(حديثي الى البحر بعد عودتي من سفري الطويل)
يا بحر هل عرفتني ** أنا ذلك الفتى الصغيرْ
من قد ملكت فؤاده ** فغدا لسحرك كالأسير
من كان يهجر نومَه ** إن قِيلَ غداً بشاطئك نَصير
وماذا يوقفُ دمعَهُ ؟ ** لو قالوا لا، لعذرٍ لن نَسير
من كان قبلَ وصولِه ** اليكَ يكادُ من فَرَحٍ يَطير
لا زلتُ أذكرُ عَهدكَ ** ومَاءكَ الدَّافئ الوفير
وأذكرُ ملمَس رَملِك ** وعنديَ أنعمُ من حرير
ولعمرُكَ أكثرَ راحةٍ ** من ضَمَّةِ الفرَشِ الوتير
ومنه بنيتُ حُصونِيَ ** ليُحيطُها سُوري القرير
وبعدها تُرسِلُ مَوجَك ** قُربَ المساءِ بالهَدير
فتمحُو كلَّ ما بنيتُ ** من قلاعٍ وسُدودٍ وغَفير
فتُمسي مِثلمَا كَومَة ** أحاطَها ماءُ الغدير
فكأنك كنتَ مُمازحِي ** لتُضيع مَجهودي العَسير
فلم يزدني ذاكَ منكَ ** الا سُروراً الى سرور
فأضحكُ حتى أرتمي ** لسُوءِ ذيَّاكَ المَصير
كم كنا نعيشُ سعادةً ** قد لا يلقّاها أمير
حتى حلَّتْ بنا ليلةٌ ** بها كلُّ شرٍ مُستطير
فكان الوَداعُ مآلُنا ** والاغترابُ لنا المُجير
وبقيتَ حباً في الفؤادِ ** وصِرتَ فَيضاً بالضَّمير
تُنعش آمالَ الرجوعِ ** ولأجلِ لُقيَاكَ أستَخِير
ذِكراكَ تُلهمُ خَاطِري ** حبُّ الطُّفُولَة كم كبير