قراءات

خواطر حول قصّة “الطريق”

14 قصة من مدينتي.. للقاص كامل المقهور
14 قصة من مدينتي.. للقاص كامل المقهور

لما يقارب الشهر وأنا أتأمّل نصّ “الطريق” لأستاذنا الكبير الكاتب كامل حسن المقهور رحمه الله.. وهي القصّة التي تخيّرها لافتتاح مجموعته القصصية الأولى (14 قصّة من مدينتي) .

وبافتراض أن هذه القصة القصيرة قد كتبت في السنوات الأخيرة من الخمسينيات كون الأستاذ الكاتب قد نشر خلال هذه الفترة وما قبلها عددا من قصصه على صفحات الصحف المحلية والعربية .. فإن “الطريق” تبلغ من العمر ما يزيد كثيرا عن النصف قرن من الزمان .

وبعد كلّ هذه السنوات .. أن تتصفّح أوراق القصة لتجد كلماتها رطبة .. نديّة لم يجفّ حبرها بعد هو أمر غاية في الغرابة والدهشة والإبهار .. تلك الجمل القصيرة المعبرة والحوارات المقتضبة الدقيقة .. وذلك الإحساس المرهف بالنفسيّات والأجواء والأحوال .. وتلك اللغة التي تتراقص سهلة ميسرة بين الفصحى والعامية .. وذلك الموضوع الذي يحاكي زمانه ومكانه بصدق وموضوعية وصراحة لا تحدّها موانع ولا عقبات .

نقلات رشيقة في المشاهد والزمن والأحاسيس .. ورصد ووصف لمواقع الحدث ينبيء عن المعايشة الفعلية وتمام المعرفة .. كلمات حيّة ونشطة ومثيرة وشابة لم يقو الزمن على حفر تجاعيده في حروفها .

وبإطلاعي على باقي قصص المجموعة كان واضحا بالنسبة إلي أن هذه الصفات لم تك فقط من حظّ قصّة “الطريق” وإنما هو أسلوب وإحساس وتقنيات كاتب مثقف مبدع يحسب لخطواته ألف حساب وحساب ويتعامل مع نصوصه بعاطفة وذكاء في آن .

لقد تشرّفت بدراسة هذا النص (الذي لا يزيد عن الألف كلمة !) واستمتعت بالغوص في تفاصيله وتتبع مساراته .. لا كإرث أدبي من زمن قديم .. وإنما كعمل إبداعي حديث ومتطوّر ومعبّر حتى هذه اللحظة من حياتنا .

إني لأعجب .. على سبيل المثل .. أن يجهد السينمائيون المحليون أنفسهم في البحث عن أفكار ونصوص لأعمال سينمائية قصيرة .. صادقة وفعّالة .. في الوقت الذي يبدو فيه “الطريق” واضحا للعيان للمتذوّق الفنّان .

بل أنني سأبوح بسرّ صغير .. وهو أنني قد لعبت حقاً دور “المخرج” في تحليلي المتواضع للقصّة .. وكنت أشاهد .. بشوق المخرجين .. مواقع التصوير .. وأنماط اللقطات والإضاءة والآداء .. وأتخيّل الموسيقى التصويرية بل وحتى تفاصيل الثياب وألوانها لشخصيات العمل .

القاص كامل المقهور.
القاص كامل المقهور.

وفي الختام تجدر الإشارة إلى أن كلّ هذا السبق والإبداع في عالم القصّة القصيرة .. الفنّ الرضيع والجديد والمحدث في صنوف الكتابة والإبداع .. وهذه الحياة الحافلة بالعمل السياسي والقانوني المتميّز .. لم تمنع سيدي كامل رحمه الله وغفر له من الاهتمام الصادق بالشباب .. وتشجيعهم على خوض المجالات الإبداعية .. ولا أجد مثالا أصدق على ذلك من كلمته الكريمة المفعمة بالتشجيع التي خطّها لي عند إهدائي إحدى مجموعاته القصصية .

وللتدليل على إهتمام الأستاذ الكاتب بالشباب أختم هذا التعقيب بالمقطع الوحيد الذي لامس فيه الأمل “الطريق” .. وكان هذا الأمل مقرونا بالصغار .. الشباب .. المستقبل .

” .. وامتدّ الطريق .. والعيون تزرع نفسها على جانبيه .. وألف خاطر .. من كل راكب خاطر ومن كل عين نظرة جديدة .. وصوت التصاق العجلات بالأرض .. وأمل .. أمل بعيد معلّق على خطّ التقاء السماء بالأرض ..

ــ مش فاضل هلبا .. (شن سماك) ..

ومضغ الصغير شيئا في فمه وقال :

ــ محمود .. بوي يخدم في بنغازي ..

ومع الانحناءة .. كان محمود يقترب منه.. وكان السائق يقول له :

ــ قعمز بحداي .. يا ولدي .. تعالى ونّسني ..

والطريق يمتدّ .. والشخير يزداد .. والنوم يسيطر على السيّارة .. وإنسانان جالسان .. في أول العربة .. يتابعان الطريق .. “

مقالات ذات علاقة

الكنز الليبي حين يضيع في الصمت

شكري الميدي أجي

ضباط عسكريون من جنزور في الجيش العثماني

المشرف العام

بين الصَّادقِ النَّيهوم وأشواقِ الآلِهَة

المشرف العام

اترك تعليق