آمال عوّاد رضوان
قد تكونُ الرّشوةُ بدافعٍ ذاتيٍّ وبرضا وطيبِ خاطر، فيها عرْضٌ وطلَبٌ قد تتمُّ الصّفقةُ فيهِ وقد لا تتمّ، إن يرضخْ لها المُرتشي ويُلبّي بالمقابلِ ما يُطلَبُ منهُ، وقد يربحُ الطّرفانِ وقد يخسرانِ معًا إن انكشفا، ولكليهما الوزنُ ذاتُهُ في ميزانِ القانونِ، أمّا إن وقفَ أحدُ الأطرافِ بخطّيْنِ متوازييْنِ ومتنافرَيْنِ متناقضيْنِ، فحينها يكونانِ قد دخلا في لعبةِ الابتزازِ!
لغةُ الابتزازِ باتتْ تتفاقمُ حدّتُها الشّرسةُ، وتتفشّى أساليبُها الإجراميّةُ اللاّمعقولةُ الممارَسَةُ والمستحدَثةُ، وتشكّلُ خطرًا مؤذيًا يُقحمُ الآخرَ على الاستجابةِ لفعلٍ كريهٍ رغمًا عنهُ، فتبدأ إشاراتُ الابتزاز بالطّلبِ بالقيامِ بعملٍ ما، وإلاّ.. عندَ المقاومةِ تأتي مرحلةُ التّعرّضِ للتّخنيقِ والحِصارِ، ثمّ للتّهديدِ الجنونيِّ المتكرّر، والإيقاعِ بالضحيّةِ مِن خلالِ الضّغطِ النّفسيِّ المُدمّرِ اجتماعيًّا، والمُحرجِ أخلاقيًّا وجسديًّا، وبلغةٍ لئيمةٍ فيها تهديدٌ بالفضيحةِ والعار!
الفئةُ الّتي يحلو لها التّمتُع بألاعيبِ وأحابيلِ الابتزاز؟
هل تكثرُ حالاتُ الابتزازِ في مجتمعاتٍ متعدّدةِ الأطيافِ والأعراقِ والدّياناتِ، لذا لا تحظى محاربتُها بتأييدٍ شعبيّ، أم أنّ الأمرَ متعلّقٌ بأسبابٍ خارجةٍ عن أعرافِ المجتمع؟
هل كلُّ مَن يقومُ بعمليّاتِ الابتزازِ هو سيّء السّيرةِ ومشبوهةٌ أخلاقُهُ، أو عانى مِن الأنانيّةِ وعدمِ الاهتمامِ بالبُعدِ البنائيِّ لشخصيّتِهِ في مراحلِها الأولى، التي لم ترتبطْ بقِيمِ الحياةِ الرّوحيّةِ الفاضلةِ؟
هل يقتصرُ الابتزازُ على فئةٍ وعيّنةٍ مشبوهةٍ، أم أنّها قد تطالُ أناسًا طيّبين ومثقّفين؟
ثمنُ الابتزازِ قانونيٌّ أم غيُرُ قانونيٍّ؟
ماليًّا؟ مادّيًّا؟ جنسيًّا؟ معنويًّا؟ نفسيًّا؟ عينيّا؟ الخ..؟
هل هذا ما يُعتبَرُ رشوةً كثمنٍ للسّكوتِ، بعدما يكونُ الآخرُ قد احترقَ ألمًا واشتعلَ ضعفًا؟
أشكالٌ متعدّدةٌ للابتزاز، فكيفَ تتمّ؟
تحرّشٌ لغويٌّ عبْرَ الهواتفِ؟ رسائلُ صوتيّةٌ ومكتوبةٌ بالهواتفِ والموبايلات؟
أم إرسالُ صوَرٍ وقصصٍ خليعةٍ عبْر تقنيّةِ البلوتوث بشكلٍ عشوائيٍّ ومقصودٍ؟
هل باستخدامِ وثائق، مباشِرًا برسائلَ كتابيّةٍ، أو صورٍ خاصّةٍ، أو تسجيلاتٍ صوتيّةٍ مباشِرةٍ؟
هل مِن خلالِ خطفٍ أو حرقٍ أو أناسٍ مستأجَرين، أو مُبطِّنًا ومُرمِّزًا بصورٍ مخيفةٍ لجماجمَ وخناجرَ ودم!
الأسبابُ الّتي أدّتْ إلى ظهورِ هذهِ الكمّيّةِ العاليةِ مِنَ الإفرازاتِ الغريبةِ من الابتزاز، وتدفعُ بأفرادٍ إلى انتهاجِ هذهِ السّبلِ الوعِرة الموصلة إلى متاهةِ التّهديدِ والإساءةِ اللاحقةِ بهم؟
هل بسببِ الخروجِ عن البيئةِ والاختلاطِ والتّأثّر بثقافاتٍ أخرى، أم بسببِ الانسلاخِ عن الدّينِ وغيابِ الوازعِ الدّينيّ، أم بسببِ التّنصّلِ مِن عاداتٍ مرفوضةٍ، واستجابةً لشياطينِ الضّعفِ؟
هل بسببِ التّساهلِ في التّعاملِ وطيبةٍ زائدةٍ للفرد المستغّلِّ، وفقدانِ الخبرةِ الكافيةِ في كيفيّةِ التّعاملِ السّليمِ، وبالتالي يكونُ الانجرافُ ببراءةٍ أو حاجةٍ أو ثقةٍ زائدةٍ بالنّفس؟
هل بسببِ التّفرقةِ بينَ الشّابِ والفتاةِ في التّعاملِ والمعاملة، ونقصِ التّوعيةِ والتّثقيفِ للتّعاملِ السّليمِ في حالِ العزْلِ وتحريمِ الاختلاطِ، أو في حالِ الإباحيّةِ والحرّيّةِ اللاّمحدودةِ؟
هل بسبب الرّفاهيّةِ وطغيانِ الجانبِ المادّيِّ على الجانبِ الرّوحيِّ، والحرّيّةِ شبهِ المُطلقةِ، والانفلاتِ مِنَ الضّبطِ الاجتماعيِّ والأسَريِّ، أم بسببِ ك بتٍ وحرمانٍ وتوْقٍ للخلاصِ مِن روتينٍ مقيتٍ؟
هل بسبب دوافعِ الحسدِ والانتقامِ كأقنعةٍ حقيقيّةٍ تسترُ قبْحَ النّفوسِ السّوداءِ، كجزءٍ مِن براعةِ ألاعيبَ شيطانيّةٍ تُظهرُ عفافَهم على غيرِ حقيقتِهم؟
هل بسببِ الأوضاعِ المادّيّةِ والفقرِ والبطالةِ وأعباءِ الحياةِ وتكاليفِ المعيشةِ، والتّورّطِ بديونٍ وأقساطٍ، يكونُ الابتزازُ وسيلةً للوصولِ للاكتفاءِ الذّاتيّ؟
هل بسببِ قلّةِ وجودِ البرامجِ التّرفيهيّةِ والاجتماعيّةِ والثّقافيّةِ الجادّةِ الّتي تخدمُ الشّبابُ، ويظلّونَ فرائسَ الفراغِ الّذي أكّدتْ دراساتٌ اجتماعيّةٌ ونفسيّةٌ آثارَها المُدمّرةَ على الشّخصيّةِ واهتزازِها؟
هل بسببِ تدخّلِ التّلفزيونِ والإنترنت والشّغّالاتِ بعمليّاتِ تنشئةِ الأجيالِ بشكلٍ جريءٍ ومنفتح، في ظلِّ وجودِ تقنيّاٍت حديثةٍ يسهلُ استخدامُها؟
وهل تنحّتْ المؤسّساتُ التّعليميّةُ عن دورِها التّربويِّ في توجيهِ الطّلبةِ، لرعايةِ القِيمِ الأخلاقيّةِ الطّيّبةِ والرّوحيّةِ الحميدة؟
هل بسببِ الحرمانِ العاطفيِّ أو الجوعِ العاطفيِّ والعنوسةِ وارتفاعِ تكاليفِ الزّواج؟
هل كنوعٍ مِنَ التّباهي واستعراضِ الملَكاتِ الخارقةِ والذّكاءِ في تحقيقِ الذّاتِ أمامَ الآخرين، في التّربّصِ بالفريسةِ والاستحواذِ عليها؟
هل للمبتزِّ حصانةٌ معنويّةٌ في المجتمع، تتشفّعُ لهُ أمامَ الجهاتِ الرّقابيّةِ؟
ردودُ الفعلِ ضدَّ عمليّاتِ الابتزاز عديدةٌ، فما عقوبةُ المبتزّ؟
هل نكتفي بالشّجبِ والاستنكارِ الخفيِّ غيرِ العلنيِّ أو العلنيّ؟
هل يكفي التّوبيخُ، الفضائحُ، السّجنُ، الغرامة، الطّردُ مِنَ الوظيفةِ كعقابٍ للمبتز؟
هل السّجونُ تُشكّلُ رادعًا حقيقيًّا، أم أنّها تعدُّ مِن الرّفاهيّةِ بمكانٍ جذّابٍ لمعاودةِ الجرائمِ بذكاءٍ إجراميٍّ أكبر؟
التّصدّي لعمليّاتِ الابتزاز، ومكافحتِها وردْعِها وتطهيرِ المجتمعِ منها؟
هل يكفي الطّموحُ في استئصالِ هذهِ الآفةِ مِنَ المجتمعِ والدّفاعِ عن ملامحِهِ وقِيمِهِ المتوارثةِ، أم أنّ للمجتمعِ ذنبٌ في دفْعِ عجلةِ تفاقمِ هذهِ المآسي القميئةِ؟
كيفَ يمكنُ تدارُكُ أمرِ الابتزازِ قبلَ الوقوعِ في شرَكِ المُبتزّ؟
كيف يمكنُ عدمِ استنفاذِ طاقةِ الفردِ، كي لا يغدوَ ضحيّةً مِن ضحايا الابتزازِ؟
هل بالصّمودِ في تبنّي مواقفَ ثابتةٍ لا تستسلمُ ولا تخضعُ للابتزازِ؟
هل يكفي التّبليغُ لجهاتٍ رسميّةٍ مختصّةٍ تتولّى معالجةَ قضيّةَ الابتزاز؟
هل تتوفّرُ في أوساطِنا أقسامٌ متخصّصةٌ في دوائرِ الأمنِ العامّ تُوفّرُ الأمنَ للضّحايا؟
وأخيرًا..
هل كلُّ مَنْ أمِنَ عمليّاتِ الابتزازِ نجَا مِن أن يكونَ ضحيّةً؟
وهل كلُّ مَن أمِنَ عقوبةَ الابتزازِ يكونُ قد أخلَّ بالحكمةِ والأدبِ في نظرِ شبكةِ العصابةِ، أو بحسبِ أقاويلِ النّاسِ الرّاجمةِ؟