أتيح لنا عند البدء في إطلالتنا هذه على كتاب “إطلاق طاقات الحياة”.. شئ من المعرفة بما جاء في مقدمته وفي فصليه الأول والثاني، وهنا سنمد بصرنا قدما محاولين معرفة ما حواه الفصلان الثالث والرابع، حيث يتوسع الدكتور حجازي في تمهيده للفصل الثالث الذي عنوانه.. التفكير الإيجابي، مقوماته وآلياته.. في تعريف التفكير الإيجابي فيقول : – إنه إتجاه ذهني للإهتمام بالأفكار والصور والكلمات المؤدية للنجاح والتوسع، إنه إتجاه ذهني يتوقع نتائج جيدة وملائمة، كما يتوقع الذهن الإيجابي غلبة النهايات الناجحة والطيبة لكل فعل أو وضعية. مشيرا في السياق إلى أن بعض الناس لا يقبل مثل هذه التوقعات الطيبة لأسباب، يعدد بعضها مثل الميل إلى إبراز السلبيات أكثر من الإيجابيات عند تقويم وضعية أو شخص ما، ويمد إشارته إلى الوضع العربي الذي يتم إغراقه بالسلبيات والنزوعات التشاؤمية لكثرة ماتواتر ويتواتر عليه من أزمات ومعوقات ونكسات، الأمر الذي يجعل من الأحكام السلبية ظاهرة شائعة ومستفحلة عربيا في تقويم الأمور، ويحدثنا كذلك عن التفكير السلبي واتصافه بالعدوى الانفعالية، ليؤكد أن الإنخراط في تضخيم السلبيات والشكاوى وتعميمها إن هو إلا نوع من التفريغ الإنفعالي لتراكم الإحباطات الذاتية عند الواحد منا، وما يؤدي إليه ذلك من طمس تلقائي للإيجابيات في وضعية ما أو في سلوك فرد أو مجموعة، مستفيضا من بعد في تعداد وتفسير بعضا مما ينتج عن ذلك من سلبيات وتأزمات، ويعود الكاتب بعد ذلك ليخبرنا بأن التفكير الإيجابي بالمقابل يمثل نواة الإقتدار المعرفي في التعامل الفاعل مع قضايا الحياة ومشكلاتها وتحدياتها، والتغلب على محنها وشدائدها، يخبرنا الدكتور حجازي كذلك أن علم النفس الإيجابي هو الإبن المباشر للعلاج المعرفي الذي يتلخص في عمومه في اكتشاف الأفكار المغلوطة والإفتراضات والإعتقادات غير الواقعية المسببة للاضطرابات الإنفعالية مثل القلق والإكتئاب وروح الهزيمة وما يصاحبها من مرارة، ليحاكمها ويبين لا واقعيتها وخطأها وصولا إلى إحلال أفكار وافتراضات إيجابية مكانها تفتح باب الإرتياح واستعادة المعنويات والإنفتاح والمبادرة إلى الفعل والبناء .
ويتعرض الدكتور حجازي في الفصل الثالث للعلاج المعرفي، ويعرفنا إلى أسلوبين من أساليبه.. أولهما العلاج العقلاني الإنفعالي الذي طوره.. إلليس.. وقدمه باعتباره الفلسفة النمائية العقلانية في الحياة.. وثانيهما العلاج المعرفي.. الذي طوره.. بيك، وإبنته جوديث.. في جامعة بنسلفانيا، وبعد شئ من التفصيل ينوه المؤلف، بأن العلاج المعرفي ليس جديدا على تراثنا، فذلك ما يقوم به حكماؤنا وأصحاب وساطات الخير في إصلاح ذات البين زوجيا وفي العلاقات الحياتية، لينتقل بنا بعد ذلك إلى.. مقومات التفكير الإيجابي.. فيذكر.. الوعي.. أول تلك المقومات ويعرفه بأنه.. المعرفة والإستيعاب وكشف الواقع.. وهو أيضا.. المعرفة المباشرة بالنشاط النفسي الذاتي.. كما يحدثنا عن دور الوعي في تحقيق وإنجاح.. عملية العصف الذهني.. التي تستخدم لتوليد حلول وأفكار جديدة قد تكون خارجة عن المألوف لمشكلات يتعذر حلها بأساليب التفكير المعتادة، وذلك على النقيض من عملية.. عصف الملامات.. التي تجئ عن التركيز على السلبيات ومظاهرها ويرتبط بغياب الوعي قصوره، وفي خطوة إضافية نتعرف إلى ارتباط الوعي بمقومات تنشيط الفكر واليقظة الذهنية التي تتعامل مع حالات عدم اليقين باعتبارها ممثلة للواقع الإنساني، وهي تساءل إنعدام اليقين هذا مما ييسر فتح آفاق جديدة وفرصا مستجدة، وقبل اختامه الفصل الثالث يحدثنا الدكتور حجازي عن خطوات التفكير الإيجابي في حل المشكلات وعن ارتباطه بمنهجيات التفكير الجاني كما يطرحها.. أدوارد مونو.. وكذلك بمنهجيات التفكير الابتكاري، وهي منهجيات تستند إلى المرونة الذهنية التي تجسد أحد مظاهر الذهن الطليق.
يتمحور الفصل الرابع حول.. التفاؤل والأمل.. وفيه يفصل المؤلف فيما للتفاؤل والأمل من أثر وفاعلية في مواجهة التشاؤم واليأس وما ينتج عنهما من آثار مدمرة، مقررا أن واقعنا العربي الراهن هو أحوج ما يكون إلى تغيير المنظور والتحول إلى التفكير الإيجابي المتفائل والآمل، إذا كانت هناك فرصة لإطلاق طاقات الحياة والنماء، ويشدد على أن التفكير المتفائل والآمل كما يطرحه علم النفس الإيجابي أبعد ما يكون عن الاسترسال في تنمية النفس بخلاص يأتي من قوى خارجية السيطرة لنا عليها، أو تبدل للأحوال يحمل الفرج بعد الشدة في نوع من القدرية التي لا دور لنا فيه، يتوسع البحث بعد ذلك في شئ من التفصيل حول:
أولا: التفاؤل، تعريف وتحديد
ويورد مؤلف تعريف قاموس أكسفورد للغة الانجليزية للتفاؤل حيث هو.. تلك النزعة للنظر إلى الجانب المشرق من الأوضاع، وإلى توقع أفضل النتائج من أي تتابع للأحداث، كما يورد تعريفا فلسفيا للتفاؤل وفق المذهب الذي أكده لايبنتز والقائل.. أن هذا العالم هو أفضل العوالم الممكنة.. حيث التفاؤل هو ذلك الاعتقاد بأن العالم يتقدم إلى الأمام وأن الخير سينتصر على الشر في النهاية، كما يتحدث عن تعريف التفاؤل بيولوجيا حيث الإنسان مدفوع بالتفاؤل في الأساس، وذلك ما جعله يجابه تحديات البقاء على أمل الحفاظ على الحياة، فالطاقات الحية متفائلة بطبيعتها طالما أنها مدفوعة بدافع النماء والتوسع، وعلى ذلك فان المتفائلون هم أولئك الذين يتوقعون أن تحدث لهم أشياء جيدة، أما المتشائمون فهم الذين يتوقعون أن تحدث لهم أشياء سيئة، ويختلف الفريقان في العديد من الأوجه ذات التأثير الكبير على حياة المنتمين لكل منهما سواء فيما يتعلق بكيفية مقاربتهم لمشكلاتهم وتحدياتهم أم في كيفية تعاملهما مع المحن، يشير الدكتور حجازي بعد ذلك إلى خطين بحثين في علم النفس الإيجابي على صعيد التفاؤل.. خط السمات، أو نظرية سمة التفاؤل.. وهي نظرية كارتر وشراير، أما الخط الثاني فهو.. أسلوب التفسير المتفائل.. الذي قال به سليغمان وبيترسون وستين . لينتقل إلى إبراز بعضا من ميزات سمة التفاؤل أو الطبع المتفائل، ثم يتوسع في شرح نظرية سليغمان وبيترسون وستين، لينقلنا بعد ذلك إلى.. التدريب على التفاؤل.. المؤسس على طريقة تعديل الأفكار في العلاج المعرفي.
ثانيا: نظرية الأمل
يعني الأمل تقليديا إمكانية تحقيق الأهداف، وهو وثيق الصِّلة بالتفاؤل، لكنه في ثقافة القهر والهدر يعني الرجاء بتغير الأحوال بتدخل من عوامل خارجة عن الشخص وانتظار الفرج من خلال فعلها، كما جرت العادة على اعتبار الأمل نتاجا للحالة الانفعالية (حالة الرجاء والتمني) يرتفع بارتفاعها ويتراجع بانخفاضات، أما نظرية الأمل فترى على العكس من ذلك، أن الانفعال الإيجابي هوبحد ذاته نتاج التفكير بإمكانية صنع النجاح من خلال المثابرة حتى الوصول إلى الهدف، وبالتالي فالتفكير هو المولد للانفعال (كما يذهب العلاج المعرفي) وعلى ما ينتج عن ذلك ينبني الارتباط بين التفاؤل والامل اللذين ينبآن معا بالصحة الجسمية والنفسية، كما يلعب الأمل دورا فاعلا في التغيير إذ أنه يشكل المحفز عليه، والامل بما هو التعبير عن الطاقات الحية الساعية للتفتح والنماء والتوسع والازدهار، هو الحالة الطبيعية عند الانسان منذ طفولته الاولى، وكما هو حال التفاؤل فإن الأمل ينمو في مناخات التنشئة الاسرية والمدرسية التي توفر الحب والرعاية والتواصل، وبث الثقة بالنفس والتقدير الذاتي، وإتاحة فرص التجريب والتعلم، وخصوصا تشجيع المبادرات الذاتية وتفتح الامكانات ، ويقول أن ذلك كله لاينشأ من العدم، أو من مجرد التعلم، بل هو يقوم على أساس البيولوجيا العصبية للتفاؤل والامل، فقد اكتشف العلماء وجود نظامين عصبيين متضادين يحركان السلوك الموجه نحو الهدف أحدهما.. النظام المنشط للسلوك.. الذي يدفع الى السير والتقدم والاقدام والتجريب والمحاولة، إنه نظام التوسع والنماء والانفتاح على الدنيا والنَّاس وتجارب الحياة والعلاقات والمكانة والسيطرة، والبحث عن الإثابة والمكافأة، وهوعبارة علاقة وثيقة بالعواطف الإيجابية، وهناك في المقابل.. النظام الصاد للسلوك.. وينشط لإيقاف السلوك المنفتح المبادر، متحولا الى حالة الصد الدفاعي، وهو يتحرك في حالات التهديد والخطر والعقاب والتوبيخ والقمع والزجر، وتكون نتيجته الانكفاء الدفاعي والوقوع في العطالة مع ما يميزها من تشاؤم ويأس، ولا ينسى المؤلف أن يؤكد إمكانية التدرب على الأمل وتعلمه، تماما على غرار التدرب على التفاؤل وتعلمه.
مقومات الأمل الفاعل:
يُبين الدكتور حجازي أن نظرية الأمل لواضعيها سنايدر تتضمن ثلاثة مقومات.. الأهداف، التفكير الوسائلي، والتفكير التدبيري المعبئ للطاقات والامكانات، ولا بد من تفاعل هذه المقومات وتكاملها لتحقيق الأهداف الكبرى، وتتضمن هذه النظرية عملية إرجاع.. تغذية ارتدادية.. تفاعلية بين مختلف المراحل والخطوات في تتابعها الإجرائي والزمني، إذ نحن هنا بصدد أمل يقوم على الإرادة والقدرة في تدبر الوسائل، حيث الانسان هوصانع إنجازاته ومولد حظوظه، وليس بصدد أمل يقف عند مستوى الرجاء والتمني وانتظار الحظ، تلك هي سمة إنجازات البشرية الكبرى من خلال الامساك بزمام المصير، وتجي خاتمة الفصل الرابع كالمامة بموضوع استراتيجيات تعزيز الأمل، الذي يتطرق اليه المؤلف من خلال شرحه لأساليب تعزيز الأمل التي طورها سنايدر ولوبيز في إطار نظرية الأمل بمقوماتها الثلاثة، حيث يتم ذلك بالعمل على صعيدي الأهداف والوسائل على السواء.
___________________
نشر بموقع ليبيا المستقبل
تعليق واحد
(الانسان هوصانع إنجازاته ومولد حظوظه،)
نعم سيد علي والمهم في الأنسان أن يعي نفسة وما حولة. مزيد من القراءات ألاسلوب في التحليل مبسط وممكن الإستيعاب شكرا لك