سيرة

الشاعر محمد فرحات الشلطامي

سيرة الشاعر محمد الشلطامي
سيرة الشاعر محمد الشلطامي

هو اسم من الأسماء الشعرية اللامعة في المشهد الشعري الحديث، وأحد الذين شكلوا ظاهرة الشعر الحر الذي ارتبط بحركة الحداثة في الوطن العربي، وله إسهامات كبيرة في تطور بنيتها الفنية في ليبيا والوطن العربي.

ولد الشاعر محمد الشلطامي في الثالث عشر من أكتوبر عام 1944م في مدينة بنغازي، وتعلم بمدارسها، وأنهى دراسته الثانوية بالمدارس الليلية، ثم عمل مدرساً بمرحلة التعليم الأساسي لفترة قصيرة، ثم عمل فترة في مكتبة بنغازي المركزية، وبسبب ميوله للأدب فقد انتقل للعمل في دار الكتب الوطنية، فتزود من أمهات الكتب، حيث كان قارئا نهما، وبرزت موهبته الشعرية في سن مبكرة، وأتاحت له الظروف الفرصة لقراءة الكثير من أعمال الشعر الجاهلي والإسلامي والأموي والعباسي وشعراء المهجر والشام ومصر وغيرها.

وكانت قصائده ثائرة ذات عمق عميق الغور ونابعة من الواقع، أبدع في كتابة القصيدة المتمردة التي كان لها دور في تحفيز الأعماق وتحفيز المرء على التحليق في فضاءات الشعرية الرحبة، وتعرض للسجن مبكرا في العهد الملكي بسبب انتمائه لحركة القوميين العرب سنة 1967، وقد سجن في تلك الفترة العديد من المثقفين الليبيين ومن ضمنهم الشاعر عبد الحميد بطاو والأستاذ عمر دبوب ثم سجن مرة ثانية في عهد النظام السابق سنة 1973م ثم سجن مرة ثالثة سنة 1976م

ونشر الشلطامي نتاجه الشعري بالصحف والمجلات الليبية مثل صحيفة الحقيقة ومجلة جيل ورسالة ومجلة قورينا، وغيرها، وصدر له عدة دواوين منها: تجربة شخصية والحزن العميق وتذاكر للجحيم ومنشورات ضد السلطة وقصائد الفرح. ولقب الشاعر محمد الشلطامي بشاعر الحزن العميق.

وضعه الأديب الصادق النيهوم رابع أفضل الشعراء العرب، من بعد نزار قباني، وعبد الوهاب البياتي، ومحمود درويش. وقال عنه الشاعر عبد الوهاب البياتي: إنه شاعر عظيم. وكانت تربطه صداقة قوية مع الشاعر الفلسطيني محمود درويش الذي قدم إلى ليبيا في الستينات وقام بزيارة الشاعر محمد الشلطامي والأستاذ عمر دبوب في بيوتهم.

وتوالت إصدارات دواوينه العشرة منذ سنة 1970 إلى 2002 وطبعت عدة مرات ثم جمعت أعماله كلها وطبعت في ديوان واحد تحت عنوان: (محمد الشلطامي.. المجموعة الشعرية).

وكان رحمه الله متسامحا مع الذين سجنوه وعذبوه فهو بمجرد أن يذكر اسم أحد منهم ويكون متوفيا حتى يدعو له بالرحمة والمغفرة، ومن ضمن المواقف التي مرت به أن ألتقى في السجن أثناء التحقيق معه بتلميذ كان يدرس معه في الابتدائي وكان يجالسه في نفس المقعد، فذكر زميله ذلك ثم قال إن ذلك المقعد جمع خير الناس ويقصد نفسه وجمع شر الناس ويقصد بذلك شاعرنا الرائع.

وأما عن خروجه من السجن فلذلك قصة طويلة، فقد تصادف أن كان الشاعر مظفر النواب موجودا في ليبيا فقام العقيد سالم بوشريدة وكان محبا للشعر قام بإخبار الشاعر مظفر النواب عن الوضع الذي آل إليه حال الشاعر محمد الشلطامي، وطلب منه أن يفاتح القذافي في موضوعه من أجل إطلاق سراحه فهو أيقونة مهمة من أيقونات الشعر في الوطن العربي، ولم يأل النواب جهدا من أجل إطلاق سراحه، وبالفعل فاتح القذافي في الأمر، فرفض إطلاق سراحه بحجة أن قضيته سياسية ولا علاقة لها بالشعر، وأصر مظفر النواب على طلبه ولم ييأس، وبعد إلحاح شديد وتصريحه أنه لن يبقى في بلد تعتقل شاعرا كبيرا مثل محمد الشلطامي وأنه قرر أن يغادر ليبيا. فأخبروه بأنهم قد أطلقوا سراحه فصدقهم وتوقف عن المطالبة، فقام العقيد سالم بوشريدة بإخبار الشاعر مظفر النواب بأنهم لم يفعلوا، فقام الشاعر مظفر النواب بالسفر إلى بنغازي والذهاب إلى بيت الشاعر الشلطامي للتأكد، فعلم أنه لم يزل في السجن، فعاد إلى طرابلس وفاتح القذافي من جديد فأطلق سراحه بعد سجنه لأكثر من عقد، ورجع إلى بيته سالما بعد سنوات من العذاب والشقاء، ثم قام القذافي بدعوته إلى باب العزيزية وصارحه الشلطامي بأنهم قد صادروا أحد دواوينه الشعرية وأنه يريد نسخه، فأمرهم القذافي بإحضار تلك النسخ وأعادها إليه بعد حجز دام 15 سنة.

وفاة الشلطامي

وانتقل الشلطامي إلى الرفيق الأعلى يوم الأربعاء 24/3/2010م في مدينة بنغازي حيث تعرضت عضلة قلبه للوهن بسبب المآسي التي تعرض لها، وبقيت أصداء قصائده تطرق أبواب الحرية داعية إلى فتحها بعد إيصاد دام لعدة عقود.

وكان الشلطامي قد توقف عن المشاركة في النشاطات الثقافية، ولم يشارك سوى مرة واحدة بعد 40 سنة، وهي أثناء أربعينية المرحوم القاص خليفة الفاخري حيث أنشد فيها بصوته الأشج قائلا:

إن يكن يعتم في القبو،
الظلام
وتموج الريح في الأفق،
وينهار المدى
تحت أقدامك في الليل وتبدو
شرفات الليل كالقار،
ويشتد على قلبك وقع العاصفة
وانطفت أضواء هذا الكون في العين،
وذابت
في هباء الأرصفة
وبدا الكون كأن لم يعرفك
وغدت تنكرك الأعين،
من رهبتها
وسرى اسمك كالتهمة في
كل مكان
وبدا حارسك الأبله موتوراً غبياً
فابتسم للأعين البله، فقد صرت نبياً .
**
إن بدا في الليل ظل الحارس الأبله
كالطود، وعضت
لحم زنديك القيود
وحصى الحارس أنفاسك في السجن
وروًى
دمك الدافئ أقدام الجنود
وتعرّت
بين أضلاعك آلام الجراح
فابتسم للجرح وامض
ضاحك العينين والروح، فهذا
من تباشير الصباح .
**
إن بدا حملك تنهد الجبال
من رؤى وطأته الكبرى، وفاضت
في سكون الليل عيناك،
بأشياء الحَزن
ثم لم يسمعك الكون الذي نام
ولم يسند رأسك،
وانطفا البارق في العتمة مرتاعا ورنّت
في المدى الموحش آهات الشجن
فأبتسم للحزن في الليل،
فقد صرت وطن .

مقالات ذات علاقة

للتاريخ فقط (12)

عبدالحميد بطاو

الحياة من خلال عدسة التصوير

رامز رمضان النويصري

أحمد الشريف: رجل الفكر والمقاومة..

سالم الكبتي

اترك تعليق