حكايات وذكريات: سيرة قلم 16
في الطريق وقبل أن نصل إلى القسم الداخلي.. التقينا بالدكتور شعبان عوض العبيدي.. كان وقتها طالبا بالسنة الأولى من كليلة اللغة العربية والدراسات الإسلامية.
ولا زلت أذكر ما قاله لي الأستاذ أحمد وهو يعرفني به: هذا صديقي شعبان الطالب الذي تحصل على الترتيب الأول بالشهادة الثانوية على مستوى ليبيا.
سلم علينا بحرارة.. ورحب بنا كثيرا.. فقد كان صديقا مقربا من السيد أحمد.. وطالبا معه في نفس الجامعة.. وقدمني الأستاذ أحمد إليه قائلا: صديقي سعيد من بنغازي محب للغة العربية، وكدليل على حبه لها.. فضل أن يترك عمله وأهله ومدينته.. وجاء معي آملا أن يمكن من الالتحاق بالمعهد الديني.. فقط ليتعلم اللغة العربية.
فقال: الأستاذ شعبان.. وهل ذهبتم إلى التعليم.. ؟
فقال الأستاذ أحمد.. نعم ذهبنا إلى هناك.. ولكن السيد/ عبد السلام الوسيع رفض قبوله.
وهنا طلب منا الأستاذ شعبان أن نعود إليه معا.. فلم نمانع في ذلك.. وعدنا أدراجنا إلى وزارة التعليم.
وهناك بوزارة التعليم.. دخلنا مجددا على السيد/ عبد السلام الوسيع.. رئيس قسم التقويم والقياس.. فرحب بنا.. وسلم على الأستاذ شعبان بحرارة.. ولا حظت أنه يكن له احتراما خاصا.
قال له الأستاذ شعبان: ألا يمكنك مساعدة هذا الطالب وتحقيق أمنيته.. ؟
فقال: أنا لم أوافق على رغبته.. من أجله هو.. أنا متأكد أنه سيفشل.. كما فشل من جاء قبله ممن قبلناهم بالدراسة في نفس المعهد.. أنت تعرف أن الدراسة هنا صعبة جداً.. مع مواد المدارس العامة.. هناك مواد دينية إضافية يدرسها الطالب.. تبتدئ معه من الابتدائية والإعدادية وحتى الثانوية.. بالإضافة إلى حفظه للقران الكريم.
لم يوافق الأستاذ/ عبد السلام على قبولي.. خرجنا من عنده وقد فقدت الأمل.. بعدما رفضت مرتين.. لكن الأستاذ / شعبان لم يفقد الأمل.. التفت إلينا وقال سنذهب معا إلى مراقب التعليم.
وهناك بمكتب مراقبة تعليم بلدية الجبل الأخضر.. استقبلنا الأستاذ/ عبد الحميد صالح الجياش أطال الله في عمره.. استقبلنا بتواضع جم.. وسلم عليه الأستاذ/ شعبان بحرارة وهو يقول: لقد ودع هذا الطالب أهله.. من أجل أن يتعلم اللغة العربية.. وها هي حقيبة ملابسه معه.
فقال: الأستاذ/ عبد الحميد.. وهل ذهبتم إلى الأستاذ/ عبد السلام الوسيع.. ؟
فقال له الأستاذ/ شعبان: نعم ذهبنا إلى هناك.. ولكنه رفض.. خوفا عليه من الفشل.
فقال الأستاذ/ عبد الحميد: نعم.. إنه محق في ذلك.
فقال له الأستاذ/ شعبان: ساعده يا استاذ عبد الحميد.. ولا زلت أتذكر عبارته التي قالها له: (إذا نجح كان بها.. وإن فشل يتحمل مسئولية فشله).
وهنا.. وأمام اصرار الأستاذ شعبان: كتب ورقة موجهة إلى الأستاذ/ عبد السلام تتضمن عدم ممانعته بقبولي.. فعدنا إليه وقدمنا له الورقة.. فلان عند ذاك.. وقبل ملفي على مضض.. وأعطانا ورقة وقال لنا: قدموها لمدير المعهد الديني.. وذهبنا بعد ذلك معا المعهد الديني.. وانهينا إجراءات القبول.. وكذلك إجراءات التسكين بالقسم الداخلي.
وودعت الأستاذ أحمد وشكرته كثيرا على جهوده الطيبة.. وعاد هو جزاه الله خير الجزاء إلى بنغازي..
وتوطدت علاقتي بالسيد شعبان فيما بعد.. خلال السنتين اللتين قضيتهما بالمعهد الديني.. وأثناء دراستي الجامعية بكلية الآداب.. عندما التحقت للدراسة بقسم اللغة العربية.. كان السيد شعبان قد سبقنا إليه طالبا بالسنة الثالثة.. فكنا نلتقي كثيرا ونتحاور كثيرا.. ونختلف تارة ونتفق أخرى.. ويتعصب كل منا لرأيه ونتخاصم مرارا.. ونتفق في مرات أخرى وكأننا لم نختلف قبل ذاك أبدا.. لكنني ورغم كل ذلك كنت دائما أتذكر له ذلك الموقف الطيب الذي قلب حياتي رأسا على عقب.. ولا يزال إلى اليوم أحتفظ به في ذاكرتي كأطيب ذكرى.. من انسان أكن له كل احترام وتقدير.
المرفقات:
ـــ صورة للدكتور/ شعبان عوض العبيدي.
ـــ صورة للأستاذ / أحمـد الـزين العبدلـي.