فى ذكرى الجيش الليبى…
بعض من تاريخه مدرسة ضباط الزاويه العسكرية
غدا التاسع من اغسطس. يوم لليبيا التى تكاد تنساه.. وتهمل الايجابيات فى تاريخها الطويل. ثلاث وسبعون عاما على تكوين الجيش السنوسى الذى ظل نواة لانطلاق الجيش الليبى بالكامل لاحقا.
حين اندلعت الحرب العالميه الثانيه فى اول سبتمبر 1939 وجد الامير ادريس ذلك فرصة ملائمه للعمل الوطنى بصورة اشمل فدعا اثنين وخمسين من مشائخ وزعماء الليبيين المقيمين فى المهجر للاجتماع فى منزله بالاسكندريه فى شهر اكتوبر من العام نفسه. وتزامن ذلك مع ايام شهر الصيام المبارك وتشاوروا فى حالتهم الاستقباليه واكدوا ثقتهم جميعا فى شخصه ووقعوا على وثيقة هذا اللقاء التاريخى التى كان من اهم ماورد بها.. تكوين هيئة منتخبة منهم شوريه مرتبطة به ومربوط بها وان يعين وكيلا له يقوم مقامه فى حالة الغياب اوالمرض.
ومع التواصل واغتنام فرصة قيام الحرب وتبادل الاراء مع كل الاطراف التقوا فى اجتماع ثان بمنزل الامير ادريس فى القاهره يوم 9 اغسطس 1940 وقرروا التحالف مع الدولة البريطانيه لتحرير بلادهم.. مع تباين وجهات النظر وظهور بعض الاختلافات والاعتراضات حولها.. وبالرغم من ذلك فاْن ميثاق 9 اغسطس وقع بحضور اربعين زعيما وطنيا من انحاء ليبيا كافة شاركوا فى الاجتماع التاريخى واعتبر رغم التباين والاختلاف خطوة فى الاتجاه الصحيح ونصرا وطنيا فى كل الاحوال ورهانا صائبا على (الجواد الرابح).. بريطانيا. فليس ثمة حل اخر.. اومخرج اخر وسط متاهة الطريق وظلام الحرب.
كانت تلك بداية لمتابعة النضال الوطنى الذى توقف فى الداخل بانتهاء المقاومه واولى الخطوات فى المهجر نحوالتحرير.. ثم الاستقلال. تشكل الجيش نتيجة للاجتماع المنوه عنه بعد ان بذل المشائخ والاعيان الذين تهمهم المصلحة الوطنيه جهودا مضنيه فى تجنيد الشباب الليبى والرجال القادرون على حمل السلاح من ابنائهم واقاربهم ومعارفهم وصار هذا الجيش خطوة مهمة ومتقدمه فى سبيل تحرير البلاد وقد تكون من ثلاث كتائب او (اورطات) ضمت فى مجموعها مايقارب احد عشر الفا وتسعة وسبعين جنديا وستة وتسعين ضابطا (وفقا للسجل الرسمى للجيش) من الليبيين اضافة الى افواج من المتطوعين من افراد من قبائل اولاد على والسودانيين والمصريين كما اْلحق به مجموعات من الاسرى الليبيين الذين اطلق سراحهم بتدخل من الامير ادريس كانت ايطاليا قد جندتهم للقتال ضمن قواتها المتقدمة نحومصر فى معارك سيدى برانى والعلمين خلال الحرب.
عرف هذا الجيش فى نواته الاولى بعدة تسميات.. جيش التحرير.. القوه العربيه الليبيه.. الجيش اللوبى لكن تسمية الجيش السنوسى غلبت عليه واتخذ من موقع الكيلوتسعه فى الطريق الصحراوى غربى القاهره مكانا لمعسكره وتدريباته اضافة الى مكتب للجيش فى جاردن ستى بالقاهره ينظم ادارته وشؤونه ومايتعلق بافراده وضباطه كافة تولى امره الساده.. ابراهيم السنوسى والصديق الرضا وعمر فائق شنيب.. واخلص جل من انتسب الى الجيش بتضحيات كبيره فى العطاء من اجل تحرير بلاده بمساندة من اطقم التدريب البريطانيه والليبيه ذات الخبرة السابقه ايام المقاومه ضد الاحتلال الايطالى.. وكان بعضهم قد ترك دراسته فى الازهر.. وامور تجارته ونشاطه الخاص.. ومشاغل الاسره واتجه نحوالقضية الوطنيه.. ليبيا. واسهم هذا الجيش بالقدر المتاح فى عمليات حربيه منها حصار طبرق الشهير عام 1941 ونفذ الكثير منها داخل الاراضى الليبية المحتله خلف خطوط العدوبنسف بعض المواقع الحيويه وقطع خطوط الامداد والتزويد بالمعلومات واعمال الاستخبارات فى القرى والمدن وغير ذلك فيما شهد القاده العسكريون والانجليز لافراده بالشجاعة والاقدام فى احاديثهم ومذكراتهم.
وتميز الجيش بزيه الخاص وبنظام الارقام العسكريه والرتب وائمة ورجال دين ودفع من منتسبيه اعدادا كبيرة من الشهداء والاسرى والمفقودين واختيرت مجموعة منه للتدرب على اعمال البوليس والامن فى القدس وارتريا كانوا ايضا نواة رئيسة لتشكيلات الامن لاحقا فى ليبيا.
وفى جانب مواز اخر مهم شاركت القوات الليبيه التى نظمها السيد احمد سيف النصر من ابناء القبائل الليبيه المهاجرون فى تشاد فى الدخول الى مناطق فزان وتحريرها مع القوات الفرنسيه.. وبذلك توافق المشروع الوطنى بين كل الاطراف الواعيه بالمسؤولية ومستقبل الوطن التى ارتفعت عن الحساسيات والمصالح الذاتيه والتقت على التضحيه بكل رجولة ونكران ذات ومصداقيه لتخليص ليبيا من كوارث الاحتلال. وبالطبع كان الامير ادريس قد مهد ايضا لتلك الامور مع الزعماء المقيمين فى المهجر خارج مصر ايضا من ذوى الماضى الوطنى المشرف.. فى الاردن وسوريا.
ذلك الجيش.. النواة كان عنوانا للوحدة الوطنية فى تلك الظروف.. اْيا ماكانت النتائج.. سلبية ام ايجابيه.. وايا ماكانت نقاط الاختلاف والتقارب. كان باختصار نقطة انطلاق لجيش ليبيا باْطاراته الحربيه وكوادره ومايتعلق به من تفاصيل عقب الاستقلال عام 1951.
مداخل تاريخيه.. الواقع..
فى منظور تاريخى قديم ظل التاريخ الحربى لليبيين يتحدد دائما فى المبادره والشجاعة والفروسيه سواء على المستوى الشخصى اوالجماعى (العائله – القبيله).. سكان الارض الذين واجهوا الاغريق. وكان هناك شيشنق الذى غزا مصر وحكمها.. والفراعنه الذين استعانوا بالليبيين الشجعان فى حروبهم.. وسبتيموس الذى فتح روما.. وهنيبال والحروب مع نوميديا.. والعربات الحربيه التى تجرها الخيول لقبائل الجرامنت.. ثم البحرية العسكرية الليبية ايام يوسف باشا القره مالى.. الاتاوات والمعاهدات.. والمعارك. ومحمد على باشا وابنه ابراهيم واهتمامهما بابناء القبائل الليبيه وبسالتهم فى حروبهما خارج مصر ونقطة سلبيه (التنازع القبلى المحلى) الذى ينشاْ لاتفه الاسباب اواكبرها اكسب ابناء تلك القبائل خبرة قتاليه ايضا!!. وفى فترات تاريخية اخرى.. الضباط الليبيون والجنود فى تركيا وتعلمهم فى المدارس العسكريه ومشاركتهم مع الجيش التركى فى جبهات النمسا والبلقان. واهتمام الحركه السنوسيه ايام السيد المهدى واحمد الشريف بالتدريب العسكرى فى الزوايا والتسليح.. ونشوء ادوار المقاومه والمحلات ضد الطليان.. ومدرسة نورى العسكريه فى مصراته.. ومدرسة انور باشا لتدريب الصبيان على السلاح فى طبرق.. ومصنع الذخيره فى امساعد ايام الحرب العالميه الاولى. وعرف الليبييون هنا مع تنوع التجربه العسكريه.. الرتب والاوامر والانضباط والطاعه من خلال هذه التنظيمات الحربيه. مداخل سريعه واضاءات قد تكون هناك غيرها.. ذكرتها فى ايجاز ربما تكون خلفية زمنيه بعيده لتشكل الجيش فى ليبيا بعد سنوات.. وفى مضمونها تلمس طرق.. ودروب. مابعد التحرير.. والاستقلال
حين استقرت الامور فى البلاد عام 1943 بنهاية الحرب (استمرت خارجها حتى عام 1945) تولت المقاليد السلطات البريطانيه والفرنسيه.. حل الجيش وانصرف رجاله الى اعمالهم الخاصه.. وظلت مجموعة منه تعرف بقوة دفاع برقه ثم اضحت الحرس الاميرى فى برقه خلال 1949-1951. فى مخاض قرارات الامم المتحده ومساعدتها الليبيين لتحقيق استقلالهم.. وفى اجتماعات مندوبها ولجان التنسيق كانت هناك توصيات ورؤى لانشاء جيش ليبى باقتراح قدم من الحكومه الوطنيه المؤقته برئاسة السيد محمود المنتصر والتى كان وزير دفاعها السيد عمر شنيب فيما خلص مندوب الامم المتحده فى مذكرته السريه المؤرخه فى 20 اغسطس 1951.. الى (اْنه من المنتظر ان لا تنشاْ فى المستقبل العاجل اى قوات ليبيه مسلحه وذلك بسبب التكاليف ولعدم توفر وسائل انتاج الذخائر داخل ليبيا نظرا للتكاليف الفاحشه التى يتطلبها انشاء مثل هذه الوسائل لعدم وجود المواد المعدنيه ومصادر القوه وارتفاع اسعار الاسلحه المستورده من الخارج) مؤكدا.. باْن (احسن وسيلة لضمان الدفاع عن ليبيا من العدوان الاجنبى تكون بموجب ترتيبات الضمان الجماعى للامم المتحده وعن طريق ابرام معاهدات السلم والصداقه مع البلدان المجاوره وغيرها من الدول.. ويتعين ان يقوم وزير الخارجيه بالتعاون الوثيق مع وزير الدفاع بمثل هذه الترتيبات)!! ورغم ذلك.. شرعت البلاد فى مواصلة انشاء الجيش.
فى اول جلسة للبرلمان الليبى بعد الاستقلال التى عقدت فى بنغازى يوم 25 مارس 1952 وحيث ادى الملك اليمين الدستوريه امام البرلمان.. ورد فى خطاب العرش الذى القاه السيد محمود المنتصر الاتى.. (ان حكومتى تدرك تمام الادراك مايخالج الشعب من رغبة تواقه فى ايجاد جيش وطنى يدعم استقلال البلاد ويحمى ذمارها. وهى اذ تشاركه هذا الشعور تعمل بكل مااوتيت من جهد على تحقيق هذه الرغبه فى اقرب وقت ممكن وقد شرعت بالفعل فى انشاء نواة لهذا الجيش ستنمومتدرجة عددا وعدة نحوالكمال حسب مايتوفر للحكومة من امكانيات. ولما كان نموالجيش متوقفان الى حد كبير على ايجاد الضباط الوطنيين الاكفاء فاْن حكومتى على اتصال ببعض الحكومات العربيه والاوروبيه بشاْن ارسال بعثات من الشبان اللائقين المتعلمين الى كلياتها الحربيه ليتلقوا فيها دروسهم العسكريه ويتدربوا على اساليب القياده العصريه. وانها لتاْمل ان يتم هذا قريبا ان شاء الله. وليس بخاف على حكومتى ما للمال من اثر كبير فى تجهيز الجيش واعداده بجميع المعدات العسكريه الحديثه ولهذا ستعمل جادة فى سبيل توفير المال اللازم لهذا الغرض). وكان هناك تصفيق حاد لتحقيق هذا الحلم الوطنى. ورغم الظروف وقلة المال والامكانيات شرع فى الخطوه الضروريه لحماية الوطن ودعم استقلاله.. وكان لابد من الجيش الليبى وان طال الطريق.. وزاد اللهاث وتلاحقت الانفاس.. وتعترت الاقدام.
وجه النداء الى الشباب الوطنى.. وبقايا كوادر الجيش السنوسى.. وقدامى المحاربين.. وعين اول قائد للجيش العقيد عمران الجاضره.. الضابط الكبير فى القوات التركيه الذى استدعى لوضع الاسس والترتيبات مع وزارة الدفاع والخبراء والمختصين واقتراحات الامم المتحده. وانشىْ معسكر تدريب الاساس فى سوسه.. وارسلت بعثه مصغره الى بريطانيا لتلقى المعرفه العسكريه. لم يدم بقاء الجاضره طويلا فى الجيش فغادر الى تركيا لعدم توافقه مع بعض القيادات الانجليزيه. وتولى بعده قيادة الجيش ورئاسة الاركان فى ليبيا ثلاثة من الضباط العراقيين.. هم داود سليمان الجنابى (1953-1955) عبدالقادر الناظمى (1955-1956) عادل احمد راغب (1957-1958) وبين فترة الناظمى وراغب كلف الزعيم السنوسى الاطيوش باعمال رئيس الاركان من 12 سبتمبر 1956 الى 17 يوليو1957 وقد صار لاحقا بعد راغب رئيسا للاركان العامه اعتبارا من 1958 الى 1961.
خلال (الفتره العراقيه العسكريه) اصبح التنظيم للجيش من الناحيه الحربيه والادرايه وفقا للمدرسه العسكريه العراقيه.. فى التدريب والمصطلحات والتسميات.. وحتى فى عبارات التوبيخ!! ووصلت اطقم التدريب من العراق واسهمت اسهاما كبيرا فى انجاح خطوات تاْسيس الجيش وكان عددهم حتى عام 1958 حوالى اثنى عشر ضابطا كبيرا مابين مدرسين ومعلمين وامرى ادارات وامراء معسكرات.. اضافة الى ارسال البعثات للتدرب هناك… وهنا انطلقت مدرسة ضباط الزاويه العسكريه منذ ستين عاما.. 1954.
يتبع الحلقه الثانيه…
_________________
نشر بموقع ليبيا المستقبل