علاء بن دردف
جميل الوجه والصفات.. وأُعطي الدنيا.. وأعطى من كل شيء جميل.. هكذا روى لي محدثي.. الصديق والمعاصر له.. بعد هذه السنين الطويلة.
قال لي:
كانت جلستنا هنالك.. عند “السيكام”.. وهو طريق يمتد في البحر يرتقي فوق صخور ضخمة بجوار الميناء ببنغازي.. ومقابل للمحكمة.. فعندما يلتقينا “خليل قزح” ونحن راجعين من عملنا بالتدريس.. أو يجدنا جالسين لنستريح بمقهى”إبراهيم العربي” الذي بالأقواس ومجاور لقصر الملك.. كان خليل يخبرنا بدعوتنا للغداء.. نحن المعلمين الشباب المجهدين.. ليتصل باليوناني صاحب مطعم “الامبريالي”.. ليفترش البسط على السيكام.. ويحضر الغداء الفاخر.. ويمتد الحديث والسمر حتى المساء.. بين خليل.. وهؤلاء المدرسين.. وكان ذلك كثيرا ما يحدث..
تتالت الروايات أنه رجل أعمال ثري.. أتته الدنيا كلها بالمال والوسامة والطيبة وحب المعروف والخير.. كان يملك وأخيه عمر شركات لاستيراد مواد البناء وغيرها.. ومصنعا لمشروب البيبسي.. وأموالا كثيرة..
كان يقرض الناس بالتقسيط المريح جدا.. فمن شاء أن يبني بيا .. فليذهب لخليل.. ويرجع وافرا بكل مايبني البيت.. بأوراق بسيطة يوقعها.. وكم ابتنت من بيوت كثيرة.. وآوت الفقراء.. بدعم خليل.
أحب الناس واحبته.. مد يد العون لكل قاصد.. سهلا سلسا معطاء.. وامتد خيره لكل ما طالته يده.. وبني نادي النجمة.. بجوار “ميدان الشجرة” وصرف مكافئات للشباب المتدربين صغارا وكبارا.. وبنى مسجد قزح في منطقة بالعون.. لايزال تحوطه الروحانية.. وتنمو حوله الاشجار المثمرة.. وينافسه في ذلك أخيه “عمر”..
شاهد فتاة فأعجبته.. قال لأهله أريدها زوجتي.. فإذا بها فلسطينية من أسرة بسيطة يعمل أباها محاسبا.. فخطبها وكانت زوجته..
استمر في العطاء.. واستمرت الثروة تنمو.. واستمر يلتقي بأصدقائه المدرسين علي ممر السيكام الذي يشق البحر يتسامرون حتى المساء..
مرض في أواخر السبعينات.. اجتمع مع أخيه وشريكه وأصهاره بحديقة منزله.. وأخبرهم أني سأتنازل بحصتي في الشركات لكل المديونين لدينا.. وأتى بدفاتر الديون والكمبيالات المستحقة على زبائنه.. وهي كثيرة.. وأحرقها بحديقة منزله.. ولم يغادر المكان حتى أتت النار على جميعها.. ثم انتقل الى رحمة الله ولم يرزق بذرية..
وقفت أنا ومحدثي الشيخ صديقه.. على الكورنيش . مشيرا إلى السيكام.. وكأني باليونانيين.. يضعون أطباق الطعام على نسيم البحر..
وكأني بخليل متمخطرا ببدلته الأنيقة.. وروائح عطره تنتشر بالهواء.. وكأن الدنيا صارت مضيئة.. وأتت مسرعة معانقة له.
بنغازي – 17 فبراير 2024