من أعمال التشكيلي مصباح الكبير
شخصيات

عبد المُولى لَنقِي كِتَابُ ليبيا

Mosbah_Alkbier_01

(1)

حمل على كاهليه ما يُحب، وأحب أن يجعل الكتابَ حبهُ الأول والأخير حبيب الناس كافة، للكتاب ضرةٌ تزوجها عن حبٍ جارف: “ليبيا” اسطورته الاولى والأخيرة، ان أردت أن ترى المُقاتل فيه استفزهُ بالطعن في المعرفة وأظهر جهلك بـ “ليبيا”، فيما يخُصُ الكتاب منذ مقتبل العمر منح جدوى العُمر له، أينما ثمة كتاب هو، أينما ثمة ما يخص ليبيا من كتب يُكرس الوقت والجهد والمال، لم يعرف كصاحب دار نشر أو مكتبة أن يعنى هذا مشروعا تجاريا، كما رفيقه في النضال والكتاب الكاتب والناشر “على مصطفي المصراتي”، وكذا الحال فيما يخص البلاد.

يتكلم بحواس خمس وهو يوكد أن مدينته بنغازي حاملة وحدة ليبيا، وأن ليبيا بنغازي الكبيرة، منذ الخمسينات تجسد عشقه هذا في “دار ليبيا للنشر”، أول مرة دخلت بيته رفقة “ادريس المسماري” و”فرج العربي” – كُنا جزء من “لجنة ديوان الشعري الليبي” ما لم تنه مهمتها كما الكثير من مشاريع الثقافة الليبية -، قلت دخلت بيته فوجدت مقامه ومضيفته تعج بـ”خرائط ليبيا”، العديد منها جمعها في ترحاله، بعض الخرائط أصلية كان يُطاردها في مزادات الكتب والخرائط، وفي الأسواق القديمة وعند الباعة المتجولين حيثُ سافر وكان.

عبد المولى لنقي لا يختزله كلام، ديدنه فعل وعمل دؤوب وشغف بما فاعل، والنائي بالنفس عن كل شائبة تمس البلاد، جعل من مكتبته “قورينا” في شارع عمر المختار ببنغازي مكتبة الليبيين حيث يلتئم كل يوم جمع منهم، ولا يدخلها أحد إلا عاد غانما بكتاب وأكثر هدية خاصة إذا ما كان السائل عن كتب تخص معشوقته الأولى والأخيرة “ليبيا”.

(2)

في “سيرة بني غازي”: عن حجب المشهد أنحرف نحو مكتبة قورينا الغاصة بالكتب وما من مطرح لمزيد، وان كان ديدن صاحبها المزيد المزيد من الكتب ومن جديدها، أتخطى الممر وأقف مشدوها كأن عبد الرحمن بدوي يتكئ في مكانه المعتاد بالمكتبة، عبد الرحمن بدوي من خلت أنه طلق بنغازي منذ طاله سجنها السياسي في السبعينات الطائشة من القرن العشرين، الصديق عبد المولى لنقي عاشق الكتب وصاحب قورينا الذي يخرج من مكتبه مُوقِفا انشداهي اتفحصه ومن خلاله أتصفح المكان: في نظرته سؤال دائم وتختلط حمرة الوجه ببياض شعر الرأس ينهض قبالتك رافعاً حاجبيه في استفسار مقدم عن حاجتك، هو ولد لنقي عند أهل المدينة، هو شغف كتب عند نفسه وعند أهل الكتاب، منذ أول الخمسينات شب عن الطوق متخذا موقفا قريبا من “جمعية عمر المختار” الطوق السياسي للمعارض، ثم صار وزيرا لـ “العمل والشئون الاجتماعية، لكن الكتاب هو دارهُ وآلهُ فكانت “دار ليبيا للنشر” ما نشرت كتباً محتواها ليبيا كذا دار قورينا، هو في الربيع الخامس من العمر إذا كان الربيع عشرين عاما لكنه ينهض بمهمة من هو في ربيعه الأول: جالبا، حاملا، مرتبا، مجادلا، مقترحا، بائعا الكتب ولعل لهذا شدت بينه والمفكر المعروف عبدالرحمن بدوي صداقة ونشر له بعض من كتبه.

ومما يرويه تلاميذ بدوي أنه اعتاد أن لا يشترى الكتب كان يكمل الكتاب الذي بين يديه في اتكأةٍ على رف من أرفف قورينا: تذكر الكتب أن لليونانيين الليبيين مدن خمسة في شرق ليبيا منها “يوسبريدس” أو “هوسيبريدس” / بنغازي وقورينا / شحات: تدور حول نشأة مدينة قورينا أساطير عدة اثبتها هيرودوتس في المقالة الرابعة من تاريخه، واشار اليها الشاعر اليوناني العظيم فندارس في “الفوثاويات” الرابعة والخامسة والتاسعة، وعملا بنداء وحي ابولو في دلفى، الذي ناداه باسم ملك قورينا ثلاث مرات، ابحر بطوس بسفينتين ذواتي خمسين مجذافا متجها صوب ليبيا، ونزل في جزيرة صغيرة تدعى “فلاتيا” فأقام فيها عامين، حاول بعدهما العودة إلى ثيرا، لكن أهل ثيرا منعوه من النزول، فعاد إلى ليبيا ونزل في موضع قبالة “فلاتيا” يسمى “آزيريس” أو “ازيليس” فأقام فيه هو وصحبه سبع سنوات، وفي السنة السابعة اقتاده أهل الاقليم هو وصحبه صوب الغرب إلى ينبوع كان يسمى في أيام فندارس وهيرودوتس باسم ينبوع ابولو، وكان أهل ليبيا يسمونه كورا، ومن هنا قيل ان اسم كورينا جاء منه، وكان ذلك في سنة 631 قيل الميلاد.

كنت مشدودا لمحاضرة الفلسفة “القورينائية” أو مذهب اللذة تترد على لسان تلاميذ بدوي عن ظهر قلب: وفي مدينة قورينا الزاهرة الوافرة الثراء هذه، الحافلة بروائع الفن اليوناني في عصره الكلاسيكي، ولد “ارسطيفوس”، مُؤسس المدرسة القورينائية.

خلتُ نفسي واقفاً وقفة الاستجواب: يا حفيد “ارسطيفوس”، أيها الكبير فينا كيف مكثت هذه السنين الطويلة في هذه المدينة الصغيرة؟ يا كتاب ليبيا، يا عبد المولى لنقي يا ليبيا الكتاب في القرن الأول من عمرك، سلمت وسلمت البلاد التي أنت منها وهي من أمثالك.

مقالات ذات علاقة

شاعر الثنائيات عربية وعامية بين صمت المغني ومازلت حيا يا عمر

نيفين الهوني

شيخ عارف.. وسيرة منسية

المشرف العام

الذكرى الثانية لرحيل الفنان محمد الزواوي

المشرف العام

اترك تعليق