طيوب عربية

كاتب مصري يؤكد أن الفرنسيين زوروا حجر رشيد

إيهاب غريب ينهي أسطورة شامبليون ويؤكد أن الغرب شوه معاني الكتابة علي حجر رشيد لأغراض استعمارية.

ميدل ايست أونلاين
كتب ـ عبدالسلام فاروق

حجر رشيد

صدر حديثًا عن دار برموده للنشر بالقاهرة كتابٌ جديد بعنوان “بصمات”، يُفترض أنه الجزء الأول من سلسلةٍ تسمى “التقويم المصري: مفتاح فك شفرة النقوش المصرية القديمة” للكاتب إيهاب غريب.

“الصدمات المعرفية” هي السمة المميزة لهذا الكتاب، بدءًا من عنوان “السلسلة” التي يندرج تحتها؛ فحين تقدِّم هذه السلسلة ما أسمته “التقويم المصري” باعتباره (مفتاحًا بديلاً) لفك شفرة (النقوش المصرية القديمة) المشهورة بمسماها اليوناني (هيروغليفية Hieroglyphy).

يعني ذلك تلقائيًّا عدم تسليم الكاتب بما هو ثابت ومعروف لدى الكافة أن (حجر رشيد) قد أدى هذا الدور فعلاً منذ حوالي مائتي عام! وهو ما يفسِّر صورة وجه الغلاف التي تبرز رجلاً ضئيل الحجم مقارنة بهرم عملاق مقلوب يستند في القاعدة منه على حجر واحد يزيحه هذا الرجل لنتوقع انهياره.

(الهرم المقلوب) يرمز لدى إيهاب غريب ـ كما جاء واضحًا بكلمة ظهر الغلاف ـ إلى عِلْم (ﺍﻹﻳﭽﭙﺘﻮﻟﻮﭼﻰ Egyptology) الذي لا يخفي الكاتب سعيه إلى هدمه وإزاحته وإقامة (علم المصريات Misrology) بديلاً عنه، بعد أن قدَّم تحليلاً لغويًّا وتاريخيًّا لكلمة (مصر) في أوَّل الكتاب أثبت فيه قِدمها وعموميتها، وكلمة (قبط) في آخر الكتاب ـ باعتبارها تعريبًا لكلمة يونانية هي (ﺇﻳﺠﭙﺘﻴﻮﺱ Αιγυπτιος) أو (ياكوﭬﻴﺘﺲ Ιακωβιτης) ـ أثبت فيه حداثتها وخصوصيتها؛ ولذا فإن الكلمتين غير مترادفتين لدى الكاتب.

لا تمضي صفحات قليلة حتى نجد أنفسنا في قلب الصراع الفكري القديم حول المدى الزمني المحدِّد لـ (خط زمان الحضارة المصرية) بين فريق (أهل الكتاب المقدس) الذي انحصر (خط الزمان) لديه بأقل من سبعة آلاف وخمسمائة عام امتثالاً لما استخلصوه مما ورد بالنسخ المختلفة لـ {الكتاب المقدس} من سلسلة أعمار آدم وبنيه من ناحية، وفريق (الحكماء) الذي امتد خط زمان الحضارة المصرية لديه لعشرات الآلاف من السنين استنادًا إلى رؤيتهم أن آثار المصريين القدماء قد استحكمت على كل أشكال الفلك التي لا يمكن رصد مجموعها في أقلِّ من دورٍ كاملٍ مقدارُه ستٌّ وثلاثون ألف سنة شمسية على أقل تقدير وفقًا لحساباتهم من ناحية أخرى.

ويشير الكاتب إلى أن الحملة العسكرية الفرنسية على مصر بقيادة ﻧﺎﭘﻠﻴﻮﻥ بوناﭘﺮت كان لها أغراض استعمارية أوضحها “الطومار” الذي قرأه {ترجمان كبير مديري “الفرنسيس”} يوم السبت 25 من ربيع الأول سنة 1213هـ الموافق 6 من ﺳﭙﺘﻤﺒﺮ/أيلول 1798 على المشايخ والأعيان المصريين، وأن الكتيبة التي اصطحبها ﻧﺎﭘﻠﻴﻮﻥ في هذه الحملة لتضطلع بمهمة (وصف مصر) قد استندت إلى المعيار الفلكي في تحديد أعمار الآثار المصرية القديمة، وأنهم اعتبروا {(صور بروج السماء) ـ “الحوت”، “الحمل”، “التور”، …. إلخ} معبرة عن بروج السماء فعلاً لا مجرد حروف أبجدية أو مقاطع صوتية، وخلصوا إلى أن الآثار التي ننسبها اليوم إلى البطالمة أو الرومان أُنشئت في الألف الثالثة قبل الميلاد، إلا أنهم لم يكونوا أكثر من مجرد أدوات بيد المستعمرين الذين حصروا دورهم في (الوصف) وجردوهم من حق إعلان النتائج المستخلصة من هذا الوصف حال تعارضها مع أهدافهم الاستعمارية.

كما يشير الكاتب إلى أن أول خبر نشره الفرنسيون بجريدة {كورييه دي ليجيبت Courier De le Egypte} الناطقة بلسان الجيش الفرنسي عن {الحجر المدَّعى العثور عليه في رشيد} بالعدد رقم 37 الصادر في 29 فروكتيدور سنة 7 طبقًا لتقويم الثورة الفرنسية، الموافق 15 من ﺳﭙﺘﻤﺒﺮ/أيلول سنة 1799م تحدث عن مقاييس ومضمون للحجر {الذي قد يؤدي إلى اكتشاف سِر “الهيروغليفية” (بتعبير الجريدة)} تختلفان تمامًا عن مقاييس ومضمون الحجر الموجود الآن بالمتحف البريطاني!

كما أن هذا الخبر نسب الحجر إلى (بطليموس فيلوميطور Ptolemee Philometor) الذي لم يكن قد وُلِد بعد في زمن بطليموس “ﺇﭘﻴﻔﺎنويس Επιφανους” الذي يُنسب له الحجر الموجود الآن بالمتحف البريطاني! وهو ما يعني أن الحجر المعروف بـ (حجر رشيد) هو (حجر مزور)!

ويفرد الكاتب مساحة كبيرة جدًا من الصفحات لتحليل (صيغة التاريخ) كما وردت على الحجر الموجود بالمتحف البريطاني في النَّص اليوناني والنص الموصوف بكونه (ديموطيقي = شعبي) من كافة الجوانب {الموقع/ المعنى اللغوي/ الكرونوﻟﭽﻲ = (تسلسل الأحداث التاريخية في الزمن)}:

ويخلص إلى مجموعة من النتائج التي تعتبر بحق (صدمات)، هي:

أولاً: أن اختلاف موقع (التاريخ) في النص اليوناني من ناحية، وفي ترجمة النَّص الموصوف بكونه “شعبي مصري” من ناحية أخرى يعني اختلاف النصين في (الصياغة)، وهو ما يترتب عليه عدم القدرة على ترجمة النص الموصوف بكونه ديموطيقيا حقًّا في ظل اختلاف مواقع الكلمات؛ لأن قياس معدلات تكرُّر العلامات أو الرموز وإحصائها وتحديد مواضعها سيكون في هذه الحالة عبثًا دون طائل، ولن يجني منه الباحث أدنى فائدة؛ لأن الأصوات الدالة على معاني الكلمات لا تتفق في اللغات المختلفة إلا في “أسماء الأعلام” مثل: “بطليموس” / ﴿مصر﴾ / (أمشير) … إلخ {وبشكل جزئي في الغالب}.

أما بقية الكلمات: كالضمائر، وأسماء الإشارة، والأسماء الموصولة، ومسميات الأشياء بأنواعها، والصفات، والأفعال، والحروف، والأدوات … ـ فإن الأصوات الدالة على كل ذلك تختلف من لغة إلى أخرى. فإذا اختلفت صياغة النصين، كيف يمكن بالمقارنة بين النصين المختلفين في الصياغة استنباط “المجهول” من “المعلوم”، والاهتداء وسط أمواج العلامات والرموز المتلاطمة المجهولة لدى الباحث حتى إلى مواقع “أسماء الأعلام” المفترض توافقها؟!

ثانيًا: أن تاريخ اليوم المذكور بالتقويم القمري المقدوني المفترض (4 كسنديكوي) الوارد على الجزء الأسفل من الحجر المكتوب باليونانية لا يمكن أن يتطابق مع تاريخ اليوم المذكور عليه باعتباره مناظرًا له بالتقويم القبطي المصري (18 معخير = أمشير) وفقًا للبيانات والمعلومات التي تقدمها وكالة (ناسا NASA) الأميركية!

ثالثًا: أن هناك خطأ في كتابة اللفظ المصري الدال على الشهر {معخير ΜΕΧΕΙΡ} على (حجر رشيد) المقصود به (أمشير) وكتابته بطريقة لا يمكن أن يتبعها اليونانيون أو “الهلينيون” في هذا اللفظ؛ حيث كتب {ناقش الحجر المدَّعَى العثور عليه في رشيد} صوت الشين في لفظ (أمشير) مستخدمًا حرف (خِي ) اليوناني. وهو في نظر الكاتب دليلٌ دامغ على أن هذا الحجر لم يُنقَشْ في الزمن المنسوب له، ولم ينسخه الكهنة المفترض أنهم هم ناقشوه؛ وذلك لأن اليونانيين والهلينيين يقابلون في تدوينهم ونطقهم للأسماء المشتملة على حرف وصوت (الشين) في اللغات غير اليونانية بحرف (سجما Σ) اليوناني (الذي يُقَابَل بالسين العربية): مثلما فعلوا ـ على سبيل المثال ـ قديمًا حين دونوا أسماء غير يونانية تشتمل على (ش): {“أشـور” الذي كتبوه (أسـوريا Ασσυρια)، و”شيث” الذي كتبوه (سيث Σηθ)، و”أنوش” الذي كتبوه (إنوس Ενως)، و”متوشـالح” الذي كتبوه (ماثويسـالا Μαθουσαλα)، و”شـالح” الذي كتبوه (سـيلا Σηλα)، و”شـمعون” الذي كتبوه (سـيمون Συμεων)، و”أشـعياء” الذي كتبوه (إيسـاياس Ησαιας … وهكذا} ومازالت اللغة اليونانية محتفظة بهذه الظاهرة التي تحول صوت (الشين) في {أسماء الأعلام} غير اليونانية إلى (سجما = سين) في النطق والتدوين باللغة اليونانية مثل: {“شـرودر” الذي يكتبونه (سـرنتر Σρεντερ)، و”واشـنطون”، سواءٌ أكان علمًا على “شخص” أم على “مدينة” ـ يكتبونه (واسـنكتون Ουασινκτον)، و”كـشـمير” الذي يكتبونه (كـسـمير Κασμιρ) … وهكذا}.

فلماذا لم يُكْتَب “أمـشـير”، إذن، بصيغة (أمـسـير Αμσιρ) على غرار ما سبق على “الحجر المدَّعى العثور عليه في رشيد” لو كان ناقشوه (يونانيين) أو (هلينيين) حقًّا؟!

بينما نجد أن طريقة كتابة هذا اللفظ بالشكل الذي ورد به على الحجر تتماشى مع عادات أبناء اللغة اللاتينية (لغة الإمبراطورية الرومانية) أو اللغات التي تفرَّعت عنها مثل (اللغة الفرنسية). أي أن كتابة هذا اللفظ {معخير ΜΕΧΕΙΡ} بهذا الشكل الوارد به على الحجر لا يمكن أن تكون قد حدثت فعلاً في الزمن الذي يُفترض أن الحجر نُقِشَ فيه!

رابعًا: أن هناك خطأ تقدمه ترجمات الجزء الأوسط (الموصوف بأنه ديموطيقي = شعبي) للتاريخ المفترض أنه ورد ببداية هذا النص { …. الموافق للشهر المصري، الشهر الثاني من ﭘـرِت، يوم 18 للملك}؛ إذ يعني ذلك أن شهر (معخير أو مشير) {المقصود أمشير} وهو الشهر السادس في ترتيب شهور السنة المصرية المشهورة بالقبطية ـ أمشير هو نفسه الشهر الثاني من شهور فصلٍ يُسمَّى (ﭘرِت Pert)، وهو ما يعني أن السنة المصرية القديمة تُقَسَّم إلى ثلاثة فصول لا أربعة في عرف ناقش الحجر المدعى العثور عليه في رشيد. وهو أمر يخالف الحقيقة التي تؤكدها آثار مصرية عديدة من وجهة نظر الكاتب (أشهرها لوحة السماء الدائرية المشهورة التي سرقها الفرنسيون من سقف بربا دندرة).

وبعد مناقشة (التاريخ) كما نُقِش على (حجر رشيد) من كافة الجوانب، يتناول الكاتب العلامة المشهورة بـ (الخرطوش ) موضحًا أن الخرطوش لغةً هو: “حشو السلاح الناري”. واصطلاحًا هو: إطارٌ بيضاوي الشكل يُنقش بداخله علامات من النقوش المصرية القديمة يكوِّن مجموعها لقب {ملك مصر} لتمييزه عن غيره من الكلمات. ويفترض الكاتب أن تسمية هذه الإشارة بالخرطوش لم يأت فقط لمشابهة هذا الإطار لحشو السلاح الناري، وإنما لأن هذا الإطار كان بمثابة المقذوف الناري الذي أطلقه الفرنسيون على آثار الحضارة المصرية القديمة بادعائهم أنه يحيط عادة باسم / لقب الملك، ثم ادعائهم أن هذا الخرطوش الوارد بالحجر المدَّعى العثور عليه في رشيد عام 1799م ـ أحاط بالعلامات المصرية التي اعْتُبِرَتْ “حروفًا أبجدية هيروغليفية” تشكِّل لفظ “ﭘﺘﻮلميس / بطليموس” ؛ فتم بذلك ضم “العصر البطلمي” برمته إلى العصور المصرية القديمة التي استُخْدِمَتْ فيها تلك النقوش، ونسبة الآثار المصرية المنقوش عليها الخرطوش نفسه (كما في: الفيوم، وأبيدوس، ودندره، وإدفو، وكوم امبو، وفِيَلة .. وغيرها) إلى {البطالمة} الذين تم اعتبارهم {فراعنة}! وكان مقصدهم أن الملوك البطالمة جاءوا من {اليونان} التي تقع جغرافيًا في {أورﭘﺎ}؛ فيكون للأورﭘﻴﻴﻦ بذلك “حقٌ تاريخي” في الآثار المصرية !! بل في ﴿مصر﴾ نفسها! دون أن يفهموا أن هذا الإطار ليس {حِليةً}، وإنما هو علامة ﴿غطاء التابوت﴾، وقد ادعوا بتزويرهم أن لقب الملك وُضِع داخله وهو حَيّ!

ويلفت الكاتب نظرنا إلى أن لفظ “ﭘﺘﻮلميس” هو (اللقب العام) الذي أطلق على كل من حكم مصر في العصر البطلمي، تمامًا كلقب (خليفة) في العصر الإسلامي، وأن المنطق السوي يقودنا إلى أن أي حاكم لن يأبه لتمييز لقبه العام الذي يشترك معه فيه آخرون ـ حال اعتبار الإشارة المسماة (خرطوش) مجرد حلية لتمييز لقب الملك ـ قدر رغبته في تمييز (لقبه الخاص) الدال على شخصه! كما يلفت الكاتب انتباهنا إلى أن لفظ “ﭘﺘﻮلميس / بطليموس” هو اسم العلم الوحيد على (حجر رشيد) الذي تم مقابلة الأصوات المكونة له بإشارات (هيروغليفية) اعتُبِرت (حروفًا أبجدية)! بينما كل الأسماء الأخرى الواردة على الحجر ترجمت بمعانيها لا بأصواتها!

ويخلص الكاتب إلى أن الفرنسيين زوروا حجر رشيد كي يقدِّموا (المطلوب إثباته) في صورة الاكتشاف الذي تم بالمصادفة، وأنهم (مرروه) إلى الإنجليز في نهاية الحملة لإضفاء صبغة المصداقية على “أصالته” من ناحية، ولتوسيع دائرة المسئولية القانونية عنه من ناحية أخرى، مع ضمان الفرنسيين الكامل لعدم قدرة الإنجليز على الاستفادة فعليًّا من استحواذهم عليه؛ لأنه لا يكفي وحده لاستنتاج أي شيء منه ذي قيمة فعلاً؛ لعدم وجود صلة حقيقية بين النقوش الثلاثة الموزعة على سطحه؛ ولأن القول الفصل في أية قضية تتعلق بالآثار المصرية القديمة سيـبقى بِـيَـدِ مَـنْ يمتلك موسوعة ﴿وصف مصر﴾ وليس بِـيَـدِ مَنْ يمتلك {حجر رشيد}!

ويلفت الكاتب نظرنا إلى أن 7 إشارات (هيروغليفية) فقط هي التي اعتبرت حروفًا أبجدية عن طريق ترجمة (الخرطوش) الوارد على حجر رشيد باعتباره يضم حروف كلمة “ﭘﺘﻮلميس” ، وقد أضيف إليها لاحقًا 4 إشارات أخرى اعتبرت حروفًا أبجدية عن طريق ترجمة (الخرطوش) الوارد على مسلة فيلة باعتباره يضم حروف كلمة (كليوﭘﺎترا ΚΛΕΟΠΑΤΡΑ)، وأنه لم توجد آلية يمكن عن طريقها (انتقاء) علامات ورموز “هيروغليفية” بعينها غير الـ (11 السابقة) من بين مئات العلامات المصرية لتكون (حروفًا أبجدية) دون سواها!

ويقول الكاتب إن الرسالة المنسوبة إلى “الـجِنِّي الصغير” (ﭼﺎﻥ فرنسوا شاﻣﭙﻠﻴﻮﻥ Jean-François Champollion) المكونة من 52 صفحة، والمؤرخة بـ (22 ﺳﭙﺘﻤﺒﺮ/أيلول 1822) والـمُعْلَن أنها وُجِّهَتْ إلى السيد داسييه A M. Dacier “سكرتير الأكاديمية الملكية الفرنسية”، والتي اعتبرت وسائل الدعاية الأورﭘﻴـة أنها فكَّت حقًّا شفرة (الهيروغليفية) ـ لـم توضِّح (المنهج) الذي تم على أساسه (انتقاء) علامات ورموز “هيروغليفية” بعينها غير الـ (11السابقة) من بين مئات العلامات المصرية لتكون (حروفًا أبجدية) دون سواها! كما لـم توضح (المنهج) الذي يُمكِن على أساسه (فرز) العلامات والرموز المصرية ليكون بعضها مُعَبّرًا عن (مقاطع صوتية بسيطة) والبعض الآخر مُعَبِّرًا عن (مقاطع صوتية مُرَكَّبة)! معتبرًا أن الرسالة قد انطوت على أخطاء فادحة واضحة تمثلت في تعدد العلامات والرموز التي افْتُرِضَ أنها تعبِّر عن (صوتٍ واحد = حرف أبجدي واحد)؛ فقدَّمت دون منهج أو دليل حوالي خمسين علامة ورمز “هيروغليفي” باعتبارها تكافئ تسعة عشر حرفًا يونانيًا (٥٠ علامة هيروغليفية = ١٩حرفًا يونانيًا)! كما اعتبرت أن كثيرًا من العلامات والرموز المصرية “الهيروغليفية” يُمْكِن أن تعبِّر، هي نفسها، عن أكثر من صوتٍ واحد!

وأن تلك (الأبجدية الهيروغليفية المزعومة) لم تتسم أبدًا بالثبات، فأُدْخِل إليها بعض الإشارات التي لم تك تتضمنها {كهذه الإشارة التي اعتُبِرت (هاء h) ربما لمشابهتها للهاء العبرية ، وهذه الإشارة التي اعْتُبِرَت (تاء t) أو (ثاء th)، وهذه الإشارة التي اعتُبِرت (فاء f)، وهذه الإشارة التي اعتُبِرت (حاء )}، وتم تعديل القيم الصوتية الممنوحة لبعض الإشارات، وكذلك أُخْرِج منها عدد من الإشارات!

ويقدم الكاتب في الجزء الأخير من الكتاب قائمة بعلامات ورموز النقوش المصرية القديمة التي اعْتُبِرَتْ حروفًا أبجدية، وقائمة أخرى بالإشارات التي منحها المحدثون قيمًا صوتيةً مُخْتَلِفَةً عما ورد برسالة (شاﻣﭙﻠﻴﻮﻥ)، ثم يتبع ذلك بجدول طويل يستغرق أكثر من مائة صفحة يتضمن أهم علامات ورموز النقوش المصرية القديمة والقيم الصوتية الممنوحة لها من قِبل الأورﭘﻴﻴﻦ باللغة العربية، وكذا طريقة تدوينها لدى الأورﭘﻴﻴﻦ، وتفسير هذه العلامات والرموز عندهم، مضيفًا تعليقه على هذا التفسير كلما اقتضت الضرورة.

وقد ختم هذا الجدول بالقيم الصوتية الممنوحة للإشارات الدالة على الشهور المصرية المشهورة بـ (القبطية) وتفسيراتها عند الأورﭘﻴﻴﻦ التي يرفضها الكاتب للأسباب التالية:

أولاً : أن المعاني المقدَّمة من قِبل الأورﭘﻴﻴﻦ لأسماء الشهور المصرية المشهورة بالقبطية لم تُفَسَّر باعتبارها (قائمة مغلقة) تنتمي إلى منبعٍ واحدٍ أو {حقلٍ دِلاليٍّ واحدٍ}، بل فُسِّرتْ باعتبارها قادمة من منابعَ متنوعةٍ وحقولٍ دلاليةٍ مختلفة. فهي تبدأ بما ادُّعِي أنه “رب القمر” وهو في زعمهم {“تحوت” المقدَّم باعتباره الأصل الأقدم لـ “توت”} وتنتهي بما ادُّعِي أنه “ميلاد الشمس” حيث افتُرِض أنَّ لفظَ ﴿مسري﴾ متطورٌ عن لفظ “مِسْ رَعْ” المكوَّن من مقطعين {مس = ميلاد + رع = ﴿الشَّمْس﴾}.

لكن المعاني المقدَّمة لما بين ﴿رب القَمَرِ﴾ و﴿ميلاد الشَّمْسِ﴾ لا يمتان للحقل الدلالي نفسه {الفلك} بصلة مباشرة! بل مجرد أسماء مفترضة مُجَمَّعة من “قوائم مفتوحة” لـ {أرباب محلية مفترضة لبعض المدن} أو {احتفالات متنوعة الأسباب} أو {أشياء “كعبقرية الريح”} ليست من قائمة {الفلك}!!

ثانيا: أن مقدِّم معاني أسماء هذه الشهور فسر اللفظ الأول منها بـ “رب القمر” وفسَّر اللفظ الأخير بـ “ميلاد الشمس”، لكن ﴿القَمَرَ﴾ و﴿الشَّمْسَ﴾ لا يسيران معًا في دائرة واحدة وإلا لاصطدما، فضلاً عن أن معنى ﴿الميلاد﴾ المقدَّم للشهر الأخير ﴿مسري﴾ غير متناسبٍ مع موضع ﴿النهاية﴾!

ثالثًا: أنه ـ على الرغم من تفسيره للشهر الأول بـ “رب القمر” وللشهر الأخير بـ “ميلاد الشمس” ـ لم يقدِّم تفسيرًا لثبات طول عدد أيام الشهور بـ “30 يومًا”؛ إذ لو كانت هذه الشهور “شهورًا قمرية” {باعتبار تفسيره للشهر الأول منها} لتراوحت أطوالها بين 29 يومًا و30 يومًا؛ وإلا لظهر خطأ تثبيت عدد أيام الشهور سريعًا! وإن كانت هذه الشهور “شهورًا شمسية” {باعتبار تفسيره للشهر الأخير منها} لالتفت الذِّهن حينها سريعًا إلى ﴿بروج السماء الـ 12﴾ باعتبارها المعاني الحقيقية المفسِّرة لأسماء الشهور الـ 12، وبخاصة أنه لم يتابع ﴿الشَّمْسَ﴾ بعد “ميلادها” ماذا يحدث لها إلى أن تولد مرةً أخرى بعد عام؟! فهي لا تختفي عن الأنظار في أيِّ يومٍ كما يحدث لـ ﴿القَمَر﴾، ولا معنى لمسيرها إلا على خلفية ﴿بروج السماء الـ 12﴾ المقسَّم كل برج منها إلى30 درجة = 30 يومًا!

رابعًا: أن “المعاني” الـمُقدَّمة لمعظم “أسماء الشهور” لم تُستنبط من “الألفاظ الدالة على الشهور ذاتها مباشرةً، بل عن أصولٍ مزعومةٍ يُفْتَرَضُ أنها أقدمُ في النُّطْقِ من الألفاظِ المتداولةِ على الألسنة بين الناس في ﴿مصر﴾.

ويقدِّم الكاتب تفسيرًا لأسماء شهور السنة المصرية القديمة الـ 12 باعتبارها تدل في الوقت ذاته عند المصريين القدماء على ﴿مجموعات النجوم الثابتة الـ 12 الواقعة في دائرة البروج﴾ استنادًا إلى التحليل اللغوي لتلك الألفاظ، وكذا إلى أن آلية دوران ﴿الشمس﴾ في البروج تستغرق 30 يومًا في كل بروج السماء. معتبرًا أنه بالربط بين أسماء شهور السنة المصرية المشهورة بالقبطية، وبروج السماء الـ 12، والإشارات المفردة الدالة على بروج السماء في النقوش المصرية القديمة ـ يكون قد اكتمل لدينا مثلث الدلالة؛ لتصبح هذه (القائمة المغلقة) هي ﴿المفتاح الحقيقي لفك شفرة النقوش المصرية القديمة ﴾ المشهورة بمسماها اليوناني (هيروغليفية).

مقالات ذات علاقة

تفاصيل سمراء

حكاية سرِّ الزيت في الندوة السادسة عشرة لمبادرة أسرى يكتبون

فراس حج محمد (فلسطين)

لا أنام

بادر سيف (الجزائر)

اترك تعليق