شخصيات

محمود المنتصر.. بين الجحود والانصاف

مابين مولده فى العجيلات فى اغسطس 1903 الى وفاته فى السجن المركزى بطرابلس فى 30 سبتمبر 1970.. ثمة حياة حافله لرجل اسمه محمود المنتصر.. اول رئيس للحكومة الوطنية المؤقته اختارته الجمعيه التاْسيسيه الليبيه وقبلها حكومة طرابلس فترة الادارة البريطانيه بعد اعوام الحرب.. ثم اول رئيس للحكومة الاولى عقب الاستقلال 24 ديسمبر 1951.. فمرة اخرى رئيسا للحكومة السابعه فى يناير 1964 وحتى 1965 حيث صار رئيسا للديوان الملكى الى 31.8.1969.

محمود المنتصر.. اول رئيس للحكومة الوطنية المؤقته
محمود المنتصر.. اول رئيس للحكومة الوطنية المؤقته

وفى الواقع فاْن الليبيين على وجه العموم لم يعرفوا الحكومة بشكلها المحلى او الوطنى الا متاْخرا. كانوا يقولون عن اية سلطة (حكومة).. مثلا حكومة العصملى ايام الترك. وعلى المستوى الاخر عرفوها من خلال حكومة اجدابيا برئاسة الامير ادريس عام 1917 وحكومة الجمهوريه الطرابلسيه 1918 وحكومة رمضان شتيوى فى مصراته وحكومة خليفه الزاوى فى مرزق بفزان. الحكومة هى السلطه فى كل الاحوال.

ايام الادارة البريطانيه تشكلت اولى الحكومات فى برقه عام 1949 برئاسة د. فتحى الكيخيا ثم اعقبه والده عمر باشا منصور فى الحكومة الثانيه وفى الثالثه السيد محمد الساقزلى. فى فزان التى شهدت ايضا (استقلالا داخليا) الى حد ما ايام الادارة الفرنسيه كانت هناك حكومة تراب فزان بادارة السيد احمد سيف النصر بناء على مقترح من الجمعية التاْسيسة التى كانت توالى اعمالها بممثلى الاقاليم الثلاثه.

فترة الحكومة الانتقاليه المؤقته التى شكلتها تلك الجمعية فى 29 مارس 1951 ترك المنتصر رئاسة حكومة طرابلس المحليه واصبحت تسمى مجلس وصايه. كان قد اختير عضوا فى الجمعية الوطنيه.. وصار باجماعها وتنسيق مع الملك ادريس رئيسا لحكومتها المؤقته. شهدت التسعة اشهر من عمر تلك الحكومه (مارس _ديسمبر 1951)الكثير من الحراك والنشاط والجهود الكبيره والمتلاحقه لتحقيق اعلان الاستقلال وفقا للمهله التى حددها قرار الامم المتحده رقم 289 الصادر فى 21 نوفمبر 1949.

كان التنسيق الذى لايهداْ مع ادريان بلت مندوب الامم المتحده فى ليبيا.. اجتماعات اللجان المشتركه مع الامم المتحده فى طرابلس وبنغازى لوضع الاسس الاداريه اللازمه لقيام الدوله.. نقل السلطات واستلامها بالتدريج من الادارتين البريطانيه والفرنسيه.. وضع الدستور… كان المنتصر الرجل الذى عاصر مراحل متعدده من تاريخ ليبيا فى السابق عضوا بلجنة الدستور ورئيسا لمجموعة النظم الفيدراليه وانجزت عملها باعلانه فى 7 اكتوبر 1951. ووضعت الحكومه المؤقته بالتشاور مع الجمعية الوطنيه قانون الانتخابات العام.

فترة الحكومه الاولى بعيد الاستقلال.. شهدت اجراء الانتخابات رغم مالحقها من انتقادات واشكالات.. وافتتاح اول برلمان ليبى الذى اقسم امامه الملك ادريس اليمن الدستوريه والشروع فى تاسيس العلاقات العربيه والدوليه بالانضمام للجامعه العربيه وتوالى الاعترافات بليبيا المستقله وتوقيع المعاهده الانجليزيه الليبيه عام 1953.

كان المنتصر قد سافر الى مصر لطلب المساعده من حكومتها الجديده بعد 23 يوليو 1952 التى اشترطت شروطا لتحقيقها.. ليس اقلها النظر فى مساْلة الحدود (الجغبوب). كانت ليبيا فى وضع اقتصادى صعب. ثم اوفدت الحكومه وزير دفاعها السيد على اسعد الجربى الى العراق للغرض نفسه.. لطلب المساعده. لكن نورى السعيد باشا اجابه (ماكو)!! وبهذا لم يكن ثمة مناص من اللجوء الى بريطانيا التى كان وجودها فعليا منذ الحرب العالميه الثانيه ونتيجة لتلك الحرب فوق الارض الليبيه. تدفع الايجارات مقابل ذلك الوجود وفى صورة معاهدة موسعه. التى لاقت ايضا الكثير من المعارضه وسوء الفهم احيانا!!. كانت تلك خطوة ضروريه لتخطى الكثير من الصعاب والعثرات رغم اختلاف وجهات النظر وتعدد الرؤى بشاْنها وهو امر طبيعى ومقبول. ولهذا فاْن السيد المنتصر بعد انقلاب سبتمبر تحمل المسؤوليه بكل شجاعه وخاطب سجانيه باْنه لو لم يقم بذلك ماكانوا ليصلوا الى ماوصلوا اليه.. من تعليم وانتقال الى مرحلة استوجبتها ظروف البلاد الصعبه. وشدد على انه ايضا المسؤول الاول فى كل ماحدث منذ بناء الدوله ولجوئه الى اتخاذ هذه الخطوات فى تلك السنوات القاحله. وعليهم التحقيق معه فقط دون غيره من رفاقه من رجال الدوله!!

وشهدت ايضا تلك الايام تعيين الولاة فى برقه وطرابلس وفزان وتشكيل المجالس التنفيذيه والبدء فى تكوين الجيش الليبى بعد الاستقلال وتعيين العقيد عمران الجاضره اول رئيس اركان ليبى له.. وزيارة الملك ادريس الى مصر وتوقيع اتفاقيات تجاريه وثقافية .. واصدار اول طوابع بريد وطنيه وطرح مسابقة النشيد الوطنى ومشاركة ليبيا فى الدوره الرياضيه العربيه الاولى بالاسكندريه بمنتخب وطنى وانشاء المحكمه الاتحاديه العليا والشروع فى اصدار تشريعات الدوله وفى مقدمتها القانون المدنى الذى وضعه الفقيه القانونى عبدالرزاق السنهورى.. وغيرها من اعمال.

كان محمود المنتصر رجل دوله. وقبل ذلك انسان له ماله وعليه ماعليه. وتجربة حياته السياسيه فى كل الظروف تحتمل الخطاْ وتحتمل الصواب على ان اجمل مافى هذه التجربه وسواها من تفاصيل مرحلة الاستقلال ومابعدها بكل ايجابياتها وسلبياتها ان يراها الجيل الحالى للسابق بالنظرة الواعيه والجاده والناقده بعلمية ووطنية واخذ الايجابى منها والافادة منه.

المنتصر.. الرئيس والسفير ورجل الدوله.. كان جده لابيه قد تعرف الى الامام محمد بن على السنوسى منذ مروره بمصراته فى عقود ماضيه وظلت الاسره تحتفظ بغطاء راْسه على سبيل البركه والمحبه. ووالده الذى تقلد الوظائف الكثيره فى اواخر العهد التركى لليبيا كتب موسوعة عن اعلام البلاد لم تزل مخطوطه وهى من الاهمية العلمية والتاريخية بمكان.

المنتصر الذى نشاْ فى هذه البيئه قابل لاول مره فى حياته الامير ادريس عام 1920 صحبة وفد من حكومة اجدابيا زار روما. وستدوم هذه العلاقه الوطيده مستندة على علاقات الاجداد القديمه دون انقطاع الى اخر اعوام الستينيات من القرن الماضى. وكان المنتصر ايضا من الرجال الذين سارعوا مع غيره من اعيان البلاد فى طرابلس الى التنسيق مع الملك المنتظر فى مصر سنوات الاربعينيات وعبر الصراع السياسى الطويل الذى انتهى بالاستقلال.. الحلم لكل الليبيين.

كان المنتصر فى كل ذلك رجلا سياسيا خبيرا ومطلعا ويحمل الوفاء المتجدد لاواصر التقدير مع الملك.. والوطن. كان المنتصر رجلا لكل المراحل. رجلا فيه مصراته وطرابلس وبرقه وفزان.. فيه ليبيا كلها. كان رجلا من طراز ليبى رفيع تحمل كل تبعات المسؤوليات والنتائج وفى كل الظروف.. وما لحق بشخصه من طعون وسهام. كان الرجل كبيرا فى تحمله ايذاء الاخرين له من بنى قومه الاشاوس!!

يحدث الانفجار فى سبتمبر 1969. الرجلان افترقا.. الملك فى الخارج ويظل فى اقامته الى وفاته عام 1983.. ويمضى المنتصر الشخصية الواعيه المخلصه بمزيد من التنكر والجحود له ولجيله ولدولة الاستقلال بكاملها.. الى السجن المركزى. يعانى من الاهانات من صغار العسكر واشتداد المرض عليه ليغادر الدنيا والوطن فى ذلك السجن فى سبتمبر 1970 فى الايام نفسها التى شهدت وفاة جمال عبدالناصر الذى امتنعت حكومته عن مساعدة الجاره الشقيقه فاضطرت الى تاْجير اراضيها الى الانجليز وعقد المعاهدة معها.

بعد اربعين عاما من وفاته قام الباحث العراقى صادق صغير الزهيرى باعداد رسالة ماجستير فى جامعة بغداد عام 2010.. عنوانها (محمود المنتصر ودوره السياسى فى ليبيا.. 1903-1970).. عراقى من ابناء الرافدين الذين قالوا لليبيا المحتاجه فى ظروف مريره (ماكو).. نحن لدينا اهتمامات فقط بالهلال الخصيب.. ماكو!! فيا اْيها الليبيون. كثير من اللعنات لتاريخكم.. وقليل جدا من الانصاف لرجالكم. لاتكتبوا عنهم .. فقد تكفل الاخرون بذلك!!

مقالات ذات علاقة

المبروك الزول.. المناضل والشاعر الذي تنبأ بالثورة – الحلقة الأولى

المشرف العام

الفيتوري.. الطبيب

سالم الكبتي

الكاتب والأديب عبدالله القويرى

المشرف العام

2 تعليقات

الدكتور ظاهر الحسناوي 24 يوليو, 2020 at 17:08

ارجو من الاخ سالم الكبتي ان يذكر لنا المصدر الذي استقى المعلومة عن رد المرحوم نوري السعيد على المرحوم عي اسعد الجربي وهل قام الجربي فعلا بزيارة الى بغداد لهذا الغرض؟
الدكتور ضاهر الحسناوي

رد
المشرف العام 26 يوليو, 2020 at 07:13

نشكر مرورك الكريم

رد

اترك تعليق