ترجمات

سقف

ترجمة: مأمون الزائدي

جزء من رواية سيرة ذاتية للاحمر – للشاعرة الكندية “آن كارسون”.

الشاعرة الكندية: آن كارسون
الشاعرة الكندية: آن كارسون

الرواية توظف واحدة من المآثر الاسطورية للبطل هرقل وهي قضاءه علىى الوحش الاحمر المجنح جيرون متعدد الايدي والارجل. ولكن الكاتبة مقتفية آثر الكاتب اليوناني “سيستيكورس” الذي ذكر القصة من زاوية الوحش، ولكن من قبيل كيل المديح لهرقل وتمجيده فقد وظفت في روايتها هذه شاباً صغير السن ولد بتشوه خلقي يتمثل في وجود جناحين في ظهره وهو يكتب سيرته الذاتية عن حياته الجوانية الداخلية، كمراهق يحاول الاجابة عن أسئلة فلسفية عميقة أخرى، كمعنى الوقت والسلطة وسؤال الجنس وغيرها.

كتبت الرواية فى شكل نص شعري وقوبلت باستحسان كبير بين القراء والنقاد فالكاتبة استاذة اللغة اليونانية بجامعات كندا، لديها الكثير من الاعمال الاخرى التى تتناول فيها الارث اليوناني بصورة حداثوية. وقد تلقت عدة جوائز على أعمالها.

 

 ___________________________________

سقف

 

صباح يوم سبت أبيض متسخ في ليما.

—-

كانت السماء متجهمة ومظلمة كما لوكانت ستمطر لكنها لم تمطر في ليما منذ عام 1940.

وعلى سطح المنزل وقف جريون ينظر إلى البحر. المداخن وحبال الغسيل أحاطت به من كل جانب.

كل شيء هادئ بشكل غريب.

على السطح المجاور ظهر رجل في ثوب كيمونو من الحرير الاسود في أعلى السلم.

وهو يمسك الكيمونو من حوله

مشى على السطح ووقف بلا حراك أمام خزان المياه الصديء الكبير. حدق بقوة في الخزان ثم رفع قطعة الطوب وانزل الغطاء وأطل على الداخل. ثم أعاد الطوبة. وعاد أسفل السلم.

تحول جريون لرؤية انكاش يصعد إلى السطح. نهارك سعيد. قال انكاش.

مرحبا قال جريون.

دون ان تلتقي عيونهم.

هل نمت جيدا؟ سأله انكاش. نعم شكرا لك. كان ثلاثتهم قد ناموا على السطح

في أكياس النوم التي اقترضوها

من الامريكي الذي يعيش بالطابق السفلي. وكانت والدة انكاش قد قسمت السقف إلى مساحة للمعيشة،

ومساحة للنوم.ومنطقة بستانية.

بجانب خزان المياه كان ينام الضيوف. يلي ذلك كانت “غرفة انكاش”، ومنطقة يحدها على جانب واحد حبل الغسيل،

حيث كان انكاش قد رتب بعناية قمصانه على الشماعات، وعلى الجانب الآخر

خزانة طويلة من الادراج مرصعة بعرق اللؤلؤ.

بجانب الخزانة كانت المكتبة.هناك كانت اريكتان وخزانة مليئة بالكتب. على طاولة للكتابة تراكمت أكوام من الورق أثقلت بعلب التبغ ومصباح معقوف للقراءة كان موصولا بكبل تمديد متصدع

يمر عبر الطاولة وفوق السقف ويمتد أسفل السلم إلى المطبخ.

صنع انكاش سقفا من سعف النخيل فوق المكتبة. كان يتحركون ويطقطقون في مهب الريح مثل ألسنة خشبية. بعد المكتبة كان هناك هيكل مقرفص مبني من البلاستيك الثقيل الواضح وبعض القطع التي تم تفكيكها من كشك للهاتف.

فيه زرعت أم انكاش محصولا من الماريجوانا وأعشاب الطبخ لجمع المال. وكانت تدعوه فيستينيتو ( “العيد الصغير “)

وتقول انه مكانها المفضل في هذا العالم. كانت هناك منحوتات جصية للقديس فرنسيس والقديسة روز من ليما موضوعة بصورة داعمة بين النباتات.

وكانت هي نفسها تنام بجوار العيد الصغير على سرير تتراكم فيها البطانيات المشرقة.

 ألم تشعر بالبرد ؟ استمر انكاش.

 أوه، كلا انا على ما يرام. قال جريون. في الواقع لم يشعر ابدا بالبرد الشديد في حياته كما شعر به الليلة الماضية

تحت النجوم الحمراء المملة لشتاء ليما.

اتى انكاش الى حافة السقف ووقف بجانب جريون يحدق نحو الشوارع والبحر.

حدق جريون ايضا. تعالت الأصوات نحوهم عبر الهواء الأبيض. كان هناك قرع بطيئ لمطرقة. وموسيقى غير واضحة مثل انطلاق أنابيب المياه وتوقفها. العديد من طبقات صوت حركة المرور. فرقعة حرق القمامة.

وعواء جاف لكلاب. دخلت الاصوات

جريون صغيرة في البداية ولكنها ملئت عقله تدريجيا. كانت الشوارع أسفله مع كل ذلك غير خاوية. فقد جثم رجلين بجانب جدار نصف مبني يسحبون الطوب من فرن حجري صغير بمجرفة.

وكان صبي يكنس عتبات الكنيسة

بمكنسة من سعف النخيل كبيرة بحجمه. ووقف رجل وامرأة يتناولان وجبة إفطار من حاويات بلاستيكية ويحدقان في اتجاهين متعاكسين صعودا وهبوطا في الشارع. كان لديهما ترمس وكوبين يبرزان على غطاء محرك سيارتهما.

كان خمسة من رجال الشرطة يتبخترون ببنادقهم القصيرة. وعلى الشاطئ كان فريق لكرة القدم يتمرن. أبعد منهم كان المحيط الهادئ القذر يتردد متكسرا. انها تختلف عن الأرجنتين. قال جريون

 كيف ذلك بنظرك؟

 لا أحد هنا في عجلة من امره. ابتسم انكاش ولم يقل شيئا. فأضاف جريون أنهم يتحركون بهدوء شديد.

وكان يراقب فريق كرة القدم

الذي كانت لحركته الوهن المناسب لحلم. تفجرت روائح الحرق عبر الهواء.

وأخذت الكلاب التي تجول تتشمم دون إلحاح القمامة وأزهار القطيفة التي اصطفت على السور البحري.

أنت على حق الأرجنتينون

 أسرع بكثير. كالذاهبين دوما إلى مكان ما.

كان جريون يرى العديد من البيروفيين الصغار يتجولون على طول السور البحري. وغالبا ما سيتوقفون للتحديق في لا شيء محدد على وجه الخصوص.

قال جريون يبدو أن الجميع في انتظار. في انتظار ماذا؟ قال انكاش.

نعم، قال جريون في انتظار ماذا.

حدثت ضجة صاخبة مفاجئة. فالسلك الكهربائي الذي يمر عبر السقف عندأقدامهم انفجر مصدرا شررا خفيفا.

 اللعنة. قال انكاش. تمنيت لو استبدلته بواحد جديد. ففي كل مرة أضع مقبس الغلاية داخل المطبخ يحصل تماس.

أطل هرقل برأسه على السلم. صائحا يارجال! وصعد الى السقف.

كانت قطعة كبيرة من البابايا في يده التي لوح بها الى جريون.

 عليك أن تجرب هذه الاشياء يا جريون! انها مثل أكل الشمس! وأغرق فمه في الفاكهة وهم يبتسم ابتسامة عريضة نحوهم.

سال العصير على وجهه وعلى صدره العاري.

شاهد جريون قطرة من الشمس تنزلق على حلمة هرقل وعلى بطنه وتتلاشى في الجزء العلوي من سرواله الجينز. نقل عينيه بعيدا.

هل رأيت الببغاوات؟

سأل هرقل.

الببغاوات؟ قال جريون. نعم لديها غرفة كاملة من الببغاوات في الجزء الأمامي من المنزل.

لابد أنها خمسين طائرا هناك.

 باللون الأرجواني والأخضر والبرتقالي والأزرق والأصفر انها مثل انفجار وهناك وغد كبير من بينها مطلي تماما بالذهب. تقول ان عليها التخلص منه. لماذا؟ سأل جريون. انه يقتل كل شيء أصغر منه. الاسبوع الماضي قتل القطة.

هذا مجرد ظن، قاطعه انكاش. لم يرى أحد أنه قتل القطة. قطة من؟ سأل جريون الذي ضاع إلى حد ما.

مارغريت قال انكاش. مارغريت زوجة الامريكي بالطابق السفلي

 تتذكر أنها التي قدمت لنا أكياس النوم

 الليلة الماضية؟ أوه قال جريون، المرأة ذات اليدين الباردتين. واسترجع بالكاد كلمات التعارف في المطبخ الضبابي عند الرابعة صباحا.

 السؤال هو من هو الآخر الذي قد يقتل القطة؟ الح هرقل. مقاتلوا العصابات ربما،

قال انكاش. في الشتاء الماضي قتلوا كل القطط في هواراس ذات عطلة نهاية أسبوع. لماذا؟ قال جريون. كمبادرة. قال انكاش.

مبادرة بماذا؟ قال جريون.

حسنا كان ذلك بعدأن بث التلفزيون حديث الرئيس من غرفة معيشته. حيث جلس على كرسي مع قطة في حضنه وشرح كيف أن الشرطة تضع الإرهابيين تماما تحت السيطرة. في اليوم التالي لم تعد هناك قطط.

 الشيء الجيد أن زوجته لم تكن في حضنه، قال هرقل وهويلعق ذقنه. أطلق السلك الكهربائي الشرر مرة أخرى.

وارتفعت عنه نفخة سوداء من الدخان. أتريدني أن إصلح ذلك؟ قال هرقل وهو يمسح يديه في سرواله الجينز.

حسنا، قال انكاش، والدتي ستقدر لك ذلك. الديك أي شريط لاصق؟ قال هرقل.

لا أعرف دعنا نذهب للبحث في المطبخ.

اختفيا أسفل السلم. أغمض جريون عينيه للحظة، وسحب معطفه الضيق من حوله.

تبدلت وجهةالريح، وصارت تهب الآن من البحر تحمل رائحة نقية. كان جريون باردا. وجائعا. وشعر بجسده

مثل علبة مقفلة. ليما فظيعة، فكّر، لماذا أنا هنا؟، فوقه

السماء انتظرت أيضا.

 

مقالات ذات علاقة

دروب حفلة عالية

مهند سليمان

شذرات من قصائد قديمة

زكري العزابي

استثمار الوقت في الكتابة  

سعيد العريبي

اترك تعليق