1
… نافذة الزنزانة المقضّبة الصغيرة تسرّب القليل من الضوء.. لكنها لا تُظهر لي السماء.. على ذِكْر السماء.. منذ متى لم أملأ عيني من زرقة السماء؟! لا أذكر آخر مرّة بلّلني المطر.. هل هناك عقاب أقسى من أن يحرموك من بلل المطر؟! تُرى هل لايزال المطر يهطل في الشتاءات؟ يقولون بأن الأشياء قد تغيّرت كثيراً في الخارج.. لكن إلى أي حدّ؟ هل تغيّر لون السماء؟ السماء زرقاء.. العشب أخضر.. زهرة القرشود بيضاء.. لا.. ليست بيضاء.. بل بنفسجية.. تنبثق من الأرض مباشرة بلا ساق ولا أوراق.. حتى قبل نزول المطر.. تخبّئ الماء في جذورها.. يا إلهي كدت أنسى لون تلك الزهرة المدهشة.
2
… آه.. تذكّرت.. لقد خبّأتُ ثلاث أصابع من ألوان الشمع في شق ما في هذه الزنزانة.. هرّبتها زوجتي ـــ رحمها الله ـــ في آخر زيارة.. منذ عام.. أو ربما منذ عشرة أعوام..!!
ها هو الشقّ.. يا الله.. تسربت إليه المياه.. إنهم يغرقون الزنزانة في الشتاء بالماء البارد.. جمال الماء أن يأتي من فوق.. لكن بعض الناس أمورهم كلها تحتيّة! الألوان عطنة.. الأخضر عطن.. الأحمر عطن.. الأزرق نجا بأعجوبة.. ربما لأنه كان في الأعلى.. لا بأس يكفيني لون واحد.
3
… سأبتعد عن الجدار قليلاً.. لتذوّق جمال اللوحة نحتاج إلى مسافة كافية.. لا بأس.. فضاء أزرق بقدر ما سمح حجم إصبع الشمع..
ـــ نهارك أسود.. من الذي هرّب لك الألوان؟
ـــ أشكرك لأنك ذكّرتني بلون النهارات هنا!
4
… الأوغاد طمسوا اللوحة.. لكنني أعرف أنه فضاء أزرق.. وهو هنا قبالتي على الجدار.. سأحتفظ به في مخيّلتي.. السماء زرقاء.. العشب أخضر.. زهرة القرشود بنفسجية..
ـــ اسكت يا حيوان.
ـــ السماء زرقاء..
ـــ اسكت يا حيوان.
ـــ السماء زرقاء.. السماء زرقاء.. زرقاء.
***