محمد عياد العرفي
جلس عوني في غرفة الانتظار يستعدُ لمقابلة المدير بشأن الحصول على وظيفةٍ ما إن وفْق.. يراقبُ ساعته التركية التي تتعطل بين الفينة والأخرى فيجدها قد توقفت .. كتوقفِ بعض قرارات اللجنة الشعبية وعدم التنفيذ إلى حين إشعاراً أخر! يستاءُ قليلا..لكنَ جو الغرفة رطِب بحلاوة تكييف البلازما.. تأتي إليه سكرتيرة شقراء في الأربعين من عمرها ترتدي تنوره بيضاء قصيرة ..وجاكيتَ معطرة باللون الثلجي تخاطبه باللغة الانجليزية المفتتة.. بلهجةٍ شيوعي أو آسيوي.. فيفهم بعض الكلمات أن المديرَ ينتظره في المكتب.. تنطلق أمامهُ نحو مكتب المدير ..كلاعبة تنس أرضي .. وهو يختلس النظر إلي قوامها البيضاوي.. يتعطش لنيل الوظيفة!! .. أشار إليه المدير بالجلوس .. ومسكَ الأوراق يحدقُ في سيرته الذاتية..ويدقق ويقلّب المستند تارةً.. ومسح شامل بحاجبه الغليظ تارةً أخرى.. أرتعبَ عوني من تلك التحديقات ..وبدأ يفتشُ في ماضيه .. ويوسوس في جوفه بعلامات ألاستفهام والتعجب..ماذا صنعت؟ هل أن مطلوب؟ سيرتي الذاتية ربما تحوي في داخلها جرثومة الخبيثة! وفي لحظة سكون .. وقفَ المدير كالجندي المذعور ..يفك ربطة عنقه الطريفة.. يستعمل ُ هاتفه الداخلي..في عجلةً من أمره.. وينادى سكرتيرته بكلمات سريعة.. من اللغة المكتسبة إلي لغتهم العمومية بكلمات صراخية بالغضب والسخط وعوني أطرش في الزفة!! وفجأةً يُظهر المترجم العربي .. انتماءه المادي وطباعه الغربية ينحني قليلا أمام الـ {BOSS} ويداه مشبكتان خلف ظهره…ليس نوعاً من الذل.. بل نمط جديد من ألاحترام.. يهزُ رأسه ويردد ثلاث ترديدات..{Yes Sir…Yes Sir…Yes Sir…} ويتوجه نحو عوني ويضع يداه على كتفيه… وعوني يرتجفُ من الخوف يحاول الهرب.. فيدنو من جانبه المترجم ويهمس في أُذن عوني قد أخطأت يا أستاذ عوني بهذا الفعل المشين… سيرتك الذاتية كان يجب أن تكونَ باللغة الانجليزية.. اللغة العربية ليست لغة وصل بينك وبين نيل الوظيفة وينهار عوني بالبكاء والعبرات المتقطعة …. ويتذكر حقيقة أفعالهم المشينة من ماضٍ قريب …عندما تمَ التخطيط لأكبر مؤامرة عدوانية.. كان ضحاياها أطفالا أبرياء …. أزهاراً لم تتفتحُ بعد من هؤلاء الناس ؟ كيف كانت سيرتهم الذاتية؟ عندما حقنوا أكثر من أربعمائة طفل بفيروس ألايدز …
كيف كانت سيرتهم الذاتية؟ عندما أبادوا جيلا كاملآ…
كيف كانت سيرتهم الذاتية؟ عندما تجَرّأ ألاتحاد الأوربي وأمريكا.. أن يطالبوا بكُل وقاحة العفو عن هؤلاء القتلة …..كيف كانت؟ كيف كانت؟
وتتساقط الدموع على الـ C.V فيمزقه ويرحل.