قصة

عـزف على أوتـار المـاضي

 

1

*… وهو كذلك عند الساعة السادسة سنلتقي.

أقفلتُ الخط الهاتفي، وتابعت الشريط المرئي على شاشة التلفاز، وما شدني إليه، هو سرعة القطع حيث الأحداث تتوالى بإيقاع، لا يدعك تمل المشاهدة بل يستدرج انتباهك لتكون عملية السرد مقنعة وجديرة بالمتابعة.

القصة تفصح عن حالة حب يصر الحبيبين عليه رغم كل العوائق التي يتفنن والد الفتاة في وضعها، والذي يغريك على تتبع تصاعد القصة تلك المنطقية في الدفاع عن الحب كقيمة وليس مجرد عاطفة إنسانية وحسب.

مع نهاية الشريط كان النعاس يداعبني، ولم أجد النية في مقاومته فداهمني النوم ووجدتني جالساً معه، والكلام يدور ما بيننا يصِّاعد إلى درجة أن أعصاب كل منا بدأت تخرج رأسها لتتركنا لعشوائية الخطاب الذي يؤدي أحياناً إلى العراك العنيف دون أن يقدر أحدنا على التقهقر إلى الخط الأول للتعقل، وما أن استيقظت من النوم

ونهضتُ من على السرير حتى وقع الحلم تحت قدمي وغادرني، أو كأن ضوء الغرفة مسحه فلم أعد أراه.

بين غرفة النوم، ودورة المياه استعددت للخروج، فقد قارب موعدي معها، وخرجتُ على مهل، ألاحق على طريق الوهم أحلامي القديمة.

شعرت أن الرجل الذي خلفي يتتبعني فأنتنيت إلى آلة بيع السجاير لأبتاع إحدى علبها،لتمويهه وتابعتُ سيري متفرساً في الوجوه من حولي، للتأكد من وجوده فلم أجده، مقنعاً نفسي بأنه قد أحس بي فقطع مراقبته لي، أو أنه أضاعني في الزحام حتى وصلتُ المقهى جائلاً بنظري في زواياه لأنتقي مكاناً منزوياً بين طاولات المقهى، وما أن وقع اختياري على طاولة كانت تحاذي حائط المقهى الزجاجي حيث يتاح للجالس تأمل حركة الشارع ويشعره بأنه مع الراجلين غدواً ورواحاً، حتى جاءتني المضيفة تحرك قامتها الخيزرانية بخطوات واثقة، ورغم بشرتها البيضاء فإن ملامحها تبدو شرقية وبشعر وأنها ولدت في مكان ولادتي، وغادرت البلاد لانتهاء مدة خدمة والدها أسود كأحد موظفي سفارة بلده،وهي في سن الخامسة، وتعمل في هذا المقهى كى لا تعتمد على والدها في مصاريف دراستها العليا التي قاربت على مناقشة أطروحة الدكتوراه في مقارنة الحضارات.

هكذا أفهمتني وهي تكسر كلمات لغتي منذ أول تعرفي عليها واعتيادي الجلوس في هذا المقهى وعلى هذا أخذت أعاملها على أنها ليست مضيفة.

** كهوة كالأدة مسيو سند ؟

أومأت لها برأسي أن نعم وانصرفت لثوانٍ عادت حاملة القهوة.

** أنت اليوم مش رايك. صه؟

* هذا صحيح أيتها الجميلة فرانشيسكا فمزاجي هذا المساء ليس رائقاً.

لبت نداء أحد الرواد وأنا أتابع مشيتها الغزلانية في الوقت التي دخلت فيه صديقتي طيبة التي تقيم للدارسة الجامعية بالمبنى المجاور للعمارة التي أسكن أحدى شققها في الطابق العشرين حيث تقابلنا في حفلة الجامعة السنوية التي أدرس لطلبة السنة الرابعة مادة تذوق الجمال في كلية الفنون الجميلة، حيث ولد ذلك التعارف لقاءات أخري صرنا بها أصدقاء أخذت تهتم جداً للوحاتي، وكم فرحت كثيرا بطلبي منها رسم وجهها ليكون ضمن لوحتي طيبة التي بعتها بسبعة ألاف فرنك منحتها نصف القيمة لأن وجهها حسبته مكوناً لنصف اللوحة كعربون صداقة أعطت لي الكثير من الدفء، والصدق معاً.

لذلك توجب حضورها إلى ركني في مجمع الرسامين بإحدى ضواحي المدينة، وعمق العلاقة بيننا, وصار كل منا للآخر الصدر الذي يستوعب بوح، وشكوى الآخر.

طيبة فتاة لها خمس أخوة أولاد من إحدى الأسر الحاكمة لإحدى البلاد العربية، في العشرين من عمرها، عربية ملاح وجهها الذي بعينين أسودتين واسعتين، يتكئ رأسها بشعر فاحم يتدلى طوله خلفها على جسد ممشوق قامته، ترتدي أغلب الوقت الملابس التي لا تختلف عن ملابس الشباب الذكور كثيرا.

تعيش حياة بعيدة عن البذخ الذي يحاول والده إسباغه عليها، وكم جاهدت من أجل أن تعيش هنا بدون حرس وحاشية مكتفيةً بخادمتها الأسيوية، تهوى حياة البساطة وتحب أن تكون نصف صعلوك بالمعنى الحديث للصعلكة.

بعد أن لمحتني أتابع بنظري النادلة خاطبتني، وهي تهم بالجلوس:

** هل تعجبك فرانشيسكا ؟

* أوتغارين منها يا لرقة.

** من لرقة هذه ؟

لرقة هي الزهرة التي تدل على وجود الكمأة في الصحراء، وأنتِ دليلي إلى حياة أجمل، أليس كذلك ؟

* ليتني أكون كذلك فهذا يفرحني جداً، لابد وأنك تشعر بهذا.

ناديت فرنشيسكا فجاءت مسرعة فمازحتها.

* صديقتي تغارمنك علىّ يا دكتورة فرانشيسكا.

ابتسمت وهي تقول موجهة الحديث إلى طيبة.

** أنت جميلة جداّ ومأتلمة كتير مظموزيل طيبة، أنت لك نصيب كبير من اسمك وأرتست سند يهبك، وأنا أهبه أيداً لأنه متكف كتير ويستهك كل هب وتكدير واغار آليه متلك.

شكرتها وطلبتُ منها فنجان قهوة لطيبة فانصرفت، وأحضرته سريعاً وهي تقدم لي ورقة بها عنوان بيتها، وأفهمتني أنها تدعونني إلى حفل عيد ميلادها لليلة ما بعد الغد، فنظرتُ إلى صديقتي لترافقني فلم تمانع ولكم فرحت فرانشيسكا بقبولنا دعوتها وهي تحدد الموعد ثم استأذنت وذهبت لتلبي نداء أحد الرواد.

* نفس الحلم الذي لازمني وذات الحالة التي رافقتني، لم أستطع تذكره، وكلما حاولت أن لا أقوم من مرقدي حتى أعيده في ذهني أجدني أنهض فجأة، وكالعادة يقع الحلم تحت قدمي، ويستحيل علىّ لمه.

ألا يعد هذا من الأمور الغريبة.

كانت دائماً تخفف عنى انشغالاتي.

** لا يجب أن تهتم به كل هذا الاهتمام فلعله مجرد هاجس فقط ما أن يعتريك حتى يتركك, أحسب أن هذا صحيحاً.، ورأيتُ تغيير دفة الكلام إلى جهة أخرى.

فطلبتُ منها أن تنصحني أية هدية أقدمها لفريغريني.في عيد ميلادها فأخبرتني بأن المرأة لا تقاوم العطر أبداً، وعلىّ بزجاجة من النوع الفاخر فطلبتُ منها أن تقوم بذلك.

* أنت أفضل من تقوم بذلك فعطرك كان دائماً يغريني.

** يغريك على ماذا ؟

* ربما على رسمها وهي تضوع منك، أو على الاقتراب منك أكثر.

سألتني ؟

** أيغريك علىّ ؟

* كلك يغريني لكنك فاكهة ممنوعة.

أعرفها جيداً فأسرتها من العائلة الحاكمة، وذات تقاليد قبلية تشترط زواجها من أحد أبناء عائلتها، وأن مستواي المادي يبتعد كثيراً عن قامة حسابات والدها في المصارف حيث تستطيع أن تحقق ما تشتهيه، إضافة إلى أنها مع نهاية دراستها لابد من عودتها مباشرة، والأكثر أهمية علمها برأيي في الزواج.

كأنها أدركت تخميناتي.

** تحسب أن لا شيء يجمعنا وأن الفارق بيننا كثير كذلك فإن..!.

قاطعتها.

* إن السنوات بيننا كثيرة.

** أنت تفكر بي إذاً.

 نظرت إليها مليئاً، وهي تضيف.

** أنا أفكر بك أيضاّ، واحسبني أحبك.

لم أتوقع منها ذلك، ولا يمكن أن تكون فرانشيسكا هي التي سارعت في تأجج شعورها نحوي من باب الغيرة قلت لها :

* أنت متعلقة ومعجبة بي كفنان أعطاك جزءً من لوحته، وعنونها باسمك، لا أريدك أن تكونين التفاحة التي ستسقطنا إلى هوة العدم فحذاري حذاري.

** أتحسب بتحذيرك هذا أنك تبعدني عنك أنت تدرك أنك تستفز عنادي، كأنك تزيد من خطواتي نحو قلبك، كفاك كبرياء رجل مغرور فأنت عندما أدخلتني مرسمك كنت تدري أنك تدخلني بيت قلبك.

شعرتُ أن هناك من ينصت لكلامنا فألتفتُ خلفي.

كان الرجل الذي ظننته يتتبعني يجلس خلف طاولة تحاذيني ولم أتنبه إليه وهو يجلس دون أن أشعر به.

قلتُ لها أن الرجل الذي خلفي يتنصت على حديثنا فأفهمتني أنه ليس كذلك فهو للتو جلس، وناديت فرانشيسكا لأسألها متى جلس الرجل الذي خلفي، وأخبرتني أنه منذ لحظات فقط.

** هل مازال ذلك الحلم يراودك

* آخر مرة كان هذا المساء.

كنتُ قد أخبرتها أن حلماُ يراودني في نومي لم أستطع القبض على تفاصيله وما في رأسي سوى بعض الأطياف خلف الضباب، وأنني منذ وقت أشعر بأنني محط مراقبة من مجهول.

ذات مرة نصحتني بزيارة أحد الأطباء النفسيين، فلعل بعض الترسبات الماضوية هي السبب في ذلك.

أعلمتني أنها تفكر جدياً في زيارة الطبيب، لأن كابوساً يزعجها كلما جاء به النوم، وهي لا ترى مانعا في زيارة طبيب نفساني يقدم لها العلاج المناسب أو يشرح الحالة فلا تنزعج إذا ما زارها ثانيةً وعلىّ أن أجرب ذلك..

أهملتُ نصيحتها، وأخذتُ أطالع كتاب ابن سرين لتفسير الأحلام فلم أعثر على شيء يهمني لعدم تذكري الحلم أصلاً كما لم تفدني أراء سيموند فرويد للسبب نفسه لكنه أقنعتني بالأحداث العالقة منذ الصغر وتأثيراتها عند الكبر إذ له القدرة على القفز بشرط سيكولوجي يربطه بالذي جد من جديد على حياة الفرد.

أخدتُ تفحص ما مضى من عمري علني أجد ما يمكنه حضور الزمن الفائت في الحاضر.

لم أجد أي شيء، كما لم أجد أي مبرر لوجود شخص يتتبعني، أو حتى تصوره نفسي لي، وهنا انتبهتُ إلى أن ذلك هو سبب الأرق الذي يطرأ لي بين وقت وآخر، ويسرب النوم من نافذة غرفتي،حتى تدخل الشمس وأنتبه إلى تعبي فلا أجد مناصاً من النوم القسري الذي لا يدوم في العادة أكثر من ساعة واحدة.

لم أود أن أشغل طيبة بهمومي الخاصة، لكنها كانت تدرك ذلك ولم تفصح عنه.

سألتها

*هل لك رغبة في تغيير المكان، لنتعشى مثلاً ؟

** أقترح المشي على الشاطئ.

 وافقت، ودفعت، الحساب لفرنشيسكا وخرجنا..

وسط الزحام الجميل في اللحظة التي أردتُ أن أضع يدها في يدي كأنني أحتمي بها، وجدتها تمسك يدي وتنظر لي هامسة، وعلى ثغرها ابتسامة الجوكاندا.

** أليس هذا أفضل ؟.

أجبتها :.

* وأجمل…

كنتُ أريد أن أقفل باب شرفة اليأس في نفسي، وأشرع نافذتي على هذا الأفق الغربي الذي يرسم للمغيب لوحةً بهية خلف الأشجار التي تعانق الشاطئ، فيما السماء تعرض علينا لوحات متداخلة الأشكال بلون أزرق داكن ورمادي يتدرج إلى حد البياض ببقع من لون الشفق الأحمر، وأنت تنظر إليه لا تملك إلا أن تحط أحزانك كلها وتغوص مع الشمس في وسط البحر ليغمرك صفاء الماء، وتسلسل روحك بسلاسة، كنت تفتش عنها كى تصيخ السمع لصوت الحياة، وتبحثُ عن حضن يضمك ويحتويك بأجمعك.

يا الله يا أيها الأروع ما أبدعك سبحانك.

* تبدو لله قريباً.

** وأنت تبدين بلون الشفق أجمل.أيها الأروع

* أتغازلني ؟ أنت لم تفعل من قبل.

** بل فعلت عندما رسمتك وجعلتك في لوحتي ركناً منها.

أومأتُ لها بأن نجلس قليلاُ فثمة مقعد لم يشغره أحد، فوافقتني عليه واتجهنا إليه، والكلام يدور بيننا حتى رأيتها تنظر إلى ساعتها.

الوقت تأخر بها، وفي الحال ستنهض متجهة إلي ثراء شقتها، ستدلق عليها الماء وستدلك جسدها الطري بصابون معطر ثم تجففه بنعومة منشفها، وترش عطرها عليها، وقبل أن تخرج من دورة المياه ستنال الرضاء من مرآتها وتندس تحت الغطاء والدفء يغمرها وكذلك الأحلام المبهجة.

أوصلتها إلى محطة الحافلة متمنيا لها وقتاً طيباً وقبل أن تحط قدمها على درج الحافلة هتفت لي

** أنت رجل رائع وأنا أحبك.

ربما أنا هكذا ولو نكايةً في بلادي التي زهدت فيّ وقذفتني فوضاها، وعبث صبيانها إلى غربة المنفى هذه..

هنا لم أعد أخشى أي شيء حتى الموت لم يكن يوما وحشاً أفر منه فلقد التقينا وجهاً لوجه في البلاد المجاورة التي حاربتً فيها ولم أعلم أنني أحارب جنودها، أم أنني أحارب من يغزوها، ولم أجفل كأرنب يتربص به جوع ذئب.

أذكر مرة أن عساكر البلاد الذين يعملون تحت آمر فصيلنا، أحاكوا مكيدة لنا بأن نتجه غرباَ لوجود البئر الوحيد في هذه المنطقة بعد نفاذ الماء من جعبنا، وما، أن وصلنا إلى البئر بعد مسيرة يوم كامل، وأخذنا في الشرب وتعبئة الجعب حتى أخذ منا التعب كل مأخذٍ واستسلمنا للنوم العميق ولم يفق معظمنا إلا تحت حرابي بنادق عساكر المنطقة المحيطة بالبئر، ليمارسوا بث الذعر فينا ولينهبوا ما بين أيدينا من أكل وعتاد وماء لتكون الصحراء مقبرة لنا، انسحبوا بعدها كالثعابين على الرمال.

قلت للموت لنلتقي.

ووجدتني أتتبع أثارهم مع كوكبة من الجنود، ما رأيناهم حتى نصبنا لهم فخاً وقعوا فيه جميعاً.

لأننا كنا نسترجع حقنا كان الموت يفر من أمامنا يندس خلف التيه فلا نراه.

لابد أنه رجل يدرك جيداً شمم الرجال ويقدر مواجهتهم له، الرجال الذين يعلمون جيدا أنه لا ينتصر إلا في الموعد المحدد له، وإلى أن يحن فهو يبعد كثيراً عن طريقهم ويتحاشى اللقاء بهم.

أبي، وأنا صغيراً علمني درس الموت والحياة معاً.

في ديار الغربة اغتلت الجبن، ولم يعد يخيفني أي شيء وأي شيء أخشاه مجرد هاجس ما يلبث بعد قليل أن يذهب أدراج عدم المبالاة.

طيبة تعلم ذلك جيداً وتقدره لي، ولعل وجه روعتي الذي تراه من هذا الجانب، سأعده إطراءً منها لي ليس إلا.

لم أجد النية في الرجوع إلى شقتي بعد أن ودعت طيبة، فليس في خاطري ممارسة طقوسها وأشعر أن النوم بعيداً على عيني فعن لي الدخول إلى حانة أنتيكو التي تسهر بروادها حتى مطلع الشمس من مخدعها حيث تظهر هي ويختفون هم بين طيات النوم مرة، وبين ثنايا الأحلام مرة ثانية.

الحانة مجهزة على طراز قديم الجالس إلى إحدى طاولاتها يخيل إليه أنه في القرن الرابع عشر ومع بعض الشراب تجدك خارج هذا القرن وما يحمله من تعقيدات، وأثقال تأتي بجيوش الهموم من أوسع الأبواب، وتضفي السمفونيات، وبعض الموسيقى الشعبية لبعض بلدان أوروبا مسحةً على النفس تزيدها عمقاً في قاع الشعور بالحياة ما قبل النفط والحروب التي صنعها السياسيون من أجل الطبقة الرأسمالية التي تدفع قوائم حسابات انتخابات كراسي الحكم ؛ بحيث صعب الكلام عن السلام في ظل وجود الضحايا.

وأنا أدلف إلى المكان وقع اختياري على طاولة بين أربع طاولات ما زالت تنتظر جلاسها، جاءتني النادلة، وأنا أضع متعلقاتي، هاتفي النقال سلسلة مفاتيحي، الولاعة علبة السجائر وتعبي الذي يلازمني، تطرح على إشتهاءاتي طلبها، وبلطف طلبتُ منها أن تأتي بالذي تقترحه علىّ من أكل، وشراب معلناً لها ثقتي في ذوقها.

بدت لي جميلة يتناسق طولها مع حجمها، ولها شعر أشقر ينسدل على كتفيها، وفي وجهها راحة لا تمل النظر إليه.

كنت، وهي تبتسم لي موافقة على طلبي وتلتفتُ عني لإحضاره ألاحظ ظهرها نصف العاري الذي ينتهي بخصر رفيع ويبين عن مؤخرة شهية تستند على ساقين جميلتين، تفجر كل الحيوية لديك وتغتال البؤس على مذبح فتنتها.

 لم تغب طويلاً حتى عادت حاملة ما اقترحته لي راجيةً أن يعجبني.

كانت سمكة مشوية على صحن أبيض تحفها الخضروات مع بعض شطائر الخبز، وزجاجة نبيد أبيض بسعة لتر ونصف ولم تنس أن تتمنى لي شهية طيبة قبل أن تلبى نداء أحد الرواد.

بدأتُ الجلسة الخمرية مع معزوفة بتهوفن الثالثة التي قرر أن يهديها إلى نابليون، وما أن علم أن نابليون قد توج نفسه إمبراطورا حتى عاد إلى بيته ومزق لحنه، ثم عاد وغير الحركة الثانية فيها وكانت نشيد النصر، ووضع بدلاً منها نشيد الآسي بإهداء إلى رجل كان عظيماً.

تذكرتُ الثورات في العالم كيف تبدأ وإلى أي نهاية تصير، وكدتُ الوقوف لإلقاء محاضرة على الحضور بهذا الخصوص لولا أنني انتبهت إلى أن الخمر أخذت تعمل عملها في رأسي.

خامرني شعوراً بان نافذة قد فُتحت عيني كإشراقه متصوف رأيت منها طيف الحلم الذي يراودني.
كان رجلاً يجر فتاة على الأرض أو على طريق ترابي وعر كان يجرح جسدها، كأنني رأيتُ جزءً من فخذها تنزف دماً أسوداً.

حاولتً اللامعان في الصورة علني ألتقط الباقي، ففشلت.

قلتُ في نفسي

* لابد أنها الخمر التي تصور ما أتصوره.

لم أذكر مرة أنني فقدتُ قدرتي على التحكم في تصرفاتي،، لم أكن مثل بونواس وهو ينشد

أسقنا يا ساقي حتى ترانا *** أننا نرى الديك حمارا.

 أكتفي بكأس أو ثلاثة، إذ أتوقف عند شعوري بالنشوة وهي تداعبني، كما أنني لا أتي مجالس الشراب إلا بين وقت وآخر طويل، وعقب كل مرة أجدني أقرر عدم العودة للكأس، لعل ذلك يرجع إلى تربيتي الدينية التي تفرض حضورها علىّ، لكنها في مرة أخرى يغيبها الشيطان عني، وأجد فيها الملاذ، والاحتماء بظلها.

بدأت السهرة جميلة وانتهت أجمل.

سافرتُ عبر عزف منفرد كان يقوم به عازف على آلة الشيلو عازفاً في الأربعين من عمره لمحته بين وقت وآخر ينظر لي كأنه يرسل مقطوعته لي وأنا أنتقل مع موسيقاه من محطة إلى أخرى حتى أنتهي من عزفه , ليترك المكان لفرقة أخرى ما أن بدأت عزفها حتى بدأ الكثير من التوافد على الحلقة ليرقصوا بفرح على أنغام الفرقة، ولابد أنني كنتُ أحدهم أنفض روحي ما علق بها من شوائب حياتي كلها

كنت أدرك جيداً أن من الحياة لي يوم ولادتي ويوم موتي واليوم الثالث في كتاب الغيب، ولابد لي من العيش تاركا أثري خلفي بوسامة رائعة، ورائحة بعطر الورد

وقبل أن أصل النهاية أكون قد أكملتُ كتابي برواية طويلة لحياتي مليئة بضجيج جميل.
حانت في الحانة الساعة الرابعة صباحا، وصلتُ عندها أعلى سفح لجبل النشوة بعد أن أتيتُ على الزجاجة الثانية، والتهمت السمكة، خضرواتها، وشطائر الخبز.

رقصتُ أيضا كثيراً ووجدتني في صحبة امرأة في العقد الرابع ممتلئة حيوية ويشع جسدها بأنوثة باذخة، لابد أنني غازلتها في دائرة الرقص وأنني دعوتها إلى طاولتي ولابد وهي عادتي قد أفرغتُ في مسمعها حرير الكلام فلم تستطع معه مقاومة دعوتي لها، ولعلها كانت تبحثُ والخمر شعشعت في رأسها عن من يرفع معنوياتها المنحدرة إلى قاع تعاستها، وقد وجدتني أفتح لها قلبي عن طريق أذني.

سمعتها تقول :

** أنا موسيقية أهتم كثيراً بالإيقاع، وكل ما لا ينسجم مع إيقاع نفسي أرفضه، لقد جئتُ وحيدة من موسكو إلى هذه البلاد، أنشد الراحة الذي ذهبت مع زوجي بعد أن قتل في حرب أفغانستان.

من الصعب في هذا العصر تعويض ما تخسره.

* ما رأيك في أن نخرج من هذا المكان فيبدو عليه أنه لم يعد يسعنا ؟

 ** أنت باغتني باقتراحك، ولكن إلى أين ؟

نادية النادلة ودفعتُ لها الحساب وقد أمسكتُ بيد جليستي لأنهض بها وأنا أجيبها.

* إلى جحيم جميل يليق بنا، يا جميلتي..

عندما دخلنا شقتي كان النوم كأنه يتوعدنا، فما أن دخلنا الغرفة حتى ارتمينا على السرير وذهبنا سوياً في نوم عميق وجاءني الحلم.

2

كنتُ وعبد الله في الطريق

إلى ساحة اللعب عندما قابلنا عمى رجب يجر ابنته على الأرض، وهي تبكي والدم ينزف منها فأتيناه لنخلصها منه، وهو يقاومنا ويدفعنا، فما كان من رفيقي إلا الاستسلام له، وأخذ يجذبني نحوه لنتابع سيرنا، وهو ينصحني بعدم جدوى التدخل بين الفتاة، ووالدها فما كان مني إلا الركون لنصيحته مكتفياً برؤية سالمة وهي تنظر لي، ووالدها يضربها وهو يجرها على الأرض على مرأى ومسمع الجيران حتى ابتعدا عنا وتابعنا سيرنا إلى حيث ساحة اللعب.

عندما أفقت ولست أدري الوقت كنتُ قد قبضتُ على الحلم وأخذتُ أسترجعه على مهل وعندها تذكرتُ سالمة ابنة الجيران التي خفق لها قلب خالد رفيق الصبا، كما تذكرتُ الحادثة.

لم أستطع أن أمنع والدها وهو يجرها خلفه ويضربها رغم محاولتي التي تصدى لها عبد الله وهو يعنفني ويطلب مني عدم التدخل بين البنت ووالدها، وكل ما قدرتُ عليه هو إخبار خالد الذي أكفهر وجهه وركبه الغيض ولم أستطع معرفة ما سيصل إليه الأمر.

عند الليل وبعد أن عاد كل منا إلى منزله سمعنا العويل، والصراخ يخرج إلى فضاء ضاحيتنا غرب المدينة من كوخ رجب المجاور لنا.

لم تسلم سالمة من عنف والدها الوحشي فماتت.

عند اليوم الثاني قبرت في المقبرة كأي ميت.

شاركت في دفنها كأنني أريد التأكد من موتها أ رأيتهم يدخلون جسداً ملفوفاً في ثوب أبيض رأسه ناحية الجنوب متجهاً بنظره إلى ناحية الشرق، أهالوا التراب عليه وساوه بسطح الأرض.

تذكرتُ أن بعض الغمزات قد تبادلها والدها والذي كان يقبرها لم أدرك كنهها.! ولم أهتم بها

الشائعات ولدت من رحم صباح اليوم الثاني تتناول موت سالمة التي كانت تحب خالد

الذي ترك ضاحيتنا منذ ذلك المأتم ولم نره أبدا.

بعدها وعلى مدى شهور عدة كلما خلوتُ إلى نفسي أو ألتقي عبد الله أجدني أعنف نفسي على الخوف الي مارس لعبته معي ومنعني من تخليص سالمة من وحشية والدها، كنتُ جباناً بارد الإحساس، ولم تأخذني شهامة الرجال وعنفوان الشباب في منع والدها من جرها كجيفة ليردمها في إحدى الحفر.

عبد الله كان يخفف علىّ، ويصب في أذني جملاً تبدو عاقلة.

. لست وحدك يا صديقي من كان في الطريق.

.. لم تكن مسؤلاً عنها.

… كان موتها بشهادة كل الجيران.

…. خالد الذي يحبها لم يفعل أي شيء سوى الهروب.

جميعنا شاركنا في قتلها، وكأننا كنا نريدها أن تموت دون اقترافها أي ذنب، بل أننا وجدنا موتها على يد والدها فرصة لملء الفراغ بالكلام عنها، إذ تم قبرها دون ملف للتحقيق في مركز الشرطة.

متهمون بقتلها

أحسب الآن أننا كذلك، وكل منا يواجه العقوبة على إنفراد وبطرق أخرى.

قبل أن أخرج من البلاد حسبما صوره لي شريط الذكريات، وجدتُ عبد الله قد فقد بصره بسبب صعقة كهربائية، وأن الأنباء حملت لنا غرق خالد في عرض البحر‘وسط شكوك البعض عندما كان يحاول الهرب من البلاد، وأن سعيدا صاحب البقالة الذي لمحته وقتذاك يدخل دكانه كى لا يرى شيئاً مريعاً ليوقفه، أصيب بإعاقة دائمة ألزمته البيت بعد أن دهسته سيارة وهو يقطع الطريق، أما والدها وهو ليس الأخير هنا قد فَقدَ عقله بمس شيطاني، أخذ يجوب طرق المدينة، ولم تفلح معه تميمات الشيوخ.

قلت في نفسي :

ولعلي على قارعة طريق الغربة مشرداً، أقضي العقوبة نفسها.

كلنا تخلينا عنها وخوفنا وعدم مبالاتنا بحجج عديدة علق كل منا جبنه عليها لن ينقدها من وحشية والدها.

هكذا بدا لي الأمر.

هالني مرور الذكرى على خاطري وأردتُ أن أنصرف عنها بفعل آخر فقمتُ منتبهاً إلى التي بجانبي لستُ أدري الذي جاء بها إلى سريري، حتى أحست باستيقاظي فنهضت من نومها وعلامات الاستغراب على وجهها، تحملق حولها فزعة، وعندما لاحظت أنها بكامل ثيابها، حيث كانت الفاصلة بين جمل الجسد حاضرة، خامرها الشعور بالارتياح ووجدتني أحييها :

* صباح النور.

ولستُ أدري الوقت بالتحديد. ردت على تحيتي

** صباح النور.

بادرتها بالكلام.

* بينما أجهز وجبة الإفطار والقهوة لنا، يمكنك الذهاب إلى دورة المياه. المكان تحت تصرفك.

شكرتني وقامت في بتكاسل جميل بنظرة عابرة وأنا أتوجه إلى المطبخ بدت لي جميلة جداً تتفجر أنوثة وشباباً، وقد تأخر عنها فصل خريفها.

جلسنا إلى الطاولة نتناول إفطارنا، وتحولنا إلى الأريكة نحتسي قهوتنا ونشعل سجائرنا ونفتح باب الكلام لنا، نحاول استرجاع تفاصيل ليلة البارحة حتى اللحظة وكم ضحكنا فرحاً بالتجربة الغريبة التي خضناها بما فعلت الخمر بنا، مؤكدة لي لطفي معها ونبل أخلاقي التي هي عربية تستغرب لها بالنظر إلى ما سمعته من هذا وذاك.

** أنت رجل طيب ورقيق المشاعر كفنان، هل تكتب الشعر؟

داهمني سؤالها بعد مدحها , وأجبتها

 أكتب الشعر كي أكون وسيم الروح في عيون الحسان

وأدغدغ قلوب الصبايا بكلمات بين السطور

بلغة الطيور التي في سمائي محلقة

وتكون كلمة السر في ليلة الغرام

وعند الصبح تكون صورتي في الصحيفة حاضرة

أكتب الشعر لأخرج من مكاني إلى زمن أشتهيه

ومع الملك ألعب لعبة الوسوسة

وألعنه في اليوم بعدد حبات المسبحة

لتبعدني الحكومة إلى آخر حدود المملكة

فأغيب عن عيون الزبانية

وعن الكلاب الذين قبل الفجر يطرقون الأبواب

أقول الشعر بغاية رفع قامات النساء القصيرات

ومعنويات البلاد التي تحت الأقدام الحافية.

سألتني ثانيةً

**من أنت ؟

أجبتها بلا تردد أو تفكير.

* منفي في بلاد الغربة. حيث في العنين تسود أزهار اللوز.

رن جرس هاتفي وكانت طيبة على الطرف الثاني تخبرني بأنها الآن تصعد الطائرة متجهة إلى بلادها لأمر طارئ ستخبرني عنه حال وصولها ولم تعطن الفرصة للسؤال، وأقفلت الخط.

ضيفتي لاحظت حيرتي فأعدلت من جلستها فأخبرتها أن لا شيء مهماً في الأمر فسألتني ما إذا كنتُ أريد الخروج، ووجدتها فرصة كى لا نعطي للشيطان فسحة من الزمن ينصب فخه بعيني رفيقتي.

للأماكن وقع خاص في الأنفس، عندما نأتيها، إنما هي التي تستدرج خطواتنا نحوها وكأنها هي التي تمشي إلينا.

هكذا وجدتُ نفسي في مقهى أنتيكو، مع ضيفتي.

سألتها

* عفواً ما أسمك ؟

ابتسمت

** جوليا. جوليا كازاماكوف، وأنت ؟

* رمضان الأنصاري.

أجبتها، وفرنشيسكا تحمل طلب أحد الرواد.

* سنيور سند لماذا أنتم دائما انكلابات انكلابات ؟

استغربت لسؤالها، ولم أفهم سببه فأجبتها :

* ماذا تعنين ؟

**سأهمل الطلب لصاهبه وأجيك.

جاءتني وأعلمتني بأن انقلابا عسكرياً حسب الأخبار في التلفاز قد تم فجر هذا اليوم في بلاد طيبة معلنة أسفها عليها لأنها تعرف أنها إحدى بنات الأسرة الحاكمة، ورغم ذلك ألحت علىّ حضور حفلة عيد ميلادها هذه الليلة.

تذكرتُ ذلك الكابوس الذي يزعجها في منامها، وتفكيرها الجدي في زيارة الطبيب، وسفرها المفاجئ وعدم اتصالها الهاتفي حسبما وعدتني ‘عند أول وصولها.

لعل من طلب منها العودة كان يعلم عن ما سيحدث هذا الفجر.

وجدتني منشغل التفكير فيها.

طيبة لم تكن ركنا من لوحتي بل جزءاً مني، ولم أشعر بذلك بعمق إلا الآن حيث أشعر أنني خسرتها.

كأن عساكر الانقلاب كنتً من ضمن المستهدف لهم، كى يزيدوا على نار غربتي،

زيت فقداني لطيبة، أرادوا اقتلاع عمها من الحكم. واقتالعها من قلبي.

كنتُ في الحين أذرف دموع خيبتي وحزني العميق على الذي يلم بي، ولم أفق إلا ويد فرانشيسكا تمسح بأصابعها دمعي، وتربت على كتفي وتمد لي كوب الماء.

** سنيور سند أنا هزينة من أجلك، لكن يجب أن لا تبكي في عيد ميلادي.

أنت أرتست وأكوى من الهزن.

لم أرد أن أعكر مزاج فرانشيسكا، ولا أن أثقل على جوليا التي لم تفهم أي شيء يدور حولي، وبي كذلك، إذ قمتُ وتوجهتُ إلى دورة المياه أغسل وجهي، ,عندما عدتُ طلبتُ شراباً بارداً لينعشني.

 ** أتمنى أن أرسم الحالة التي داهمتك لنصف ساعة فقط.

بهذا قطعت جوليا صمتها.

لا تدري أن عدداً من لوحات الحزن تشكلني بتداخل كل ألوان التعاسة، والبؤس والحيرة , والخوف، والقلق والعذابات.

* أنتِ فنانة وإحساسك بالآخرين ليس غريب عليك.

أخذنا نتحدث عن السياسة، والفلسفة، والفن، واختلفنا على ابتسامة المونليزا حتى ملنا الكلام ومللنا الجلوس أيضاً، فكان أن قامت تسحب نفسها مني لشؤون رحلتها متمنية لي وقتاً طيبا شاكرة لي ضيافتي ونبلي، ومضت.

ذهبت جوليا شهية الجسد، كأنها تبحث عن كنز لها، وكأنني لم ألتقيها ذات سهرة خمرية، ترافقنا فيها بصحبة جميلة ستكون ذكرى مذهلة وتجربة مثيرة.

رشفتً آخر ما في الفنجان، وأشعلتً سيجارة، ودفعتً الحساب لأستعد لحفلة عيد ميلاد فرانشيسكا عند هذا المساء الذي بدأ يتزحزح من نهاره برفق.

ضمني شارع غربتي التي صارت صديقتي الغالية، تدفعني إلى البيت خطواتي، كي أطلع على الأخبار من التلفاز لأقف على آخر أنباء الانقلاب، حيث أكدت على تسلم العسكر سدة الحكم، وسارعت بعض الدول الغربية إلى الاعتراف بالحركة، وأن الشارع هناك يعمه الهدوء.

لم يكن جديداً علىّ هكذا انقلابات حيث تحمل في جعبتها خواءً تريد أن تعبيه سلطة ومالاً ونفوذاً، دون أن تحمل مشروعاً نهضوياً يرفع البلاد بيدي الحرية والديمقراطية، من القاع إلى قمة الرقي، والحضارة.

أقفلتُ التلفاز، ونمت حتى موعد حفلة فرانشيسكا.


3

وأنا أدخل باب العمارة

لمحتُ الذي حسبته يتتبع خطواتي، أو هكذا خيل إلىّ، وما أن وصلتُ باب شقة جوليا حتى حذفته من رأسي.

استقبلتني بحميميتها المعهودة، وقدمتني بتفاخر واضح إلى ضيوفها الذين لم يزيدوا على عدد أصابع اليدين، وهي فرحة بهديتي لها حيث حرصت على أن تريها للجميع، وسط إعجابهم الشديد بذوقي وجميل اختياري.

كانت السهرة مفرحة، وسط التواد بين الجميع، مع نغمات الموسيقى والأكل والشراب، والرقص كذلك حتى الساعات الأولى من اليوم الثاني ؛ حيث أخذ الضيوف في الانصراف بأمنيات طيبة لجوليا وكلمات وداع جميلة فيما يبنهم، ورأيت من اللائق استئذان مضيفتي.

** أتمنى أن يمتد فرهي بك سند، فلك أن تبكى معي، أو أوود ماءاك.

لم أكن لأرد لها طلباً أو أن لا أحقق لها أمنية أقدر عليها.

* كما تريدين الخيار لكِ.

ابتسمت بفرح طفولي وضمتني إليها وصرخت.

** تبكىَ، ونسهر هتى الصباه. نريد أن نمدد وكت البهجة.

بقيتُ حسب رغبتها فهي تعانى شيئاً من الوحدة، والقليل من الغربة، تكابد الحياة، وتحسب أن الدكتوراه هي الطريق إلى حياة أفضل ومستقبل جميل ليس فيه الكثير من منغصات العيش.

على الأريكة جلسنا متحاذيين، وقد وضعت على الطاولة الصغير زجاجة شراب فاخر، وبعض المكسرات وشرعنا الخوض في المسائل التي تبدو شائكة.

تكلمنا عنا، تعرينا، لم يدس أحدنا عن الآخر أي شيء، فكانت مساحة للبوح، ولتفريغ ما يثقل صدورنا، ويضبب الصورة، ويضعنا عند مفترقات الطرق، فتكون الحيرة ملازمة لنا.

قالت لي :

** أستأرب، وأنت من البلاد المتهلفة، والتي كانت تألم اللألم كله، الهياة هنا، بلادك مهتاجة لمتكف فنان متلك كى تساهم في التطور.

سامهني أنا قرأتُ عن بلادك وءأرفها كتيراً.

أنت تعرفين بلادي، من خلال وزير إعلامها، لا كما أراها أنا.

أنا أحب بلادي جداً ولا يمكن أن أراها بين أيدي الصبية والعابثين، دون أن تكون لي القدرة على الرفض ثم التغيير.

نحن في حاجة إلى ثورة.

**أنت سياسي سند؟.

* أنا وطني.

لاحظت اضطراب مزاجي بعد الحديث عن الوطن فنهضت وأدارت جهاز التسجيل حيث انبعثت في الأرجاء أغنية فيروز، وهي تدندن معها:

 تسأل علىّ كثير، وبتحبني

بعرف هالحكي

حافظة هالحكي

كل الحكي حلو

ومع أنه حلو

ليش بيظل إحساسي يقول لي لا ؟.

فيه شيء بدو يصير

 فيه شيء عم بيصير.

عندما انتهت الأغنية قلت لها :

* من ثقب إبرة الليل هناك ضوء ينفذ ومع الصبح يعم العالم بآسره، لابد أن هناك شيء ما يحدث أو أنه سيحدث بعد حين.

سألتني

** هل تأرف الذي يهدث الآن ؟

* لا.

فتحت ذراعيها وعانقتني وهي تردد.

** أهبك.. أهبك.. أهبك فكط.

ولم أجد من رد على إعلانها إلا أن أقول لها

* وأنا كذلك.

عندما كنتُ في السجن، صرتً أخاف النساء من بلاد الغرب،وتصورتُ أن كل واحدة جميلة تمثل فخاً لأي رجل يقترب من السياسة بمحاذاة جدار الوطن، وكأنني صممتُ على أن لا أعطي مفاتيحي لأي امرأة، لكن عندما صرتُ إلى هنا وجدتُ الجميلات كثيرات، ولا يمكن أن يكن كلهن فخاخاً للرجال، هكذا أقنعتُ نفسي لأمحو تصوري القديم، ومع ذلك بقى لديّ هامش ضيق جداً لتوجسي القديم.

سبع سنين داخل المعتقل من أجل لوحة رسمتها، لابد لها من أن تؤسس توجسا، أحاول الآن محوه بالوقوف على الحقيقة.

هكذا أخذت العلاقة بعد فقدان طيبة، وتصريح فرانشيسكا بحبها لي، تنسج ما بيننا خيوطا جديدة، ليس يسكنها أي شك، وعندما عرضت عليها أن تتحول إلى شقتي وتقيم معي، لم تمانع أبداً ومنذ اليوم الثاني وجدتها تشغر الغرفة الأخرى، دون أي تعقيد أو تهويمات، ووجدتني سلس العلاقة مقبلاً عليها راغباً فيها، أمد يد المساعدة التي أقدر عليها.

أنا الذي كنتُ أكره الغرب لأن حسب قول جدي كل ما يأتي من الغرب لا يفرح القلب الغرب الذي ركب البحر وجاء للشرق غازياً يهدم كل الذي في طريقه، الغرب الذي تغيب فيه الشمس وتتركنا في الظلمة.

وها أنا ذا الآن أعيشه وألوذ به بعد ما دفعوني إليه دفعاً تاركاً كل شيء خلفي.

قربي الكبير من فرانشيسكا ملأ جزءاً كبيراً من الفراغ الوجداني لدي، إذ بددت القسط الأكبر من وحدتي، خاصة بعد أن وقفتُ على كنه ذلك الكابوس الذي لازمني بما أعطاني فرصة أكبر في التفرغ للرسم والتفكير في حال الوطن فمنذ حصولي على اللجوء من هذه البلاد ودمجي في المجتمع لم أجد ما أفعله حياله إلا الآن حيثُ بدأت التفكير به، ولقد وجدتها فرصة وأنا أقيم معرضي الثاني الذي حاز على إعجاب الرواد والنقاد خاصة لوح عزف منفرد التي جسدتُ فيها تجربتي مع الوطن

وتمت الكتابة عنها في كبريات المطبوعات وقدمت المعرض العديد من الشاشات، بتقديم اللوحات التي بعتها جميعا باستثناء عزف منفرد ليكون ثمنها في صندوق لجنة الدفاع عن الوطن التي كونتها وتنادى إليها عدد كبير من الوطنيين في الخارج للتعريف بالانتهاكات غير الإنسانية التي يمارسها صبية النظام ضد الجماهير، وحصلنا على ترخيص قانوني، يسمح للجنتنا ممارسة عملها ضمن خطوط الحوار والنقاش الحر الملتزم، ضمن أهداف منظمة حقوق الإنسان العالمية.

وهكذا دخلت مرحلة أخرى من العمل النضالي، الذي يمكن المثقفين من تفعيل ثقافة الحوار، والعقل، وهو ما لاحظته فرانشيسكا ونبهتني له.

** أزيزي لولا أنك لم تذهل الأمل السياسي من جديد ما كنت لأكول لك أن تنتبه جيدا لنفسك.

شعرتُ أنها ستهتك ستراً لأن المرأة التي تحبك لا تغدر بك أبداً، أما إذا ما اكتشفت خيانتك لها، فلن تتوانى في فعل أي شيء ضدك.

تابعت قولها.

** هناك من يتتبع خطواتك، فأنتبه لنفسك أكثر.

عندما أردت منها توضيحا لذلك أفهمتني أن شكوكي كانت في محلها، وأرادت أن تبعدها عني طالما أنني لا أعمل أي شيء، وهم مكتفون بالمتابعة فقط وقد علمت بهم عن طريق أبن عم لها يعمل في إحدى الدوائر الأمنية وعلى علم بالذين يراقبون حركتي بعد أن عرف أن المقهى الذي تعمل به أنني أرتاده وعلى علاقة بي خاصة بعد أن علم سكنها معي كى تحتاط مني، وقد صرحت لي بأنها قد شرحت موقفي جيداً له ومدته ببعض المعلومات عني التي من شأنها أن يتعاطف معي، وحرصاُ عل رجل منحته البلاد حق اللجوء، وأفهمتني أن الأمن هنا يحرص على أمني ولا خوف على.

** ياهبيبي أنا فكط أردت أن تألم بما يدور هولك وأنت تأمل في السياسة لأنني أهبك وأخاف أليك أكتر من هوفي ألى نفسي.

قلت لها القول الصوفي :

* كل محبة لا يؤثر صاحبها إرادة محبوبه على إرادته لا يعول عليها.

بلدي هي التي أحب…

على استحياء اقتربت من قلبي،هذه الجميلة التي لم تأذن لنفسها فتح بابها علىّ إلا بعد أن عصفت الرياح بباب طيبة وذهبت إلى المستقبل المجهول الذي داهم بلادها.

آه يا قلب!؟.

4

هنا في المنفى

لم يعد اشتمام رائحة خبز أمي في التنور ممكناً.

لم تعد رائحة قهوتها تصلني، كما لم يعد في وسعي افتراش رمل الشاطئ عند المساء لأزرع النجمات أمنيات جميلة، أو مطاردة السرطانات بين التجاويف، وأنا ألاحق فيها أحلامي البسيطة.
أذكر أنني تناولت رغيفا ما زالت سخونته في راحة يدي كانت الوالدة للتو أخرجته من التنور، واحتسيت، فنجان قهوة المساء، واتجهت صوب الشاطئ كعادتي الصيفية، خلعتُ قميصي وقفزتُ في البحر أسبح كأنني أطارد المستحيل، خرجتُ بعد أن أنعشتني برودة الماء أشاكس سرطاناً يدخل حفرة ويخرج إلى أخرى، تركته لأجفف جسدي لأشرع في مطالعة ( ما لا يعول عليه ) لمحي الدين ابن عربي، ولم أشعر إلا والأيادي تلتف حولي وتقيدني، وتدفعني بهمجية المتوحشين إلى سيارة سوداء لأجدني بعدها وقد فقدتُ إحساسي بالوقت داخل زنزانة، بقيت في ظلمتها شهوراً خرجتُ منها إلى صالة كبيرة تعج بعديد المعتقلين المسومة وجوههم بعلامات التعذيب، وعلى وجهي أثر ضربة بحديد، وعلى ظهري جلدات السياط.

غربة السجن غربة من نوع خاص، وأهم ما فيها أنك تألفها سريعاً، وأنت تعيش مع غرباء مثلك في أضيق مساحة للوطن، ومع كل العذابات تزداد كل يوم عناداً على عناد، وإذا قدر لك الخروج منه بمرض، تحس أوجاعه بطعم آخر يمتعك تذوقه..

الله لم يخلق السجن، نحن من أوجده لأننا أغبياء بامتياز شديد.

عشر سنوات مرت دون أن يستوجبني أحد، حتى جاء ذلك اليوم الذي أتاني فيه أحد السجانين يطلب مني تغيير ملابسي فقد صدر العفو عني وإنهاء اعتقالي.

أذكر أنني ذرفت دمعتين لحظتها، لعل الأولى كانت حزناُ والثانية فرحاً، ووجدتني في الشارع الذي لم يتغير منه أي شيء، أوقف إحدى السيارات لتوصلني إلى بيتي.

وعندما دخلتُ بيتنا وتفاجأ بي أهلي لم أقدر إلا على أن أبكي كطفل فقد والديه في لحظة واحدة.

مات والدي قهراً لأنه لم يستطع أن يقدم لحريتي أي شيء.

التي واعدتني بالزواج، طال انتظارها، فتزوجت من أحد مواطني البلاد المجاورة كان يعمل مع خالها هاربة بكل الذكريات التي صنعناها معا.

 أمي رحمها الله وتلطف بها وألحقها بأبي بعد شهر من خروجي.

لم يبق لي شيء في بلاد حاربتُ من أجلها، وأودعتها أجمل غرف بيتي.

مثل خروف دفعوا بي إلى العربة في صندوقها الخلفي، بعد أن ألبسوني سلسلة تضم حروفها اسمي، ورقمي في الطابور الزاحف إلى ساحة القتال، وكم شكرتُ الله وحمدته لأنني لم أتزوج،حتى لا تصير زوجتي أرملة وأولادي يتامى إذا ما ترصدني الموت هناك.

الحرب تصنع الدمار والأرامل كذلك

الحمد لله ثانية لأنني لم أتزوج، وأنني حاربتُ ولم أقتل لتكون جثتي وليمة للغربان والكلاب والذئاب

أحد الرفاق بعد أن عدنا أخبرني أنه صباح أن ركب الطائرة إلى ساحة القتال ماتت زوجته أثناء الولادة مع وليدها من شدة خوفها عليه، ولم يعلم بذلك إلا بعد رجوعه بيد واحدة، ولعدم قدرته على تحمل الصدمة الثلاثية وجده الناس في الشوارع هائماً يتحدث بكلام مبهم مقلداً صوت الأطفال.

خضتُ معي غيري حرب الجوع والذل والحقارة والخوف.

هناك حاربت معها ضد الذي كان يريد أن يمرغ أنفها في التراب حرصاً عليها أخذتُ أدافع عن بقائي حياً كي لا تفقد مقاتلاً من أجل عينيها.

بعد عودتي وجدتُ الذين بقوا في الخلف، أقرب لخيرها مني.

ما علينا.

واجب وقد أديته.

بلادي يا سيدي التي فيها أجج نيران مجدها، وأشعل مصاالقديمة.نفسي عند كل مساء.

التي أجلس إلى مقعدها ليلاً أسرد لها حكايات الأطفال القديمة.

التي رجالها أصورهم في لوحتي صقوراً، ونساءاتها نجمات فاتنات، أجد السفهاء فيها، والصبية، والغلمان داخلها يغلقون بابها علىّ !

تمثلت قول شيخنا الجليل جلال الدين الرومي:

إن لم تكن لك قدم فأرحل إلى نفسك.

، لدي قدم، وفم وحقوق أيضا وبها خرجت بطلب اللجوء، الذي قبلته هذه البلاد، وقد أحرقتُ سفينتي التي عليه أتيت، ونزلتُ هذا الشاطئ ألملمني وأداوي جراحي القديمة.

صارت الشوارع في منفاي رفيقتي.

والمقاهي أنيستي وكذلك القليل من الحانات..

 والناس الذين لستُ أعرفهم، صاروا أصدقاء…

أوزع عليهم ابتسماتي، وصباحات النور، وألاطف قطط النساء في الأحضان !.

 كل يوم أتوغل في الغربة، وأراني أكبر، دون أن تخبو نار شوقي، أو ينطفئ قنديلي أو أصحو من سكري بنخب الوطن.

(الصحو عن سكر لا يعول عليه)

لابد لي من صحوٍ لا يغيبه السكر، وسأحتسي كاسات الوطن كلها، أنتشي به ولا أغيب عنه، وأنا في كامل الغياب، يحضر لدي الوطن.

يحضر معي والأيام ترفعني مرة، وتغوص بي مرة أخرى، كأنني قشة في مهب العاصفة التي لا أدري من أين تنطلق، وإلى أي جهة تسلك بي، وأنا أعاند هنا، وأنحني حتى تمر بسلام علىّ.

هي الأيام كفصولها الأربعة تفعل ما تشاء.،

دنيا بين أمل يرتجى وأمنية لا تصير، نكون نحن مكابدين من أجل أن نصل.

5

لم يصل من وصل.

أمي رحمها الله، قالت لي ذلك عندما خرجتُ من المعتقل، وحينها تصورتُ أنها كانت تخفف علىّ شدة خيبتي وعظيم نكبتي.

الآن أحسب أن الأمر كذلك.

أول يوم لي في هذه البلاد لم أكن أملك أي شيء، وبعد خمس سنوات صار لي بيتاً، وشهادة علمية عالية، وعملا في أكبر الجامعات الأوروبية، وعشرات اللوحات، التي رسمتها، وشهرة واسعة، وفرانشيسكا، وكلها مسافات قطعتها.

 لكنني لم أصل.

تماماً كأي لوحة أرسمها، بالرغم من أنها تحتل حيزاً مكانياً في ذاتها وفي أي ما كانت فيه، ورغم أنها تتحدد بطولها وعرضها، فإن التشكيل داخلها لا يقف عند حدودها لأنه يخرج منها في مخيلة الذي يشاهدها.

الذي داخلها ملوناً يتماهى مع خارجها، وعند النقطة التي تقف عندها، تخرج منها لتكمل نفسها في الانهائي.

لا أحد يصل، هذه هي الحقيقة.

على الرغم من ذلك فلن أتوقف، سأواصل المشي، وأسلك الدروب التي أراها أفضل، وسأمشي على الطرق التي تؤدي بي إلى ما أريد، لا ما يريده غيري.

سأحمل طيبة أجمل ذكرى في حياتي، وأحب فرانشيسكا، وأمارس عملي السياسي مع الخلص من أهل البلد، وسأرسم، وأرسم.

…..

………

كنت أحدث نفسي، أحتسي قهوة المساء في المقهى، وانتبهت للذي يتتبع خطواتي فعن لي أن أكلمه، وما أن خطوتُ خطوتين حتى عدت إلى طاولتي.

قلتُ لمرآة نفسي:

* ليداوم على عمله، وليهدر وقته في تتبعي ومراقبتي، فهو كمجنون نيتشه يحمل قنديلاً في رابعة النهار، حتماً لن يقدر على أي شيء ضدي، مجرد مخبر لا يعلم ما يدور حوله، كالحمار يحمل أسفاراً، ولن آبه به مطلقاً فهو مجرد تافه لا غير.

حذفته من رأسي، وقمت قاصداً مرسمي، فلابد وأن فرانشيسكا تستعد الآن لإقامة حفل حصولها عل درجة الدكتوراه في مقارنة الحضارات، وعلىّ أن أكون بجانبها واستقبال الضيوف معها، ولذلك لابد من الإسراع في جلب لوحتي الجديدة، لتقديمها هدية لها في ليلة فرح انتظرتها طويلاً وحلمت بها.

كان الفرح بهيجاً، وفيه أحسستُ أنني ضمن عائلة لي واجب أقوم به، والحميمية والتواد بين الضيوف أشعرتني بأنني أعيش حالة فرح غيري.

كل التشويهات التي لحقت بي أثناء اعتقالي، والظروف التي عشتها خارجه، والأبواب التي تم إغلاقها في وجهي، من أن أستأنف حياتي من جديد، ويتم تعويضي عن الخسائر التي لحقت بي، وتلك الجراح التي منها نزفتُ دمي يتم تضميدها بما أوصلني إلى ضرورة الأخذ بثأري، ولو بكره كل الذي يحيط بي.

 الأكثر من ذلك أن كل ما تسبب لي من ضيق في معيشتي، وفي روحي من قبل عصابة من اللإنتهازيين والحذاق، والغوغائيين، والجهلة، الذين يفلحون في طرد الحسن، ليحل مكانه الأسواء، ويجعلونني مجرد حطام عاطفي , ويدفعونني إلى خارج الوطن، ليمارسوا على غيري ذات الفعل الهمجي، وجدتني،قادراً على الابتعاد عن نقاط التقاطع مع الآخر، وأحاول أن ألتقي على ما هو مشترك بيننا دون تعصب، أوشوفانية وبلا كره أيضاً.

هذا الذي أسميه التناغم بالأوتار المتقاربة لأن البعيد عنها سيعزف نغمة شاذة تفسد اللحن وتنفر الأسماع منه.

بتلقائية أتعامل مع الآخر هنا، دون التفريط في قيمة تخصني أوعقيدة أعتنقها أو سمو لا أتنازل عنه.

مثلي ولوحاتي تعبر عني وتحتوي على ثقافتي، سأكون النموذج غير المفتعل.

لهذا سريعاً كان الانسجام بيننا أفهم لغة الخطاب الإنساني ويفهمون لغتي التي يعبر عنها سلوكي.

لذات الشأن وجدت، القبول المذهل في أعينهم وفي صوت تصفيقهم. وأنا أقدم لوحتي الهدية لفرانشيسكا التي وقفت خلفها كأنها تشهدهم عليها بأنها تحمل صورتها بفرشاتي متباهية بي.

لم تكن سوى صورة لوجهها رسمته من خيالي وعلى ما بدت عليه فرانشيسكا لنفسي طيلة أربع سنوات.

عندما أنهينا مراسم الحفل، وأخذ الضيوف في الانصراف وبقيت وحدي مع فرنشيسكا وهي منتشية بليلتها، جلسنا نحتسي بعضاً من شراب سألتها:

* لماذا أنا هنا ؟

 وأنا أذكر مدة تعرفي على فراشيسكا داهمني السؤال.

الأنبياء عندما يحسون في داخلهم أمر ما يعتزلون الناس.

وهنا يمكن أن أذكر النبي موسى عليه السلام حيث اعتزل أربعين ليلة، خرج بعدها ليجد اليهود وقد غيروا كل شيء من بعده.

لكن الرسول محمد صلعم بقى مع الناس بعد آخر اعتزال له في غار حرا.

في كلا المثالين، كان هناك إشراق غيرَ من السائد، وأصلح الفاسد.

الحكماء كلما ضاقت بهم الحكمة ازدادوا عن الخلق بعداً.

العاشقون حين يفيض بهم الشوق نراهم في البراري يهيمون على وجوههم.

المتصوفة ينعزلون عن الناس كلما أمكن لهم ذلك.

الكهان في صوامعهم كذلك.

المبدع الحقيقي وهو هنا الذي يكشف عن ليل السلطة التي تمارس لذتها في البقاء.

سألت نفسي.

هل ابن طفيل عبر عن انعزاله في حي بن يقضان بتمثله في الولد الرضيع الذي تربى مع الحيوانات في الغابة ليرى إمكانية وجود إنسان آخر، لتكون المحاكاة أول الطريق إلى المعرفة.

** ليس أليك أنت تجيب عن كل الأسئلة أزيزي.

* لا يا عزيزتي لابد من أن يكون لي هدفا أعمل له، فأنا هنا فقط لا أفعل أي شيء منذ خروجي من السجن أولا، ومن البلاد ثانياً.

لا يكفي أن أُدَرسَ في الجامعة، وأرسم اللوحات وأبيعها. وأحيا حياة البهائم.

لا يكفي.

* ألا يكفي أنك معي، وأنني أحبك.

دائما يكون الحب محوراً لقضية تساويه حجماً، وتلتقي معه.

الحب الذي ننشد قيمة الجمال فيه، واكتشاف الذات في الآخر.

أحب البلاد لكن الذي فيها طردني إلى هنا، ورغم البعد عنها تراني كل يوم أحبها أكثر. أحبها كحبي لطيبة في بلاد الجفاف، وكحبي لي جوليا لليلة واحدة، وكهذا الحب لفرانشيسكا، كأنني فقط أريد أن أنسى بحبهن بلادي التي أقفل الأوغاد بابها في وجهي.

أدركت انعزالي حتى، وأنا وسط الخلق لكنه عزلة قسرية فرضت علىّ، أمارس حياتي على اعتياد.

لكن هل من إشراق يفتح نافذته علىّ ؟.

مضى الليل البهيج بالغرام، وهاهي ذي بهرة الفجر من النافذة تتسلل، فكان أن نمنا، لا ندري بأي حلم حلمنا، والوقت الذي فيه صرنا، بكسل جميل قمنا على تحيات الصباح بالنور، بالعسل، وبالورد، كأنها الدنيا التي قذفتنا من رحمها إليها، وكأنها لم تفطمن إلا عليها في التو.

صرتُ لها كل شيء تحبه أن يكون لها، وصارت، لي الوطن.

قلتُ لها ونحن نحتسي قهوة المساء

* أسميك إشراق بدلاً من فرانشيسكا.

قالت وهي تهم بالنهوض

** ناديني بأي اسم يهلو لك.

وجدتها يا سيدي تجمع بعض أغراضها بينما رن جرس الهاتف حيث كانت طيبة على الطرف الثاني ترجوني أن أبعث لها بملفها الجامعي حيث سمحوا لعائلتها بترك البلاد لحصولها على اللجوء السياسي من إحدى الدول الأوروبية وليس في مقدورها المجزئ إلا بعد حصولها على جواز سفر البلاد الجديدة، وأعطتني العنوان، ووعدتها بأنني سأفعل في القريب العاجل وفي ختام مكالمتها المقتضبة تمنت لي وقتا طيباً مع فرانشيسكا، وأن أبلغها تحياتها.

حاولت بعد إنهاء المكالمة أن أفهم ما يدور في تلك البلاد، فما أفلحت، وقد قطعت علىّ فرانشيسكا حبل تفكيري وهي تستأذنني في الغياب لمدة أسبوع لزيارة عائلتها في مدينة أخري، وأنها ستهاتفني من هناك.

6

غادرت، وبقيتُ ألملم ذاكرتي

فوجدتها مبعثرة من الصعب لمها، فأرخيت لها خيوطها وإلى مقهى كنتُ بين وقتٍ وآخر أجلس إلى إحدى طاولاته توجهت إليه بخطى بطيئة.

خرجت من مبنى العمارة، واستدرت يساراً ألقي التحية على باولا بائعة الخبز لأنعرج يمنة حيث الشارع الرئيسي للحي الذي يوصل إلى مركز المدينة حيث تنتشر أكشاك بيع الورود خاصة، وما كدتُ أنثني يمينا حيث الزقاق الذي يؤدي إلى المقهى ملتفتاً للناحيتين لأقطع الطريق، وجدتني أترنح أولاً وأسقط أرضاً ثانية في اللحظة التي سمعتُ فيها صوت عيار ناري أصابني، ولم أشعر بعدها بشيء إلا وأنا أفيق في حجرة العناية.

بقدمي لامستُ تخوم الآخرة أو شيء مثل هذا، فبعد ثلاثة أشهر أفتح عيني وأتعرف على تجهيزات غرفة العناية، ووجه فرانشيسكا، والممرضة التي سارعت في تناول سماعة الهاتف منادية على الطبيب الذي حضر سريعاً يجس نبضي، ويفحص عيني ثم يكلمني، وأجدني أجيبه.
نجوت من الموت بعناية الرحمان الرحيم ومرة أخرى يبتعد عني وأخذ في الثما تل للشفاء سريعاً وبعد أسبوع واحد فقط من إفاقتي، أخرج من المستشفى كأنني لم أصب.

كانت رصاصة قد اخترقت الجمجمة واستقرت في الجانب الأيسر من المخ بما أضطر طبيب الإسعاف أن يجري العملية سريعاً بعد نقلي من المكان الذي أطلقت فيه الرصاصات الست علىّ وأصابتني واحدة منها.

علمت فيما بعد أن أحدهم رهن التحقيق معه في السجن، قد أطلق رصاصات مسدسه، وأنا أستعد لقطع الزقاق، كان يتربص بي منذ فترة حسب أول أقوال اعترافه، وفي الحال تم نقلي بسيارة إسعاف كانت مارة من نفس الشارع، وتم التعرف على شخصيتي من خلال أوراق محفظتي، في ذات الوقت الذي لم يستطع المجرم الفرار من المكان حيث تم القبض عليه.

لم أسمع، وهو ما أكده الطبيب أن رصاصة تستقر في الدماغ، دون أن تذهب بمن اخترقت رأسه، إلى ظلمة القبر إلا من شملته عناية الله سبحانه.

** معجزة أن تنجو أزيزي سند، أشكر ربي لنجاتك.

هكذا بلهفة أفرغت فرانشيسكا نغمتها في مسمع قلبي، وهي تمزج الدمع، بالابتسامة، تحنو علىّ بجسدها الممشوق وتصبغ على جبهتي براءة قّبلتها البكر.

بعدما خرجتُ من المصحة أخبرتني فرانشيسكا أنها هاتفتني لأكثر من مرة بعد وصولها مباشرة، ولم أرد على هاتفها فكررت المحاولة، حتى رد عليها صوت رجل، أفهمها أن صاحب الهاتف قد رماه أحدهم بعيارات نارية في الطريق العام، وتم نقله إلي المصحة، وهكذا علمت بالحادث فقطعت زيارتها للعائلة وحضرت.

منذ مجيئها وهى ملازمة لي، وعندما أفقتُ من الغيبوبة، وجدها بجاني مع الممرضة
حاضرة بكل خوف، وحب، وإلى أن خرجت من المصحة وهي مهتمة بي تقرأ لي صحف الصباح وما تناولته عني وترد على الهاتف، وتخفف من شدة النفي على نفسي، التي صارت جزءاً منها، هذه الدكتورة الرائعة بكل بهاء.

كان من السهل جداً أن أعرف أنه من القتلة المأجورين، أتاه الأمر بعد أن بدأتُ، في الصحف أقوم بشرح الوضع المأساوي في بلادي، وتلك الممارسات غير الإنسانية، ضد الجماهير، التي كبلت يقيد تدبير معيشتها اليومية، والأقلام التي كسرت في عيون أصحابها، والملاحقات للوطنيين في كل مكان، فتمت عمليات التصفية الجسدية بعد عمليات الاعتقال والنفي.

وهو ما دفعني إلى المزيد من الكتابات المحرضة على التمرد، والعصيان لتقريب يوم الخلاص وتفجير الثورة الشعبية ضد منظومة فاسدة تستمد قوتها من بعض الدول الغربية التي لها مآرب نفعية في البلاد، مع تأكدي من أنه بدأ يلفظ أنفاسه ويأتي بكل ما لديه من قوة التي أخذت تستنفذ منه.

وسائل الإعلام ضجت بخبر محاولة اعتقالي، وملأت صورتي الشاشات والمطبوعات

، ومن خلال المقابلات التي أُجريت معي أمكنني شرح الوضع الأسواء الذي وصلت إليه بلادي في ظل العصبة الحاكمة بكل جهل.

لم يدركوا أن حتى بموتي، سيثيرون الآخرين عليهم، فما بالك وقد نجوت بعناية الرحمان الرحيم، وأحس بكينونتي التي يدافع على وجودها غيري وأتحول إلى قضية تشغل بال الأوساط الرسمية والأهلية معاً.

7

أبدو كأنني الأكثر غنيمةً

والجميع يريد حقه مني، فأنا خلف الليل أتوهج، وأرسم بأشعتي كل الطرق التي إلى ألذ الولائم تؤدي، أو أنني قصر مشيد من الأمنيات الجميلة يشبع جوع الفقراء، ويمنح الدفء للأجساد في الليالي الباردة.

كل أخذ نصيبه مني

الحزن الساكن في البلاد.

الجزع لدى النساء.

القسوة في السجون.

الوحشية في غابة السلطان.

البكاء في عيون الأطفال.

وأشياء أخرى ليس من الواجب قولها، رافقتني في حياتي كأن قدراً قسمها لي ونسى مسح سطورها عند آخر العمر.

أراني وأنا أغمس صورتي في المرآة شبحاً لظل يشبه تضاريس جسدي موغل في الحزن القديم.

لعل ذلك بسبب أحلامي التي لم تتحقق، فطال بها الأمد فتعفنت وباتت فاسدة.

كان علىّ استبدالها بأخرى، أو إنعاشها حتى تكون صالحة

أظنني أنني جسد لم تثبته مسامير الحياة عليها مثلي.ت للرياح باللعب به دون تحقيق أي أهداف، أو بمعنى آخر، أنا خسارة فادحة لي، كل الأذى مخالب وحش ينهش روحي الحائمة فوقي، بين أن تسكنني وبين أن تخرج إلى هناك.

لا أحد يرغب في تحقيق الكارثة إلا مجنون عاقل مثلي.

فرانشيسكا وحدها من ابتلت بي، تغرف من الحب الذي لم يعتر عليه أحد.

وحدها من تدرك أن لوني الأبيض يخفي في ثناياه ألوان عدة، كلانا حول غرف البيت إلى غرفة واحدة، صعدنا وحدنا فوقنا، فأبصرنا الذي نحن عليه، وقفنا على عتبة دلالتنا، بعد أن رسمنا المعنى بضوء الصباح.

ناورت ولم يكشف مكاني أحد، وأفلحتُ في كشف ألاعيب البهلوان، وتدربتُ كثيراً على عدم الانزلاق في هوة العدم، فكانت جنتي على بعد خطوتين من جهنم.

فلتً لها :

* ما أتعس قوم يعبدون صنماً يعدهم بالعذاب، يفرش أمامهم سراب الغد، ويتركهم كل يوم على الطرقات يهرولون، ليفخر الذي قطع مسافة أكثر في وقت أقل، بأنه وضيع عظيم.

ردت على وهي تستعد للخروج بينما كنـت أشاهد في كسل، نشرة أخبار إحدى القنوات العربية

** ليس في الرأس سواك، ولا في القلب غيرك.

 ( ينعي المدير، والعاملون في هذه القناة بمزيد الآسي والأسف العظيم وفاة الشاعر تميم الذي وفاه الأجل المحتوم ليلة البارحة بعد أن أطلق عليه أحدهم النار من سيارة كانت تمر بجانبه في الشارع العام للمدينة )

شققتُ الفضاء بصرخة لابد وأنها خرجت إلى الشارع، فزعت لها فرانشيسكا، التي بهتت لأمري ولم أشعر إلا والدموع تساقط من عيني، وأنتحب.

لمن يكتب الشاعر قصائده، وعلى من يسرد القاص قصصه، ورواياته ؟؟

 اللوحات التي يرسمالفنان،، لمن؟؟.

لمن كل هذه الكتابات، وهذه الأفكار التي تضمها الكتب.

كل هذا الخريف،ذه الفنون لمن ؟؟؟؟؟
خريف على خريف، والحصيلة شجرة عارية.

لا أنين العذابات خرأصابعنا،الصدور، ولا الصرخات بالآهات نفذت من ثقوب السجون، ولا البطون الخاوية استطاعت اتنظار حجر القدر على النار.

النار ما أحرقت سوى أصابعنا، ولا الليل في سمائه بريق نجم.
لا شيء نفع.

لا شيء سينفع..

لا شجر أخضر ولا فراشات في البستان.

ليس إلا الأفاعي تزحف على الأرواح تبث سمها في المكان كأننا لم نصل، ولا دعاء لنا مستجاب.

………….

 …………..

 ……………..

كنتُ أهذي وأنا أتذكر شاعرنا التي تنعيه الفضائيات، عاش في الوطن غريباً، وفي الغربة مواطناً، يكتب القصيدة التالية لأن ما قبلها لم تحرك ساكناً، وهكذا أنجز عشرات الدواوين ومات مقتولا برصاصة في القلب.

قلتُ لفرانشيسكا :

* بلادكم تضمنا وتمنحنا الإقامات من أجل أن لا نزعج سلطاتنا، وتستريح منا مع أول رصاصة تنفذ كبدنا.

لم تقل شيئاً، فضلت السكوت.

أعرفها هذه التي أحبها القلب الذي لا يفرق بين هوية وأخرى، بين مكان وآخر، تفلح في الصمت عندما تجد كلامها كصب الزيت على النار.

زدتُ على ألمي ألماً آخر.

حام الحزن حولي لعدة شهور اعتزلت فيها الرسم والخروج، أقضي يومي بين نصائح فرانشيسكا، وسحب دخان سجائري، والصلوات، عاجزاً عن فعل أي شيء، إلى أن ملني المكان، والزمان، ووجدتُ راحتي في التجوال.

من السفر صار التراب ذهبا

قالها شيخي ابن عربي.

سأسافر إليها بقدمي، هذه التي تسكنني.

أخذتُ أمشي وأمشي على الطرقات لا أريد أن أصل إلى أي نقطة تكون نهاية مسيري هائماً في اجترار الماضي في رأسي، صوراً كانت ترتسم أمامي، تضحكني هذه، وتبكيني تلك.

دارت بي الدنيا ولابد أن أدور بها أو عليها.

 مشيت على كل شوارع البلاد التي سكنتها بكل مدنها وقراها.

خرجتُ منها إلي التي تجاورها، والتي من بعدها

جبتُ القارة كلها، ولم يصبن إعياء.

في طريقي صفق لي الكثير، وسخر مني الكثير، والتقطت لي الصور بكل الأوضاع، ولابد أن أخباري قد تناولتها الأخبار، ولاكتها الألسن في كل مكان.

ثلاثة سنوات يا سيدي مضت وأنا أمشي، وأمشي متنقلاً من مكان إلى آخر، ومن بلد إلى آخر

كأنني سلكتُ طريق الحج لأجد ضالتي، لأقع على الحكمة المفقودة أو لأنني كنتُ أفتش عن التيه لأغتاله لأن الحقيقة تقبع في موته هذا الذي يجعلنا ندور حول أنفسنا لنبدأ من النقطة الأولى منه

لعلى أردتُ وهذا ما لم أتبينه بعد أن أغتسل بماء الفجرلأخلصني من العوالق والشوائب والبقع السوداء

من طريق إلى آخر، ونهج وآخر وشارع وغيره من المسالك التي سلكتها، سافرتُ بروحي الصاخبة في صمت لأصل الحقيقة التي خلف السراب ترتدي قناعها، وكان علىّ نزعه وبوحشية نمر جائع.

يبدو أنني لم أنطلق من نقطة البداية، وكل ما كان لي أو مني مجر خضة لروح تواقة إلى بداية جديدة، لهذا كنتُ أدور حول نفسي أسابقنى بسرعة الريح الهمجية، كى أصل.

لا أحد وصل، ولن يصل أحد.

لم أصل يا سيدي إلا إلى سرير في إحدى المصحات مستيقظاً من غيبوبة لست أدري سببها، ومتى ألمت بي

فرانشيسكا هي التي اقترحت عودتي إلى البلاد بعد التغيير الذي طرأ عليها وغير من أشياء كثيرة حسبما أقنعتني به وهي تتابع الأخبار فأخذتُ به وقررتُ العودة. وما أن حطت بنا الطائرة على أرض المطار وكان الوقت ما بعد الفجر بقليل ودخلنا الصالة وجدنا من ينتظرنا ليستلم جوازاتنا طالباً منا المشي خلفه حتى دخلنا هذه الغرفة وبدأت حضرتك التحقيق معي.

8

وجدتني أعزف على آلة ذكرياتي القديمة

 وأني أستعيد الصور التي شكلتها في غربتي وشكلتني، حتى أتيتً على آخر حرف من نوتة الماضي منهياً عزفي لأنتبه لصوت شخير المحقق فدقـقـتُ بأصبعي الطـاولة دقـات أفاق لها.

فرك عينيه بيديه.

رشف ما تبقى من القهوة في الفنجان..

أشعل سيجارة…

أمسك القلم وهو يضع النظارة على عينيه….

أعاد السؤال الذي كنتُ أجيب عنه…..

* ما هو سبب عودتك ؟.

أجبته وأنا أبتسم لفرانشيسكا :

لأعـيـد عزفي المنفرد مــن جـديـد يـا سـيـدي..

مقالات ذات علاقة

“خذا سوك” 

رحاب شنيب

اخـتـيـارات

غالية الذرعاني

حج مبرور

المشرف العام

اترك تعليق