(الهروكة) عبثٌ لا طائلَ منه، يمارسُهُ فردٌ (هرواك) أو أفرادٌ (هرواكة) في وقتٍ ما، وفي مكانٍ ما، فعلٌ رخيصٌ بخيسٌ يُقترفُ بلا تخطيطٍ ولا تدبيرٍ، ويأتي بلا هدفٍ، وبلا نتائجَ، غيرِ ما يجنيه الهرواك من ممارسةِ الهروكة، من عبثِهِ، ونتيجةُ كلِّ عملٍ هروكيٍّ أطنانٌ منَ العبطِ والخيبةِ والخسرانِ..!
الهرواك لا ينتبِهُ لنفسِهِ، ولا إلى ما يفعلُهُ، ولا يستمِعُ إلى أيةِ نصيحةٍ، إنه يعتقدُ – دومًا – أنه في الطريق الصحيح، وأنه يمارسُ العملَ الصحيحَ، وأنه يأخذ بالرأي الصحيح، والصحيح أنه لا صحيحَ في كلِّ ذلكَ إلا أنه هرواكٌ جدًّا .. أعني عبثيٌّ وأحمقُ، وكلُّ ما يفعله غيرُ ذي جدوى، مثلُهُ تمامًا غيُر ذي جدوى ..!؟
الهرواك جملٌ هزيلٌ ؛ أقصد ( لا ينظر لعوج رقبته )، فهو لا يرى لنفسِهِ اعوجاجًا، ولا يرى عوجًا ولا أمتًا فيما يقترفُهُ من قرفٍ وضحالةٍ وبؤسٍ، طَوَالَ اليومِ، بل على مدارِ عمرهِ الهروكيِّ كلِّهِ؛ فاعوجاجُهُ المزمنُ، اعوجاجُ روحِهِ، هو الاستقامَةُ المثلى بالنسبَةِ له.!!
الهرواك يصحو باكرًا لممارسَةِ الهروكة، لارتكابِ العبثِ بكلِّ تفاصيلِهِ المؤسَفَةِ، والفظيعَةِ، فهوَ يفتنُّ في تنفيذِهِ، يبدعُ في اختيارِ طرائقِ هروكته، وتجديدِ آليَّاتِها وصورِها، ويبهرُ في تفاصيلِها.. ثمَّ يجلسُ خائبًا يحسبُ نتائجَ هروكتِهِ..!!؟
الهرواك غريقٌ لا يشعرُ بغرقِهِ، ولا بقربِ هلاكِهِ، مأزومٌ لا يعلمُ بأزمتِهِ، ولا يدري عنها شيئًا، إنه نشيطٌ في هروكتِهِ، لا ينشغلُ بغيرِهَا طَوَالَ عمرِهِ الفارغِ إِلا منها، يفتخرُ بها، بأفعالِهِ الهروكيَّةِ الشَّاذَّةِ.. ويستلذُّ بها حدَّ السُّقوطِ..!؟
والهرواك لا يحسنُ قراءةَ واقعِهِ، وفهمِ حَالتِهِ، والانتبَاهِ لعظمِ مُصيبَتِهِ، فإذا ما شارفَ على الهلاكِ سيمكنُهُ – فقط – قراءَةَ سِفْرِ هروكتِهِ المكتظِّ بأفعالِهِ الجوفاءِ، وتصرُّفاتِهِ البَائسَةِ..
الغريبُ أنَّ العالمَ ممتلئٌ بالهرواكة، لعلَّهُم يمثِّلونَ ثلثي سكَّانِ العالمِ، أقولُ هذا وأنا في أشدِّ حالاتيِ تفاؤلاً، وربما أكثرَ، لكن لأنهم هرواكة، فلم يعرفوا بعضَهُم بعضًا، ولم يتعرَّفوا على بعضٍ، ولم يكن لهم وطنٌ معروفٌ، ولا توصيفٌ واضحٌ ينبِّئهم إلى هويِّتهم وهواياتِهم، ومهاويهم، ولم يشكِّلوا حزبًا ولا تجمُّعًا ولا رابطةً لهم، مع أنهم يزدحمونَ في مكانٍ وزمانٍ واحدٍ، ولا يشعرونَ ببعضِهِم بعضًا ..!!؟
الهرواكة شعبٌ منَ الحمقى، الدَّرَاويشِ، البلهاءَ، التفِتْ تجدْهُم من حَولَكَ .. هنا هرواكٌ أو هرواكة أو هرواكونَ أو هروكاتٌ.. أينما قَلَّبْتَ بصرَكَ انقلبْ إليكَ قابضًا على واحدٍ أو واحدةٍ منهم، الهراوكة .. متوفِّرونَ بكثرةٍ كالهمِّ تمامًا؛ في العملِ والشَّارعِ والبيتِ والنَّادي، في المقهى، والفندقِ، وفي المقبرَةِ، وفي كلِّ شبرٍ يمكنُ أن تطَأهُ قَدَمَا بشرٍ.. أعني قدمي هرواكٍ..! فما أكثرَهُم .. !!
والأغربُ إِنَّكَ إذا ما صَرَخْتَ في أحدِهِم زاجرًا ( يا هرواك )، فلا ينتبهُ لكَ، ولو كرَّرْتَ نداءَكَ ملايينَ المرَّاتِ، عبرَ كلِّ مكبِّراتِ الصَّوْتِ..!؟
لكنَّ صوتَكَ سيرتدُّ إليكَ خارقًا أذنيكَ وقلبَكَ : ( وراك .. وراك .. وراك … وااااااااااااااك .. ..!!؟ )