المقالة

قِشّة..

لوحة المحاصر، من أعمال التشكيلي الليبي ع\نان معيتيق
لوحة المحاصر، من أعمال التشكيلي الليبي عنان معيتيق

كنتُ قاب قوسين أو أدنى..

أو هكذا خُيّل لي عندما اختصرَ أستاذ الكيمياء في الشهادة الثانوية مشكلة الحصول على (الولد السمين)  في الحصول على الكُتلة الحرجة.

إذ رأيتُه أمراً بسيطاً، بل أعطانا الإحساس ونحنُ في ذلك العمر والفهم بقدرتنا بقليلٍ من الجهد والتركيز على تحديدها بدرجةٍ دقيقة، حتى في عدم وجود آلة حاسبة، أو (عقل آلي) مثلما اصطُلح على تسمية الكمبيوتر في ذلك الوقت..

شيئاً فشيئاً عرفتُ أن البسيط ليس بالضرورة سهلٌ، ووقف حمار الشيخ في عتبة الكتلة الحرجة، وإن لم يتركني المصطلح في حال سبيلي.

قفز الى الذاكرة مرةً أخرى…

جينات سوق عُكاظ وولعٌ بالحلول السحريّة، جعل من سماعي أوّل مرة مثل: القِشّة التي قصمت ظهر البعير، مناسبة تمثلت فيها القِشة كُتلة حرجة.!

هي لحظة انهيار وشيكة تحتاج فقط الى جرامات من وزن إضافي، لم نُساعد فيها البعير الاّ بكثيرٍ من الأنين، وبعضا من لحن المواساة الحزين:

كتّيت ما كتّ الجمل بحمله

بنفرغك يا قلب زايد تملأ

استبدلت حُلم الطالب الثانوي واكتفيت بمطاردة (قَشّات) ربّما جلبتها صُدفةً ريحٌ عاصفة، لتُقصم بها ظهرٌ يئن تحت وطأة الأثقال.

قِشّة وحيدة مراوغة، متلونة، مُخادعة، أرهقتني مطاردتها، تطيرُ في طبقات الجو العليا، ليتنفّس الجميع الصُعداء، ثم تظهر فجاءة فوق الرؤوس، ليُصاب الجميع بالذُعر، وبين هذا وذاك تختفي وكأنّ شيئاً لم يكُن..

وحده الطبيب (هيمان مينسكي) أسعفني فشخّصها وحدد زمن هبوطها على ظهر البعير، وكتب وصفة طبية تقول:

هي اللحظة الزمنية التي تسبق الانهيار الاقتصادي المفاجئ الكبير والمدوّي لقيم الأصول والأسواق والائتمان بسبب الانخراط في نشاط مضاربة عدواني…

أسماها التاريخ (لحظة مينسكي)..

واصلتُ الأنين لعل ذلك يُساعد البعير لحظة حدوثها..


الولد السمين: اسم حركي للقنبلة التي اسقطت على هيروشيما

هيمان مينسكي: عالم اقتصاد.

مقالات ذات علاقة

رمضــان.. بــلا صائميــن..!

المشرف العام

الخطاب الاعلامي الليبي والراي العام

مفيدة محمد جبران

محطاتٌ ثلاثيةٌ مع الدكتور الراحل/ محمد مسعود جبران (رحمه الله)

يونس شعبان الفنادي

اترك تعليق