سيرة

أحقًا …. كان نهارًا عاديَّا!!؟

التلميذة حواء القمودي
التلميذة حواء القمودي

مثل كل النهارات … كان نهارا عاديا، ولكن غير العادي هو مجيء هذه البنت (حوا)… في الحوش العربي في الدار البحرية، وستكبر لتعشق كل تفاصيل هذه البيئة، السانية التي تجمع بيوت العائلة فتفتح على (فم الحياش)، حيث البير والجابية والميدة وشجرة التوت الكبيرة تظلل (المْجر)*،يتمايل النخل الباسق وأشجار الزيتون والرمان، وأما شجر التوت وموسمه فهو حكاية محبة، وستعبر هذي البنت ذات نهار  من (السانية) إلى شارع كبير، يأخذهم إلى حيث مدرسة (حليمة السعدية)، أول مدرسة للبنات في سوق الجمعة، ستدرس الصف الأول في العام الذي سيكون ختام العهد الملكي 1968م،

ربما في الذكريات بعض الألم/ صفعات معلمة الصف الاول والعصا الغليظة والعريفات الثلاث/ لكن لن تنسى ذاك اليوم الشتائي، وهي واقفة في الطابور، قبل بدء الاستراحة بانتظار نصيبها من الإفطار، وكان ذاك اليوم (بنينة بالطن)، المفاجأة هو انتهاء قطع البنينة وانتظارها مع زميلتها وداد، جُلبَت الخبزة من دكان عمي عويدان (خبزة سخونة)، وكان ألذ (نصف بالطن)، نركض في الساحة الواسعة وشجرات التوت الباسقات يحرسننا ونحن نغني أغنية شاعت:

إدريسنا يا إدريسنا

الله يخللي إدريسنا

كل الشعب العربي يقول

  الله يخللي إدريسنا..

 ولكن ولأجل درجة ونصف في مادة الحساب كما أخبرها (خوها الكبير)، أعادت الصف الأول.

كانت الدراسة تبدأ في شهر سبتمبر، والذي حدث فيه ما عرفناه جميعا (ثورة الفاتح من سبتمبر 1969)، لتحظى بالتعلم على يد تلك المعلمة الجميلة (أبلة اعجيلية الخبولى)، وأحبّت حوا معلمتها التي عاملتهم بحنوٍ وهدوء، ولا أنسى تلك العشية بنهاية العام، حين كتبت معلمتنا الجميلة ذات الضفيرة الطويلة والقامة الهيفاء، كتبت لكل تلميذة في آخر كراسة العربي اسمها الثلاثي، ولازلت أذكر كيف ملأتُ صفحة الكراسة باسمي والشمس تغمرنا بنورها، ونجحتُ للصف الثاني، لأحظى بمعلمة هي (أبلة نوارة البهليل)، والتي سترافقنا لمدة ثلاث سنوات من الصف الثاني حتى الصف الرابع، ولازلت أذكر زميلتي بالمقعد بالصف الثالث؛ من السودان الشقيق، والتي اسمها (منال)، وأختها (مناهل)، تدرس بالصف الرابع، وكان والدهما معلما بمدرسة (الأنصار) للأولاد.

معلمات رائعات أخذت محبة العلم منهن ، الحبيبة التي رحلت (أبلة حليمة الشبو) صحبة (أبلة نجية اونيس) و(أبلة جمالات) من مصر، و(أبلة ربيعة بوعبيد )، وكانت الحاجة (عواشة) معلمة التطريز والتفصيل والخياطة (وهذه لم أفلح بها أبدا)، كانت تجيء المدرسة بالرداء والفراشية وكلمتها الأثيرة (طرشيقة).

نجحت بتقدير ممتاز بالصف السادس، لأدخل المرحلة الإعدادية في مدرسة ومعهد (جامع الزيتونة)، وكانت مديرتنا (أبلة عيشة البغدادي)، وليكون انتقالنا بالصف الثاني الإعدادي لمدرسة (بنت الوطن) أو (عبد الله الجطيلي)، وكانت (بنت الوطن) الأقرب للسانية، وهناك درست الصف ثاني وثالت إعدادي، لأتحصل على الشهادة الإعدادية، صيف 1978م وبتقدير مقبول؟؟؟

كيف يمكنني الحديث عن علاقتي بالكلمة، والبنت حواء تجلس على المصطبة العالية في مدرستها (حليمة السعدية)، تلميذة بالصف الثالث، (القرمبيول الأكحل) يضمّ جسمها النحيف، ضفيرتها تنام على ظهرها والنسترو الاحمر يشدّها، تراقب البنات وهن يركضن في الساحة الكبيرة، وهي تضم حقيبتها تنتظر رنين الجرس النحاسي لتقف في طابور فصلها، لكن ثمة يدّ ربتت على ظهرها وصوت البنات زميلاتها يُشرنَ إليها، رفعت عينيها لترى وجهًا جميلًا وضفيرة سوداء تتأرجح (أهيااا يابلة حليمة). هكذا البنات يرفعن صوتهن، وهي حوا تنظر لابتسامة تشفّ عن صف من أسنانٍ بيضاء وسؤال (إنتي حواء الحافي)، تهزّ رأسها إيجابا، فتنهضها (أبلة حليمة)، من قعدتها وتأخذ بيدها إلى داخل فصل واسع. لم تفهم ما هو المطلوب منها؟ ولماذا هي في هذا الفصل؟ وسر الواقفات باتجاه الحائط! تلميذات الصف الخامس، منحتها طباشيرًا أبيض، وطلبت منها أن تكتب على السبورة، ما ستمليه من كتاب القراءة للصف الخامس.

التفتت إلى السبورة، أصابعها قبضت على الطباشير وانتبهت لصوت المعلمة:

يرتفع : لا .. ولكن يدها رسمت/ ل /.

تكرر صوت المعلمة: لااا، وكررت هي اللام/ ل/.

فأعادت المعلمة بنبرةٍ أعلى: لااااااااا

وكتبت تلك التلميذة تلك الـ لاااااااا وواصلت المعلمة قراءة الكلمات وهي التلميذة بالصف الثالث، واصلت الكتابة، ثم وقوف تلميذات الصف الخامس، والتصفيق على تلك البنت القصيرة، التي اسمها حوا الحافي.

أتساءلُ الآن؛ هل كان قدرًا؟!!!!

 أن تكون تلك الجملة التي أملتها أبلة حليمة الشبو، على تلك البنت الصغيرة حواء، جملة مبدوءة بهذه الكلمة الصرخة: لا … ،لا. تظل تنغرس في الروح، وفي العقل بشراسة عاشق: لا يكلّ ولا يملّ ولا ييأس…

هل كان قدرًا؟ يا حوا بنت القمودي!!!؟؟؟؟

مقالات ذات علاقة

طبيب الأطفال عاشق التاريخ .. سيرة الدكتور عبدالكريم عمر أبوشويرب

رامز رمضان النويصري

أحمد الحريري أخر الرومانسيين الليبيين «.. فتنا النخل والديس / وتعدينا / لحقنا الندم / ياريتنا ولينا»

أحمد الفيتوري

محاولة القبض على سيرتي الأدبية!؟ (18)

حواء القمودي

اترك تعليق