لكل قصة مكان تروي أحداثها، وتضيء معالمها، وتبرز شخصياتها، فالمكان قصة، وللقصة مكان يتحرك معها ويسرد شكلها الفني والموضوعي، وقد تنوعت ا لأمكنة وأضأت معالم إنسانية وفنية متعددة نذكر منها الآتي:
في القصة أمكنة متنوعة شكلت جمالية في إثراء النص وإبراز أحداثه وشخصياته، وكانت البداية النصية بالمكان كقول البطل: ((حدثا عشته دون أن أتعرض للسخرية من منظري، بالبيت والشارع والمدرسة)) ذكرت الشخصية عدة أماكن ومزجت المكان ببداية الحدث، وجعلت المتلقي متابعا للنص ومتشوقا لبقية الحدث.
– علاقة البطل بالمكان:
استمر البطل في سرد الأمكنة وأظهر حزنه وهو يسرد حالته الماضية والحاضرة فتوقف الزمن لفتح مساحة للمكان وتأثيره على نفس البطل ويظهر ذلك في قوله: ((مات أبي أولا بسقوطه المفاجئ من أعلى ورشة بناء)) كان المكان فعالا للحدث، صور المشاهد للمتلقي للتفاعل معه ماذا سيحدث بعد موت أبيه المفاجئ؟
في موضع آخر قال البطل: (( قررت يومها السفر إلى البلدة ، وإغداق العطايا والمنن على ضريح الشريف))لقد أضاف القاص شخصية الشريف التي تمثل عقدة نفسية في نفس البطل ؛ فهي تطارده في كل مكان وزمان فارتبط المكان بزمن ماض شكلت قيمة مكانية في القصة كقوله في وصف المكان الزمني قائلا: (( وصلت إليها مساء يوم مطير، تغيرت ملامح قرية طفولتي ولم أعد أعرفها)) التحم الزمن الماضي مع المكان القديم ، فالبطل لم ينس واقعه ومرارة طفولته وبيئته التي نشأ فيها وأكد ذلك قائلا: (( سألت أحد المارة عن مكان الضريح- لو سمحت سيدي منذ مدة لم أزر البلدة هلا دللتني على ضريح الشريف سيدي بو دينة وتقبل مني هذه النقود)) فالشخصية تمنح حركة للشخصيات الثانوية وتضيفهم للمكان والتفاعل معه عن طريق الحوار ، ونلحظ أن البطل يغطي باطنه بالمال حتى لا يدرك الآخرين حالته أو يشعرون بها كقول أحدهم: (( شكرا ، شكرا ، يا كريم! لكن يبدو أنك أطلت غيابك عن البلدة فلم يعد بقريتنا ضريح سويت الأرض التي كان يتواجد بها وعبدت الطريق!)) تغير المكان ولكن حالة البطل متعلقة بالماضي ولم تتغير فهي تتابعه بذكريات واسترجاع مع الذات، وظل الزمن محفورا في ذاكرته والألم راسخا في تاريخ حياته الماضية والحدث ساكنا في فؤاده زمنا طويلا حتى عاد إلى المكان من جديد، وجاءت النهاية التي تعبر عن فتح أفئدة الانتصار على الماضي البعيد والسيطرة على المكان بقوة المال، حيث قال البطل: ((اشتريت كل الأراضي المجاورة لمكانه وبنيت عليها متحفا للآلات الموسيقية والآذان الصناعية)) للخروج من عقدة المكان وحادثة الماضي.
انتصر البطل على نفسه، وقدم المكان في صورة جديدة مشرقة للآخرين.