الدهر
من النافذة ذاتها ينظر إلى الأفق البعيد المُغطى بالسنين البديعة، رأى من خلف جسد المدينة بقايا نجم لم يبق سواه في قبضة الأيام الّساهية، لا يهدأ ولا يرتاح، كأنما لا ماضٍ له يخبره، الوادي ظهر أمامه على مبعدة تدفق البصر، وفي كلّ طرفة عين يتوه البصر..
السحلب المتبل بالقرفة والزنجبيل يرتعش بين يديه، رشف من السحلب نصيباً لم يحس به، مرت لحظات دون أن يتحرك، أحسّ بالملل، تململ في مكانه، يقاوم الملل، من بعيدً رآها تهبط بالوادي، جنية من جنيات الوديان والبراري، جنية مشاكسة، شرابها من نبع لا ينضب نجي الروح يروي عطاش السواقي …
وعقلها يتشكل كما يشاء في لمح البصر.. كلما احتاج أن يعرف أيما شي كانت له أفضل معين حتى أفضل من الإعانة من الـ ” قوقل”، حلّت أمامه في بهاء الأنس، أنسٌ يفتح الشهية ويطيب الخاطر، سألها وهي تتأمل وجهه الباهت: ما الذي فعله الدّهر بأصدقائي البشر؟
نيران
ترك المدينة منذ زمنٍ، منذ أنْ كثرت التمائم والرسوم المتحركة وفقهاء النت، يتعبد في كهفٍ بعيد في جبلٍ قصي، بين صلاة وصلاة يصلي كل صلا.. بقدرة شكعِ البرق الخاطف.. مرّت به جنية من جنيات الجبال والهضاب والأحراش، نطّت أمامه كما ينط القط، ما انتابه الفزع ولا الهلع، اقتربت منه تكاد تحرقه بنيران نورها، سألته: أراك تجلس بجانب هذا الجبل منذ الآف السنين، وفي كل سنة أراك تتسلق الجبل ألا تعبت من جهد وعناء التسلق؟
أجابها قبل أن يتسلل إلى الكهف المزحوم برائحة البخور: لم أبدأ التسلق بعد.
التفاحة الخضراء
عادت إليه جنية الأحراش، بالعدل وبحزمة من تراتيل الموشحات، كاد أنْ يطير من الفرح.. فهو صاحب الفضاء الرحب؛ وهي صاحبة البساتين النّديّة.. وقفت أمامه في حلة مزهرية ما رأى لها من قبل من مثالٍ، قدمت له تفاحة خضراء مقطوفة من قمة الجبل، وضعها في قفة صغيرة، ثم سألته: قيل إنك كتبت الآف الصفحات في العشق والحكمة والفلسفة والشعر والفن، ألا أخبرتني كم تبلغ من العمر الآن؟ أخرج التفاحة من القفة وقال: كعمر هذه التفاحة.
عسعسة
النجوم تعسعس من فوق السماء وخلف السحائب، نجمةٌ نجمة، ترانا كما نحن دون تبديل أو تغيير أو تحريفٍ، نجومٌ نقيةٌ، لم تخبر أحداً عن أيّ سرٍ من أسرار البشر، أو أيّ سرٍ من أسرار الكون، جلس حائراً يحدث نفسه كأنه والنجوم حوله.. نظر إلى قبة السماء المتلألئة، نجمةٌ نجمة، سأل النجوم: لِمَ العسعسة على البشر إذن؟ هبطت إليه نجمةٌ مولودة بعد ألف ليلة وليلة تمثلت له فتاة أجمل من القمر وأكثر حُسناً من شهرزاد وقالت له بحرارة: الصبر جميل، لم يحنّْ الوقت بَعَدْ ولا الليل عسعس.