-7-
في شهر يونيه 1989م وصلنا الدار البيضاء عبر القطار الذي استبدلناه في وجده، كان يرافقنا بالإضافة إلى الشيخ محمد وعائلته، إدريس الغزالي الذي كان قد عاد من ليبيا ولحق بناء في الجزائر وسكنا فندق لا أذكر أسمه ولكنه يقع في شارع درب عمر ونظراً لارتفاع سعر الإقامة انتقلنا للإقامة في فندق أرخص واستمرت إقامتنا لمدة شهر تقريباً.
ثم أتصلنا بالشيخ مصطفى الغربي الذي كنا نحمل توصية له من أحد الأشخاص الذي التقيناه بالجزائر للاهتمام بناء، واستقبلنا الرجل بحفاوة بالغة، والشيخ مصطفى كان مقرئ قرآن قدير وشيخ دين من طراز رفيع كان كفيف البصر ومتزوج بزوجتين ومعروف في كل المملكة الغربية بمعارضته للسلطة، أيضاً أتصلنا بالأخ محمد الحلو وهو من رجال الأعمال المغاربة وكان رجل كريم وشهم ومضياف وساعدنا كثيراً فيما بعد.
وبواسطة هذان الرجلان انتقلنا للسكن في شقة بحي الصدري، كانت تتكون من ثلاث غرف، سكنت وزوجي غرفة والشيخة وزوجها الغرفة الثانية أما الثالثة فسكن فيها إدريس وما لبث أن التحق بناء آخرين ومنهم شخص يدعى مختار وهو ضابط ليبي سابق وصل إلى المغرب بعد أن عبر الحدود الجزائرية المغربية عن طريق البر وأذكر عندما وصلنا كان يرتدي ملابس داخلية فقط ويضع فوق جسمه غطاء، وحالته كانت يرثى لها والتحق بناء عبدالله بعد أن تزوج من نادية وأيضاً خالد أبوزقية وكان مصاب بمرض الصرع وأحمد العجيلي وزوجته عائشة.
عندما كثر العدد أصبحنا نقسم السكن بين الرجال والنساء فسكنا نحن النساء في غرفة والرجال في غرفة والغرفة الثالثة استعملت للمبيت العائلي بحيث يتناوب على سكنها عائلة في كل ليلة، عدا أنا وزوجي لم نسكنها لأن زوجي كان كثير السفر والمبيت خارج البيت بسبب اشتغاله بالتجارة بين المغرب والجزائر وكان يغيب كثيراً.
تحولت في هذا البيت إلى طباخة وغسالة لأفراد المجموعة الذين لا يخرجون من البيت، فكنت أطبخ وأغسل الملابس والصحون فالشيخة لا تعمل هذه الأعمال وعائشة لا تعرف الطبخ ونادية انتقلت إلى شقة أخرى وسكنت لوحدها مع زوجها لأنه لا يريدها أن تخدم الآخرين.
قلت للشيخة فاطمة يوم لماذا لا تساعديني في طهي وجبة الغذاء ؟ فالمجموعة كثيرة وتحتاج إلينا جميعاً لكي نقوم بالطهي وتنظيف الأواني وغسيل الملابس.
فردت أنا لا ألوث يدي وملابسي بالطهي والصابون وغسيل الأواني…… استغربت منها ذلك وقررت أنا نفسي أن أتوقف عن مثل هذه الأعمال.. وأخبرت زوجي بما حدث ولكنها هي أيضا أخبرت زوجها الشيخ محمد.
فتقرر عقد جلسة لمناقشة الموضوع وتحدثت الشيخة وكانت تكذب في سرد ما حدث والغريب في الأمر تصديقها من قبل زوجي وزوجها… وقال لي زوجها لو قيل لي إن أمك تكذب لصدقت…. أم أن يقولوا لي الشيخة تكذب فلن أصدق، عندما وصل الأمر به إلى هذا الحد لم أعد أشكوه.
عندما كثر العدد تضايق أصحاب الشقة وتخوفوا لأنهم كانوا متدينين هم أيضاً فطلبوا منا أخلائها بعد خمسة أشهر فانتقلنا إلى بيت يقع في حي الألفة، وفي هذا البيت كثرت المشاكل بيننا نحن النسوة والمشاكل كانت دائماً أما بسبب الطبخ والغسيل أو الأولاد وكذلك بعض المشاكل نتيجة الغيبة والنميمة.
لقد كانت الشيخة كثيراً ما تشكوني لزوجي والشيخ محمد وكانوا دائماً يحضروني أمامها ويسمعوني كلام جارح ويبينون لي محاسن تلك السيدة التي لم أرى فيها أي حسنة تذكر سوى ما تفعله في حقي من إساءات.
غادرنا إدريس الغزالي عائداً إلى ليبيا بعد أن سئم الحياة في المغرب، وتأكد من إنه أصبح غير مطارد في ليبيا ففي اعتقادنا دائماً إننا لم نفعل شئ ضد النظام…. وعندما أقلعت الطائرة التي يستقلها إدريس وصلتنا في المساء رسالة من بنغازي تحذرنا من العودة لأنهم يبحثون عنا وتم تصنيفنا على أننا زنادقة وخطر على المجتمع، وأستقبل إدريس في المطار وأودع السجن ولم نلتقي به بعد ذلك ولا أعلم عنه شيئاً.
الرسالة التي وصلتنا وتحذرنا من التفكير في العودة إلى ليبيا زادت من مشاكلنا النفسية وتخوفنا من إننا أصبحنا مطاردين فعلاً، قبل أن تصلنا رسالة التحذير والتي لا أعرف مرسلها فلم توقع باسم شخص بعينه بل كانت مجهولة المرسل ومع ذلك أصيب أفراد المجموعة بالرعب والفزع وتألمنا لما انتهى إليه إدريس.
أشار أحد الأخوان على زوجي بأن يرحل بي إلى مكان آخر ويترك هذا البيت وهنا انتقلت للسكن في فندق من جديد برفقة نادية وزوجها عبدالله أما باقي المجموعة فتم تدبير تذاكر سفر لهم للسفر عن طريق قبرص وكانت خطتهم النزول في قبرص وطلب اللجوء وفي مطار لارنكا حاولوا مغادرة الطائرة ولكن الشرطة القبرصية رفضت نزولهم وتم تسفيرهم إلى بنغازي مباشرة.
تم القبض عليهم جميعاً وهم الشيخ محمد وزوجته الشيخة وأبنائهم وأحمد العجيلي وزوجته عائشة وعبدالعظيم ولا أذكر من كان معهم، وصلتنا الأخبار من خلال مصطفى الفرجاني…… عند القبض عليهم تأثرنا جداً لما أصابهم خاصة الشيخة بالرغم مما لحقني منها من أذى وبالرغم من العلاقة السيئة التي ربطتنا.
لقد كان الشيخ محمد والمجموعة متأكدين من نجاح خطتهم التي وضعوها بترك الطائرة في مطار لارنكا وطلب اللجؤ السياسي أو الإنساني ولكن السلطات القبرصية لم تمكنهم من ذلك أو إن هناك من أوشى للسلطات الليبية التي تدخلت لتغيير وجهتهم فالأمر لا يزال غامضاً لدينا حتى الآن.
عدنا للسكن بالشقة في حي الألفة مع نادية وزوجها عبدالله….. نادية هذه كانت امرأة طيبة جداً وهادية وحقيقة عشت معها أيام لم تحدث بيننا أي مشاكل، في هذه الشقة كثيراً ما كانت الشرطة المغربية تأتي إلينا في أوقات مختلفة وكانوا يطمنوننا بأنه لن يلحقنا الأذى ولن يتم تسليمنا إلى ليبيا فنحن في بلد الأمان.
ثم سرعان ما انتقلنا للسكن بشقة في حي السالمية و بداء يتسلل إلينا بعض الأشخاص من جديد وكان من بينهم هذه المرة سليمان والطبولي والبرغثي وناجي وعبدالرحيم وعاد مختار بعد أن سافر متسللا إلى ليبيا، وأحضروا معهم بعض المال…. وفي حي السالمية كان كثيراً ما يحضر رجال الشرطة، وعندما تحضر الشرطة يقفز الرجال من النوافذ ويصيبني الخوف والفزع والرعب وما أن تذهب الشرطة حتى يعود الجميع إلى أماكنهم.
كانت الوجبات التي نتناولها في المغرب عبارة عن عدس وفول والأرز وكنا نادراً ما نحصل على وجبه بها لحم فظروفنا المادية كانت صعبة… وأصبحنا نقتصد في الصرف…. والمجموعة كانت كبيرة لذلك حدثت مشاكل بسبب عدد الرجال بين زوجي وعبدالله الذي أنجبت زوجته طفلة فانتقلت للسكن بالشقة العلوية مع مجموعة الرجال وبقت نادية وزوجها في الشقة السفلية.
أنجبت أبنتي الثانية في بداية سنة 1990م وغادرنا جميع أفراد المجموعة فمنهم من سافر إلى مصر ومنهم من عاد إلى ليبيا المهم إننا بقيت وزوجي فقط وهنا بداء الخوف يدب في أوصالي وأصبحت لا أستطيع النوم فسفر المجموعة ترك لدينا فراغ كبير.
اقرأ: رواية ديجالون – الحلقة 5
تعليق واحد
[…] اقرأ: رواية ديجالون – الحلقة 6 […]