حاورته: حواء القمودي
في هذا الحوار القصير والسريع مع الكاتب والمبدع “منصور أبو شناف”.. حاولنا التقاط جواب عن غياب كتاب له، حتى هذه اللحظة من سنة -2004-، رغم تاريخه الطويل والحافل في الكتابة بأنواعها.. مسرحيا ومقالة ورواية.. ترى بماذا أجاب؟!.. ستقرءون ذلك بالتأكيد.
– ترى هل رأيت قدرك في سن مبكرة..؟
ربما من العجيب أنني كنت أعرف منذ البداية أنني لن أكون في هذه الحياة إلا كاتبا.. كان زملائي يحلمون بالطب والهندسة وقيادة الشاحنات، ولكنن كنت أحلم وأحاول أن أكون كاتباً..
– تقول إنك وبالصف الخامس قادتك بنت للقراءة.. تراك الآن تباركها؟
بالطبع إنها معلمتي الحقيقية الأولى، كانت تكبرني بعامين، وقدّمت لي (أنف وثلاث عيون) لـ”إحسان عبد القدوس”، وبعدها توالت كتبها، واشتعلت مخيلتي، وأدمنت الكتب.. أنا مدين لتلك البنت بحب المعرفة لقد فتحت لحياتي أبوابا ما كانت لولاها لتفتح.. لذا ستظل المرأة معلمي وشيخي، أطيعها وأقدسها، وإن رماها التخلف بالحجر.
– منذ أكثر من عقد قالت مصادر مجلة –لا- أنك قريبا ستنشر روايتك –فتوحات ليبية- وكتابا نقديا.. أين هما حتى هذه اللحظة من 2004.؟!.
النشر على الطريقة الليبية نوع من إعدام الأعمال الأدبية والثقافية، إن قماط النشر الليبي كفن العمل الأدبي.. لا أريد أن أدفن أعمالي منذ طفولتها.. سأتولى نشرها بنفسي قريباً –إن شاء الله-.
– بعد غياب تطلُّ في –معجزات- من خلال طيبة الذكر مجلة (لا) لماذا معجزات تحديدا..؟!
أنا أعتبر رجوعي للنشر وليس للكتابة، معجزة، بالنسبة لمعجزات، كنت أريد إن أقول أن ثمة معجزات أخرى غير التي يروج لها الإعلام.. معجزات المعرفة والفنون..
– وأيضا رواية ثانية؟
(عاشقان) هي الرواية الثانية، وهي رواية تقدم ليبيين في نهايات القرن الماضي، ربما هي الأقرب للتقنيات الحديثة فيما يخص الأزمان –أما (فتوحات) فهي محاولة للتناظر مع الفتوحات المكية لابن عربي، هي عمل بدأت كتابته عام 86- وأعتقد أنني انتهيت منها.. إنها مشروعي الأدبي الأساسي.
– في مسرحك ثمة دائرة مغلقة!!
إنها وتيرتي.. خصوصيتي، وأرى أنها سمة المجتمعات المتخلفة (الحلقة المفرغة). حيث لا زمان.. ولا أيام، بل يوم طويل دائري فارغ.. واحد منذ الفتنة الكبرى وكربلاء وحتى الفتنة الكبرى وكربلاء –من كربلاء الحسين إلى كربلاء الآن.. وإن تغيرت طرابيش وعمم المولات.
– من معجزات إلى مواقف ومفاتيح إلى عصير الشوارع.. وكلمات.. ماذا يريد منصور بوشناف..؟!
أريد أن أفهم.. وأن أتساءل: هل ما فهمته صحيح؟ .. لا أحد يجيب..
– تتبعت تفاصيل حياة الإنسان الليبي على رقعته الشاسعة ليبيا.. ماذا تريد بهذا الاشتغال على التاريخ؟
أيضا أريد أن أفهم، لماذا نحن كائنات تبدوا بلا تاريخ، لماذا عندما تقول (التاريخ في ليبيا) يتكلمون ويكتبون ويقولون –الشعر- حتى عن فترة الجهاد ضد الطليان.. ما الذي جعل تاريخنا صغيراً إلى هذا الحد؟.. في الوقت الذي يمتد فيه التاريخ الليبي لأربعة عشر ألف سنة كاملة، لكأن أولئك العظام الذين اكتشفوا للبشرية الأصباغ والرسم والتلوين، واخترعوا العجلة، ووصلوا للتحنيط، وبناء الأهرامات، ليسوا أجدادنا.. يا الله.. إني أبحث عن جدي (جراما) الذي لم أجد له إلا تمثالا صغيرا بحجم الكف، لكم كان الرجل وديعا في التمثال.. إنني أبحث عن روح ذلك الصبي المحنط الذي تشبه رقدته رقدتي منذ ما يقرب من الخمسة آلاف عام.. هل تصدقون لم أشعر بأنني في بلد أمي ولم يذكرني موقع من مدننا الزاخرة بالأفّاقين و.. بما تحكيه أمي إلا وأنا أقف أمام لوحات الأكاكوس.. بالتحديد أمام لوحات الخصوبة، حيث النساء ذوات الصدور الخصيبة والرجال يرتدون أقنعة ذئاب، أو كلاب وتتدلى من أقفيتهم ذيول.. هناك تذكرت حكايات أمي عن بلاد (بر الكليب).. أنا أقاوم النسيان الذي كان نهره يجري ببنغازي (الليثيوس) أو (الليثي) أو نهر النسيان.
– في غلاف مجلة (الـمؤتـمر) تمارس قراءة التجربة التشكيلية الليبية من خلال رصد رموزها وروادها.. يقال إنك تقرأ اللوحة من الخارج..؟
قراءة من الخارج.. هذا مصطلح ليبي خاص.. أتمنى أن يدلنا أصحابه على قراءة يرون أنها من الداخل، صدرت في أي مكان كي نتعلم منها، لقد ظللت ولا زلت أقرأ عن الرسم والرسامين والتشكيل عموماً.. وعن الفن منذ ما قبل التاريخ وحتى نهايات القرن العشرين، ولم أعثر على هذا التوصيف.. إلا في الندوات والمقالات الإنشائية الباهتة في الجرائد الليبية.. أنا لا أتتبع التشكيل فقط عندما أكتب عن التشكيل الليبيين أنا أقرأ تطور المجتمع الليبي عبر هذا الفن.. ببساطة أكتب دائما وفي كل المواضيع عن (سيوسيولوجيا الثقافة) في الرسم، أو المسرح، أو القصة.. أو.. أو.. أنا أسعى لفهم هذه النتاجات في سياقها الاجتماعي بعيدا عن أية شعوذة أخرى.. دون أن أكون ضحية لترجمات رديئة.. القراءة من الخارج.. هذا كلام يقوله كتاب الإنشاء الذين لا يتوقفون عن الكلام والثرثرة مكتوبة دون أن يقولوا شيئا.. ويقول الفنانون التشكيليون عندما لا يجدون مديحا لهم وسباً لغيرهم.
– يقال أيضا إنك تدّعي المعرفة باللوحة!!؟
افتعال المعرفة باللوحة ورغم أن هذا الكلام (شتيمة سيئة الصنع) فأنا لا أدّعي شيئاً.. إدعاءً ببساطة لأنني أمارس هذه المعرفة ممارسة، الإدعاء هو أن تقول دون أن تفعل.. ربما تكون هذه المعرفة مغلوطة.. ربما أكون مخطئا ف ك ما كتبت عن التشكيل، ولكنه لا يمكن أن يكون ادعاءً، لأنه منجز..
تعليق واحد
شكرا لك حواء على تقديم السيد منصور في عجال.
لكن ثمة حياية مكربلة بتاريخها نعيشها مند امد بعيد