حزن العالم هبني لحظة صحو

كي اكتب كلمة حب لمن اهوى

علّي استنشق رغم العالق في حلقي

انفاس الحب

علّي في برد ليالينا ادفا لحظات

في بسمة طفل تتلمس قدماه الدرب

في نظرة وجهٍ متورد

اعياه الصمت

في معول عامل من شعبي

في قطرة ملحٍ تذرفها عينا إنسان

يا حزن العالم مرتسما في نكبة شعب

بليت نعلاه على الطرقات وفي القاعات

والليل طويل والحادي قد ضل الدرب

ها أنذا تصفع أذنيّ كل الطرقات

ماذا اعطيت لكي يعطيك الفرح الرب

يا حزن العالم هبني لحظة صحوٍ أبدية

على اتخلص لحظتئذ

من هذا الوحش الرابض في الساحات

وفي القاعات المكتظة بالكلمات الصفراء

بضجيج الزيف وبالتسويف وبالإرجاء

يا حزن العالم في (شيلي) انهار الدم

عبثت بالشاعر والإنسان

(نيرودا) شاهد هذا

لا تتألم.. نم مرتاحا

فسلاح الفاشست العصري

لن يرهبنا

لن يقتل فينا البذرة والإصرار

وجميع المدن المنهوبة في عالمنا

ستهب غدا أو بعد غدٍ

لتقاضي الناهب والجلاد

وتولّد من رحم الأحزان ورحم الليل

إنسان القرن الواحد والعشرين

إنسانا تشرق من عينيه ومن شفتيه الشمس

إنسانا يعرف ما سيناء وما الجولان

لايرهب وهج الشمس ولا خوذات النازيين

إنسانا يعرف ما الثورات وكيف يكون الثوريون

يا حزن العالم هبني لحظة صحوٍ

تمحو زيف اللحظات

– 27-11-1973م – نشرت بالأسبوع الثقافي

***

أحلام ليلة باردة

إيه يا أحلام يومي

ما الذي تنبته الأحلام في ليل السبايا

ونجيمات الليالي الهمجية

في مطبات الهواء المكفهرة

في سما بنغازي ذات الحلمات الحجرية

إيه يا أحلام .. يا أحزان .. يا بعض دمائي والخلايا

يا تراتيل نبيّ في زمانٍ ليس يعطي

غير نبت السبخة الدكناء في (الكيش)

وأصباغ الوجوه المستباحة

غير تفات البغي إذا اشمأز الرافضون

واكتساحات الرؤوس المستريبة

لأغاني الفقراء الطيبين

إيه يا أحزان .. يا أفراح

يا أرضي التي تحبل بالبذرة والحب

وبالصحو الأكيد

آه لو تمتد بي الأيام حتى

تولد اللحظة يوما في روابيك الندية

(تورق الاحجار) تعلو همهمات الخافتين

إيه يا أحزان.. يا أفراح.. يا برد الجبال

من ترى يحمل تلك الصخرة الرعناء

عن جيلي إلى رأس الجبل

ثم لايألو يدحرجها إلى الأعلى

إذا ارتدّت إلى القاع ِ

فلا يثنيه خوف ٌ..لا كلل

إيه يا أفراح.. يا أحزان.. يا برد الليالي الهمجية

كلما نوّر في الظلمة والبرد شعاع

سجد الحلاج في صمتٍ وحيته السما

هل أنا أنت.. وهل أنت أنا؟

رددّ السياب يا نهر بويب

روِّ جوع الأرض

عجّل بالمطر

وأنا والليل والحزن العظيم

نبذر الحبّات كي يأتي المطر

إيه يا أحزان كلّ الفقراء الطيبين

في حقول الأرض في كل البقاع

إيه بنغازي تحييكم وتضنيها الدموع

6-2 1973م – نشرت بمجلة فينوس

***

كلمات في الثانية الفاصلة بين العامين

عندما يحلم ثائر تورق الأحجار في أقسى جبل – محمد الشلطامي

الليلة قاطعني النوم

وفارقني العام الثالث والسبعون

صليت لعينيك طويلاً ولعنت الليل

قلّبت ثنايا المخ وطيّات الأوراق

قابلتك في كلمات الصحب

وفي بسمات الأطفال

وسمعتك في همسات صبايا الحي

وفي كلمات المحرومين

من عطف الأب وما تحمله يداه

لدى الإياب

ورأيتك في طفلة جارتنا وهي تثرثر قبل النوم

– ما دام أبي سيعود.. لماذا نضبّ الأبواب !

– نامي يا زهرة حبّي على ذكراه

فسوف يزورك في الأحلام

– نامي ودعيني أفكّر فيك وفيه

الليلة تشتعل الأفكار بجمجمتي

تفتح.. تقفل تلك الأبواب

يرفعني البعض إلى أعلى

ويغوص البعض يمزّق في الأعماق

الليلة يرهقني التفكير

وتعصر قلبي الأشواق

الليلة حيث رأيتك فوق الرفّ تنامين

وكان الموت على الأبواب

14-12-19773م – نشرت بصحيفة الجهاد

***

قطرات من العشق

نحن عشّاقك في الصمت

وفي البوح فيا هذي المدينة

طهّري بالحبّ قلبك

مرّةً ولتحضنينا

افتحي شبّاكك الساهر في الفجر

على رخّ المطر

اغسلي بالقطرة اللؤلؤ وجهك

وانصتي كي تسمعينا

عند خط الأفق في الفجر نغنّي

حزنك المكبوت، والصحو، وخبز الجائعين

نحن صلينا على الدرب طويلاً

وانتظرنا لحظة الإقلاع بالحزن من الحزن

وساءلنا القمر

عندما جلل بالروعة سعفات النخيل

كيف خلّفت الهوى المكبوت في تلك الروابي

نحن ما تهنا و(غيبون)1 المبجّل

يقرع الكأس ويسقي الزائرين

خمره الممزوج بالخوف وملح الكادحين

نحن حطمنا الوجوه الغبر في سوق المدينة

امتطينا الريح والعتمة، قبّلنا ذوآبات الشجر

احتضنا الأرض والأطفال

والجيل المسجّى

وتضرعنا (لزاد الخير)2 أن تأتي إلينا.

يناير 1974م – نشرت بصحيفة الجهاد

_________________________

(1) و(2) شخصيتان في مسرحية ناطورة المفاتيح للرحباني

***

تداخل

(1)

(تأكلنا المدن المجنونة)

نصمت حيناً

نتلهى حيناً بالتسبيح وبالأقوال المأثورة

نتمدد في كتب التاريخ وخطب البلغاء

تمطرنا قوافي مدّاحي الحجاج

حنقاً

خوفاً

(فولاً)1

قتلاً مشروعا

(هذا تمر رؤوسِ آن قطافه)

تتلألأ شفرة سيف الحجاج

تتصلّب أعراق الرقبة والرأس

ترتعش الركب.. الأقدام.. الأقلام

ينكمش صداح الكلمات

همساً

وشوشةً

صمتاً

موتا

(2)

تأكلنا مدن الضجّة والأضواء

تسحلنا الأرصفة العجلات الحانات

نتقلب في برد ليالي الترحال

نبحث عن قطرة دفءٍ

صحوِ

لحظة حبِّ وعطاء

(3)

تأكلنا مدن الغربة والأشجار الحجرية

نتوقى منها باسم اللّه ونمضغ قول السلف الصالح

(إن الصبر)

يفجأنا صوت الريح.. الصحو يشق ركام التاريخ

يتبرعم في الأعماق

يفتّح

يزهر

يضحي وهجا

نتجاوز زمن الخوف، الصمت، السحل

إلى زمن الإرهاص

(4)

تفجعنا المدن المجنونة

نستنطق خشب التابوت

نمزّق كفن الموؤدة

نستنشق عطر الصحو، دبيب النشوة في الأعماق

يتلاشى زمن الصمت، العقم، الموت

نستقبل من ظل السلف الصالح وجهاً آخر

نتفيأ فيه الشوق

الصحو

الحبّ

أناشيد الأعياد

يتشامخ زمن الصحو، تنوّر ضحكات الأطفال

26-3-1974م – نشرت بصحيفة الفجر الجديد

_________________________________

(1) تقول الحكاية الشعبية إن جحا قد قتل المؤذن يوم امطرت السماء بالفول.

***

انبلاج الأشياء الصامتة

أصدقائي..

ماتت الأحرف فلتحيا ارتعاشات الشفاه

عندما تنبض بالدفء وبسمات العذارى

عندما يحلم أطفال المدينة

بالغد المقبل بالحلوى وطيّات الثّياب

بليالي الدفء والخبز وخرّاف العجوز

_ كان فيما مرّ من أزمان في هذي المدينة

فارس يغتصب الريح فتجزيه المطر

أصدقائي..

ماتت الأحرف فلتبكوا سقوط الكلمات

عندما يمهمكم قارضها الجرذ الحقير

بالأماني الرائعات

احذروه

عفن التاريخ فيها والوجوه الكالحة

فتّشوا في معجم الأطفال عن كلّ المعاني

مزّقوا القاموس والمرشد وليحيا

ارتعاش العضلات

أصدقائي ..

حطّموا -اللحظة – في الأسواق أضواء النيون

ارجعوا للحرف دفء الصدق والمعنى الخصيب

رفة الهدبين، والأنفاس، والشوق المعنّى

ضجة الأطفال في وجه السنين الباردة

أصدقائي …

ماتت الأحرف لكنّ الغد المأمول لن

يخبو شعاعه

رحم جيلي سوف ينميه بفعل الشمس

في كل القلوب

بانفلات العضل المكبوت، تحطيم السكون

العفن الراكد في كلّ الفصول

أصدقائي…

ماتت الأحرف…

فليحيا ارتعاش العضل الفاعل في كلّ الفصول

دورة الأرض، اشتداد الضوء

تحطيم الثواني الراكدة

11-2-1974م – نشرت بصحيفة الجهاد

***

قراءة في عيون المبهجة

(1)

إلى م تظلّين جرحا ..

وأبقى وحيدا أحدّق وسط الفراغ

وتنخر قلبي الكآبة..

وتبقين خلف الفراغ.. وخلف الضباب

وخلف المرايا

حدائق تنبض بالدفء، بالحب فيها السواقي

وتعبث تحت الكروم وفوق الحشائش

صبايا تنوّر كالفلّ ضحكاتها

وتشرد بين العرائش حين يراها

غريب تجيء به الدرب رغم اتساع المسافة

وتبقين أنت حضورا عظيماً

يؤجج كالشمس في الأعرق الرغبات الدفينة

وكالحب حين تشع به أعين عاشقة

تظلين حلماً، ومئذنةً، ومدينة

(2)

إلام تظلّ جراحك تروي الشوارع كلّ مساء

بدمع العيون الصغيرة

وتبقين صحواً تجيء به الشمس كلّ شروق

ويسرقه الغيم وقت الظهيرة

فيشتّد في الأعين العاشقات التّوهّج

رغم الضباب وبعد المسافة

ورغم إنقشاع السّحاب الذي ليس يمطر

تبقين بالغيث حبلى

وبالانبلاج يولّد في الأعين الاكدات التجاوز

وبالضحكة الفلّ تسكن وجه الصغير

تسبّح عيناك كلّ مساءٍ وتشدو السّواقي

(3)

إلام تظلين جرحاً وتبقى خيولي

تجوب صحاري الرّوى المتعبات

وتركض جذلانةً حين يرقص

من شدّة القيظ نهر السراب

وينداح من تحتها الرمل

ذات اليمين وذات الشمال

فتنهار مكسورة البال تلهث عطشى

يعذّ بها البعد بين المحبّ الغريب

وبين صبايا العرائش

(4)

إلام تظلّين جرحاً واغفاءةً لاتطول

ويبقى اصدقائي الصغار الكبار

يشيخون إذ يقمر الليل

تهرم أصواتهم منشدين

تعالي.. تعالي لنا بهجةً وانتصاراً، وحبّا

7-4-1974 – نشرت بمجلة الثقافة العربية

***

تهاميش على مقاعد المكتبة

تهميش رقم 1

(إلى ن. ع .س)

وحين تلوحين يا بهجة العمر

ينتعش القلب، ينفرج العمر

يلغي حضورك كلّ وجودٍ سواك

يأنس كلّ محبّيك

ترنو إليك العيون، القلوب، الحناجر

يدغدغ صمت الممرات

همسك يا خصبة الهمس يا عذبة الصوت

يا فرحةً في الزمان المقامر

وحين تغيبين ألقاك في رّنة الحزن

تجتاح أصوات صحبي

تسكن وجه المدينة

وفي ساحة الصمت تزداد عرضا وطولا

أحس ببرد التوابيت تقذفه الأعين المستريبة

وحين تهبّ على خاطري نسمةٌ من ضياك المعطّر

أحسّك حقل نخيلِ بواحاتنا النائيات السخية

يشاكس أشجاره الصبية الرائعون الجياع

فيسّاقط التمر حبّاً وصحواً وجيلاً مخاطر

ويضحي وجودك فرحة طفلٍ

لقاء محبٍّ لمحبوبه، جرن قمحٍ، مدينة

وحين أغنيّك يا بهجة العمر

هذا زمان التجاوز فانتفضي مرّةً

واخرجي من زمان التوجّس والموت

إنّ الضياء تشع به كلّ عينٍ

ويشحن كلّ القلوب للقياك

في ساحة الفرح.. الحبّ.. حيث التوهّج أنت

الضياء، الحقول، المدينة

مايو 1974م – نشرت بصحيفة الجهاد

تهميش رقم 2

(إلى المتعب من الحياة)

ها أنذا اغتال صمت الحزن

من عينيك يا مبهجتي اللعوب

أغمر قلبك الضمآن بالحبّ، وشمس الصحو

أرقص في ساحاتك المحشة الخرساء

بالطول وبالعرض وبالمقلوب

اجتث صدأ الأيام من أعين عاشقيك

استنزل القطر – فيا أودية السماء-

انهمري بالحبّ والأطفال

كعودة البحّار عند الفجر مثقل الشباك

وكارتعاش شفتيك لحظة ارتواء

وكانبلاج نور الفجر عقب ليلةٍ غيوم

وكانزلاق دمعةٍ رائعة الصفا

على ضفاف مقلةٍ وخد

وكانبلاج ضحكةٍ خجولٍ شابها الخفر

سينمو حبّ الصحو في عينيك

يا مبهجتي الجامحة اللعوب

هو الضياء للسارين والخبز وفرحة اللقاء

هو الصلاة حين ترفع المآذن الشامخة الدعاء

هو انفلات العضل الفاعل في مواسم الحصاد

هو العبور عبر جسر الضوء

من مدائن الموتى إلى مدائن الحياة

هو النماء حين ترقص المروج بالقمح

تنغّم الثغاء

سيزهر الصحو بعينيك

وترفع المآذن الصامتة الدعاء

11-6-1974م – نشرت بصحيفة الجهاد

التهميش الأخير اليقظة

( 1 )

باركت باسمك يا (حبيبة) كلّ جيلك

كّلّ شيءٍ وامتطيت لك السحاب

سفائن مثقلة بالمحبة والصحو والانبلاج المخاطر

وأعلمت كلّ المدارات.. كلّ المحطّات

أنّك تأتين كلّ مساءٍ بشوق المحبّين

عطر النداءات

تذكين في الأعين المستثارة فعل التجاوز

وأنّك تأتين مشرقة الثغر

حاملةً راية الرفض

مشرعةً لاحتضان الجميع

ذراعين يرعاهما الله – كم هدهدا خاطري –

باشتياقٍ مكابر

وكم زودا الفعل في موسم الحرث

خصباً يفوق التصوّر والحلم

حيث التوهّج في كلّ عرقٍ يولّد فيه التجاوز

( 2 )

وباركت باسمك كلّ الفصول

التي كسّرت حاجز الصمت بيني وبينك

اعطت لنا فرصة العمر أن نتقابل

نعشق، نعمل كلّ الّذي يرضي سيدة العشق عنا

نمدّ من الضوء جسراً لأطفالنا القادمين

يبنون صرح المحبة والصحو

لا يعرفون سوى الفعل حلاً

والفعل في لحظة الصحو خير الوسائل

( 3 )

وباركت باسمك كلّ الدماء

الّتي عطّرت ساحة الرفض من كلّ جيلٍ

وأعلمت جيلي

بأنّك – يا بهجة العمر – لابد تأتين

لم تخلفي الوعد من قبل

لن تخلفي الآن حين مددنا

لك الحبّ والصحو جسراً وزاداً

( 4 )

وباركت باسمك كلّ المحبّين

يا عشقنا الأ بدي الّذي يفلق الصخر

قمحاً وزهرا

وجيلاً هو الفعل إصراره لايقاوم

24-7-1974م – نشرت بصحيفة الجهاد

***

مواسم التحوّل

الرؤية

يحضرني كلّ مساء

وجهك المشرق بالرفض

وبالحبّ، وبالإصرار

تغمرني الرؤية أفياءً من الصحو

وساحات من الفعل

وأجيالاً من الثوّار

تستيقظ الأشياء من رقدتها

تبتدي التحولات

1- قبل القبل

يا مولاتي

هذا زمنٌ يتناسل فيه الصمت

وتنهار الأشياء

ينجب أطفالاً بكماً

مثقوبين ومفقوئي العينيين

هذا زمن تتراكم فيه ضحايا الإغفاء

تتخافت ومضات الإشراق

تتراكم كثبان التأجيل

على خارطة الوطن الرابض في أحضان الصمت

2- القبل

مازال إلى الأعماق

يغوص.. يغوص.. يشق القلب

يفجّر فيه عظيم الرغبات

تتبرعم فيه، تمدّ جذور التكوين

يبتدى الفعل بناء خلايا التحويل

3- الإشعار

سنرحل عبر العيون الّتي مزّقتها

حراب سنيّ الخفوت

وعبر الشعاع الذي كّبلته

سنون نجوم النحاس

سنرحل بالحبّ والصحو، والفعل

لا البرد يثني الرجال

ولا الصمت يغتال فينا الحياة

4- البعد

أصدقائي

باركوا الفعل

وكونوا الزيت

والقنديل

والجيل المخاطر

كونوا الدم الفوّار

والإصرار

والجرح المصابر

فعلى انتفاضتكم، يشبّ القلب

تنبلج الدروب مشاتلاً تنمي بذار الحبّ

في الوطن المغمّس في نزيف الجرح

تبتهج الصبايا السمر

تسكنها انفعالات التحوّل

هذا زمان الفعل يا جيل العطاء

الخصب والفعل المغامر

أصدقائي

باركوا صحوتنا الكبرى بوهج الفعل

تحترق المسافات.. الركامات المخيفة

يتضوّع التاريخ زهواً

بالبطولات وبالأمجاد والفرص الخضيلة

تستقبل الأشياء عطر الصحو

يغمرنا سعير الفعل

تنضج في مزارعنا ثمار الرفض اكداساً

تبارك كلّ جيلٍ أحبل التاريخ

بالبذر الأصيلة

أصدقائي

باركوا الأرض الّتي عانت

عذاب الطلق أزماناً

فكان الصحو

كان الحبّ

كان الفعل ساحاتٍ بها

نستقبل الآتي ونغتال المرارة

10-8-1974 الى 13- 11-1974م – نشرت بمجلة الثقافة العربية

***

لا شيء

(إلى صديقة)

لأجلك يزداد حزني

وترهق أعصابيّ الذكريات

لأجلك يا دوحةً سمقت في سماء

مدينتنا الغافية

ويا عبقاً ينعش الأرض

يا رقصةً غجرية

لأجلك يزداد حزني

وتسكنني وحشةٌ قاتلة

لأجلك نوّرت كلّ المحطات

أعلمتها أنك الغيمة الماطرة

لأجلك

لكنّ أجلك اصبح لاشيء

يا دوحتي الذابلة

11-12-1974م

***

إلى وحشيّة العينيين

( 1)

كانت (حبيبة) حين يفترق الصحاب

ينزاح عنها الغمّ

حيث تمدّ نحوي يدين رائعتين

تختزل المسافات

وتهمس لي تعال

البعد أوجعني

وبرّح بي الحنين إلى كتاب الصحو

نقرأه سويا

نغفو على صفحاته حينا

ونمدّ جسر الصحو للأحباب

أن يأتوا

فميلاد الفصول

يكون حين نكون بالفعل المضمّخ بالتفاعل

( 2 )

همس الصحاب لقد أتت

شعرٌ يموج وضحكةٌ كالفلّ دغدغت المشاعر

عينان واسعتان صافيتان

موحيتان بالفرح المغامر

( 3)

كانت بدايات التحوّل

حين كان الصحب يلهون

ويغفون وكانت

معزوفة التحويل في ذروتها

تكبر تدعوه وإن يصحو

ماعاد الهوى المكبوت في الأعماق يجدي

فلتحرّك دورة الأشياء في أعماقهم

بالحبّ والفعل المغامر

( 4 )

همس الصحاب

سيظل يحلم بالتحوّل

والصديقة سوف تأتي بعد حين

سيكون- وقت حضورها-

الإغفاء مهربنا اذا ابتدأ التفاعل

( 5 )

كان الصحاب

تشتتاً وتمزّقاً غفلاً

وكانت

وهاجة الأفكار

تأتيهم يحفّ بها التحوّل والتفاؤل

نوفمبر 2010 – مدونة سريب

مقالات ذات علاقة

علي رضا باشا الجزائرلي

بدرالدين المختار

محمود المنتصر.. بين الجحود والانصاف

سالم الكبتي

المجاهد الشيخ قجة عبدالله.. حياته وجهاده

امراجع السحاتي

اترك تعليق