من أعمال الفنان محمد الشريف.
طيوب النص

إليك أخيراً يحملني أسمي

 

 Mohammad_Esharif (1)

 

#  أحيانا إنا صيادُ فراغ

رقصتي تمحوها موجة .

لا شيء يبقى  .

**

أحيانا ، فيما العالم يمضي إلى الشوارع

أنا فريسة نوم .

لهذا لا تعنيني النقود والمحطّات وأسماء العواصم

**

أحيانا فيما جرس الباب يخضع لوطأة غيري

سأظنّ أن محصل الكهرباء ، قد يرشق قسيمة الاستهلاك تحت وسادة العتبة

أو يودعها لدى الجيران ثم ينصرف

أحيانا أنا كسول جدا .

**

أحيانا

لا أفكّر في شيء

ولا أنتظر أحدا

و لست قلقا كما يُظن

أو خائفا من الموت أو نحوه

لكنني ،  لأسباب لا أفهمها

أشعل سيجارة نكاية في السرطان

وأكتب هذه القصيدة .

**

# حتى الآن قد شطرت العديد من المعاجم بحثا عن شيء أتوهم بأنني ضيعته أثناء سقوطي من سلّم الطفولة ، كحادث عابر في أول الأمر لأنني لم أظن في يوم ما بأنه لا وجود للشعر بعيدا عن مضارب النساء . لهذا حين غرقت في النثر استأثرت بموتي ولم أصرخ كما يتردد  في مقاهي النميمة . وحتى هذه الساعة قد تجاوزت بصمت العديد من الثكنات تاركا أطلال الوجع وخرائبها الدامية تستغيث بظلي، وأبيّ الذي مات قبل أربعة وأربعين شتاءً . متجاهلا كل معاركي الصاخبة مع الجراحين والممرضات وسائقي الإسعاف . غير نادم بالطبع حين سلّموني بندقية ( كلاشنكوف)  ، وحملوني إلى جبهات الجنوب ، أو خائفا حتى من تفسّخ تاريخي في الصحراء.

كنت عربيدا بأسره يمشي وحيدا كما أعلنت منذ ثلاثين سنة تاركا خلفي فوضى المستشفيات وأشلاء الألم . صحيح بأنني قد تعبت وفقدت جزاء كبيرا من مشيتي ، بعد أن تعذّر عليّ استعادة خطواتي الرشيقة وضحكتي الأولى عندما كنت اقفز بخفة من مدينة إلى أخرى : كل امرأة أعطيها أسما حتى لم يعد لدي ما يكفي من الكلمات . لهذا ظلت قصائدي الأخيرة دونما عناوين .اتركها تتخبط داخل صناديق مهجورة حتى تتساقط حراشفها وتفقد ذاكرتها النشيطة .

لنبدأ من أول السطر ، باقتراح جملة  مارقة ووضيعة لا شيء يردعها عن جهلها الشرائع وتقديس الموتى . هكذا مرة أخرى برعاية العزلة وصرامة الأرق.

**

 # حين بدأنا نضرب المفازات القاحلة بين نهارات خائنة، وليال من زمهرير ، كان قد نفد ماؤنا، وعجزت كواهلنا عن حملنا ، حتى ثقلت علينا التدابير، وتلاشت الجهات،  فانصرم رهطنا، وبدا كل جندي يتخلّص من أعبائه، فتركنا خلفنا الخوذ والبنادق والكتب والنياشين والأعلام والأناشيد ، ونحن نمشي بلا ظل أو صوت سوى فحيح وحش الهلاك، الذي يتربّص بنا كلّما أمعنا النظر في الأفق وهو ينأى. نمشي بلا وزرٍ غير ما تبقّى من توقٍ واهن بدا يخفت كلّما انفرط شملُنا، بعد أن ضلّ بعضنا وَكَلَّ عزمُه، وقنط من ضربِ فراغٍ ثقيلٍ ودامس ، لنكتشف بعد لأْي بأننا أمسينا بضعة أشباح هزيلةٍ يدحرجها وهمٌ سادرٌ لا أين له. أربعون سنة ، مرت . ونحن نمشي ، لنقف أخيراً على يقين خرابنا اللامع. فكانت تلك إشارة أُخرى لمفردةٍ متلكأة, تعذّر علينا لحظتها- نحن الجنود البؤساء- ترتيب حروف وعاء التيه. لان غثيان العطش, وغشاوة التعب، وضراوة الجوع ، بالكاد جعلتنا نتبيّن السماءَ التي أضحت بهيئةِ أجنحةٍ من نار ومعدن. كأننا صرنا نهذي عندما رأينا الكائن الذي تبدّى غراباً مرحاً ،يحلّقُ فوقنا ،لحظة أن  تكوّمنا عند حافةِ جرفٍ ، مستسلمين لمشيئة الخراب وسلطة العطش.  كان الألم يمزِّق أصواتنا, ونحن نطلق صراخنا في وحشة العالم..ونتقيأ مرارة فجائعنا . وفي الصباح القاتم أدركنا جيدا فداحة ما نرى. كانت جثثنا تملأ المكان ، وكانت أجنحة سوداء تحجب منازل الشمس, وعوالق لزجة تنخر ذاكرتنا، وحشرات نارية تمتص ما تبقى من دمنا وتأكل لحمنا …….  كان غراب أكيد يحشد أتباعه للوليمة. وهو آخر ما رأيت .

**

# أن تكتب محاكياً آخر مستحضرات النثر  . بصرف  النظر عن غثاثة المعنى . حاقنا ذاكرتك بالمنشطات لكي تستدعي حشدا من الاكسسوارات الغبية ، مستدركا نباهة اللعب على المفارقة.. كأن تحشر جثة مخيلتك في مصعد كهربائي وقد نسيت عنوان المقبرة في جيب بنطلونك المنشور على حبل الغسيل .

في وقت تعوزه الشهامة لإنقاذ كلمة من الاختناق يحدث كل هذا الهوس ،حين يخذلني شغف  الكتابة ، وأفقد الشجاعة لكي أقول  مرة أخرى ، للبدو الهائجين في الشوارع  : أتركوا طرابلس وشأنها . تذكرت بأنني قد صرخت في وجوههم قبل عشرين سنة، لكنني لا أجرؤ الآن على مكاشفة امرأ الحرب بأخطائهم .

**

بعد أن بكيتَ بصوتٍ لا يسمعه غيري في ( المستشفى الكبير ) .

نمت لأول مرة خارج بيتي الأول .

ألبسوني قماشا جديدا واسماً لا أعرفه يحملني

فأتبعه ليدلَّ الناسَ على شيطنتي حين اعبث بقديد الجيران

أو القي حجرا في بئر الحوش .

كان يحملني ،فأتبعه  ليحبسني خلف  الأقفال :  كأنّي خُلقتُ لأبكي .

ألمي حديقة تستيقظ بتعب في حلم مهدور .

وفي يوم ما . يوم كأي يوم ، مكفهر وعابس

بطقس مرتبك  ووجوه مغبرة

وسكان دائما يلهثون في صحراء مغلقة

حيث لا ظل للمرح سأترك قصيدة بلا مأوى

تتشرد منبوذة دونما رأفة : كلبٌ يتضوّر في عنابر ثكنة هجرتها ضوضاء ساكنيها

قصيدة عمياء تقرأ عناوين النفايات

من هنا ، عبر هذه التواريخ الثرثارة سأتسلل بتوقّع خارج لغتي .

واليك أخيرا يحملني أسمي .

 

مقالات ذات علاقة

نحن البدويات لا ننطق كلمة: أحبك

مقبولة ارقيق

أليس مِنْ…؟

سليمان زيدان

تكونُ حين لا يكون أحد

المشرف العام

اترك تعليق