الطيوب | متابعة وتصوير : مهنَّد سليمان
احتضن المركز الثقافي في قاعة المحاضرات بالقبة الفلكية طرابلس مساء يوم الثلاثاء 23 إبريل الجاري، محاضرة للباحث الليبي “محيي الدين الكريكشي” حملت عنوان (26 إبريل ذكرى الوحدة الليبية)، وذلك ضمن الموسم الثقافي للجمعية الليبية للآداب والفنون حيث أدار وقدم المحاضرة الكاتب “مفتاح قناو” وسط حضور نخبة من الكتاب والأدباء والمهتمين .
توطئة تاريخية
فيما عرّج الباحث الكريكشي في مقدمته الاستهلالية على مسألة تسمية طرابلس الغرب مؤكدا بأن اسم طرابلس كان يطلق قديما على جميع ربوع ليبيا بينما كانت كل من بنغازي ودرنة متصرفيات صغيرة، واسم ليبيا جاء به الإيطاليون وأطلقوه رسميا يوم 3 ديسمبر عام 1934م، مشيرا إلى ليبيا أخذت ملامح شكل الدولة منذ عهد حكم الأسرة القرمانلية(1795-1835)، والإيطاليين قسّموا البلاد إلى طرابلس وبرقة ثم أعقبه تقسيم آخر عام 1937م شمل (طرابلس، بنغازي، مصراتة، درنة) بالإضافة للصحراء وعاصمتها هون، وفي 9 يناير عام 1939م ضُمّت ليبيا بقرار من ملك إيطاليا إلى مملكة إيطاليا، ولفت الكريكشي إلى أنه من عام 1943 إلى عام 1951م كانت فترة مغيّبة في التاريخ الليبي فهي المرحلة التي شهدت بروز الزعامات السياسية والحزبية الموازي لحركة الجهاد المسلح ليدخل الشارع السياسي الليبي في حالة مخاض كانت مآلاته نيل ليبيا لاستقلالها عام 1951م.
الدساتير في ليبيا
كما تطرق الكريكشي لجزئية الدساتير التي خضع لها الواقع السياسي الليبي بشكل أو بآخر مثل الدستور العثماني الذي صيغ عام 1876م وتم تفعيله عام 1908م حين كانت ليبيا أوان ذاك الزمن ولاية تابعة للدولة العثمانية في إسطنبول، وتحدث الكريكشي عن مجلس المبعوثان وانتماء شخصيات ليبية بالعضوية فيه، وأردف الكريكشي قوله بالحديث عن دستور القطر الطرابلسي عام 1916م الذي طُبِّق بقرار من الملك الإيطالي “فكتور عمانويل الثالث”، وتوقيع من رئيس الحكومة الإيطالية “روك روسو” وأوضح الكريكشي أن هذا الدستور هو من دق نعش النهاية لمشروع الجمهورية الطرابلسية، ومن مواد هذا الدستور منح الجنسية الإيطالية لليبيين.
مخاض الأربعينات
من ناحية أخرى توقف الكريكشي عند ملابسات فترة الأربعينيات بدءا من انتهاء الحرب العالمية الثانية ودخول القوات الإنجليزية مرورا بتكوين منظمات المجتمع المدني، وتسليم إيطاليا لمستعمراتها في القارة الإفريقية وصولا للجنة التحقيق الرباعية ومشروع (بيفن سيفورزا) وسقوطه، وسلط الكريكشي الضوء على الدور السياسي الذي لعبه “أدريان بيلت” نائب الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة في ليبيا، ومساهمته في تأسيس لجنة الـ21، وتابع الكركيشي بالقول : إن قرارات الأمم المتحدة كانت واضحة حول استقلال ليبيا وتكوّن قرار الأمم المتحدة بالاستقلال من 11 مادة تؤسس في كل من برقة وطرابلس وفزان دولة ذات سيادة على ألا يتجاوز ذلك موعد أقصاه عام 1952م، واجتمع الليبيون حينها وأسسوا جمعية وطنية تمخضت عنها حكومة مؤقتة للاستقلال عن دولتيّ بريطانيا وفرنسا، وأوضح الكريكشي أن هنالك قرار أممي آخر لم يذكره التاريخ وهو بمثابة القرار المُعزز صدر في 17 نوفمبر عام 1950م إذ عُد هذا القرار خارطة طريق.
الإرهاصات الأولى
وبذا تحقق الاستقلال وانتخب مجلسي النواب والشيوخ وتبوأ “محمود المنتصر” أول حكومة منتخبة، واعتمدت الجمعية العامة النظام الاتحادي الفيدرالي لإدارة مقادير الأمور بين الولايات أو الأقاليم الليبية الثلاثة، وأشار الكريكشي إلى أن العيوب والمشاكل بدأت تظهر جليا وبشكل مستمر داخل النظام الفيدرالي، وتناول الكريكشي الأسباب والعوامل الكامنة وراء إلغاء النظام الفيدرالي فقد جرى التعديل الدستوري الأول عام 1962م أثناء رئاسة “محمد عثمان الصيد” للحكومة وبيّن الكريكشي أن الصيد لم يكن موفقا كونه خشي من ردة فعل الشعب في ولاية برقة وفي الجنوب، وأردف الكريكشي قائلا : كل ما فعله الصيد أنه نحّى جانبا المجلس التنفيذي للحكومة وألّف مجلسا إداريا برئاسة الوالي على أن تُلغى تسميات النظارة ويُستعاض عنها بتسمية الوزارات.
أسباب إلغاء النظام الفيدرالي
وأضاف الكريكشي أنه في هذا الموقف تدخل القصر الملكي وأرسل في طلب “محيي الدين فكيني” ليتولى تأليف الحكومة وهو بعد لم يتجاوز سن الـ38 عاما بعدما تدرّج في عدة مناصب إدارية ودبلوماسية، وقدم فكيني مشروعه يومي 15 و16 إبريل عام 1963م للتعديل الثاني لدستور 1951م إلى مجلسي النواب والشيوخ الذي أقر بدوره بالاجماع الصيغة القانونية مع تعديلات صغيرة ما حذا بالملك لإصدار القانون رقم (1) عام 1963 القاضي بإلغاء النظام الفيدرالي واستبداله بالدولة الموحدة، وتابع الكريشكي أن فكيني بادر إلى إصدار مجموعة من القرارات منها تقسيم ليبيا إلى 10 محافظات 5 غربا و3 شرقا و2 جنوبا ومن ثم قُسمت إلى بلديات وأحياء، وصدرت بالمناسبة طوابع بريدية وصار يُحتفى بهذا اليوم سنويا، وعن أسباب إلغاء النظام الفيدرالي أضاف الكريكشي أن رئيس الحكومة فكيني كتب وقتذاك مذكرة توضيحية أولها وجود حكومة اتحادية ووجود ثلاث حكومات جهوية موزعة على طرابلس وبرقة وفزان مما سبب ترهلا وتكدسا كبيرا للموظفين والعاملين أدى إلى استنزاف كبير للميزانية المالية للدولة الليبية لاسيما وأن الدولة عندئذ كانت ذات موارد محدودة، علاوة على تفاوت واختلاف الأنظمة الضريبية بين الولايات الثلاث فتعسّر التحكم فيها ماليا وإداريا من قبل الدولة كما كان لشركات النفط الأجنبية العاملة بليبيا عامل هام في الدفع بنظام الوحدة بغية تسهيل تعاملاتها مع الأجهزة المعنية والمؤسسيّة.