هذا المقـال عبارة عـن ترجمة لمقـال منشــور في منتـدى الشـرق الاوسط، عنوانه: لماذا خسر العرب الحروب (http://www.meforum.org/441/why-arabs-lose-wars)، والذي شجعني على ترجمته هو ان اسباب الفشل العسكري كما وردت في هذا المقال لا تختلف كثيرا عن باقي الفشل الذي الم بنا في كل مناحي الحياة، وقد اختبرت بنفسي هذه الحقائق وراء فشلنا، لكني ما كنت قادرا ان اعبر عنها كما عبر عنها هذا الكاتب في مقاله هذا.
*
المسؤولية وصناعة القرار:
تتخد القرارات في المستويات العليا من القيادات، وتنال هذه القرارت القليل من النقاش الجانبي. هذا السلوك يؤدي إلى تعزيز النظام المركزي الصارم، ونادر ما يقوم فيه الضابط باتخاذ قرار حاسم من تلقاء نفسه، بل بدلا عن ذلك، فهو يفضل ان يُنظر اليه على أنه كادح وذكي ومخلص ومطيع. وعادة ما يكون لفت الانظار لشخص ما، باعتباره مبتكرا أو مستقل في تفكيره، وقادر على اتخاد قراره بنفسه، هذه الصفات تجعل منه عرضة للمتاعب. وكما هو الحال في الحياة المدنية، فالتماثل هو القاعدة الاجتماعية الشائعة، والمسمار البارز يكون اكثر عرضة للمطرقة وللطرق، كذلك حال الشخص المتميز في الجيش، يصبح عرضة للخطر والمتاعب. ألاوامر والمعلومات تنساب من الأعلى إلى الأسفل، وهي في كل الاحوال غير قابلة للنقاش أواعادة التفسير أو التعديل بأي شكل من الأشكال.
وغالبا ما يواجه المدربين الأميركيين الإحباط عند حصولهم على قرارات من نظرئهم العرب، فهم لا يدركون أن الضابط العربي يفتقر إلى سلطة اتخاذ القرار، ويزيد في تضخيم هذا الإحباط تردد الضابط العربي في الاعتراف بأفتقاره لتلك السلطة. وقد شاهدت في مرات عديدة ان القرارات التي يمكن أن تتخد على مستوى الكتيبة بشأن مسائل ليست على قدر عالي من المسؤلية، على سبيل المثل، عدد مرات الاجتماع، واوقاته، والامكان التي تعقد بها الاجتماعات. هذه القرارت، على بساطتها، تتطلب موافقة من وزارة الدفاع. هذه المشاهدات دفعت المدربين الأميركيين الى تطوير قاعدة تقول: لِرَقيب اول في الجيش الامريكي قدر من السلطة تعادل سلطة عقيد في الجيش العربي. أيضا، السلطات العليا في الجيش العربي هي من تقوم بتحديد طرق التدريس، وتعيين الموضوعات التي تدرس، وليس لقادة الوحدات دور يذكر في هذه الشؤون، وكأنه ليس من طبيعة عملهم. كما ان الطبيعة المسيسة للجيوش العربية تعني أن العوامل السياسية تلقي بثقلها في كل المسائل، وكثيرا ما تتجاوز الاعتبارات العسكرية. والضابط صاحب المبادرات والميول للعمل يشكل تهديدا للنظام في هذه البيئة، ويمكن رؤية هذا الامر ليس فقط على مستوى الاستراتيجية الوطنية، ولكن في كل العمليات العسكرية والتدريبات الجانبية. وقد كانت الجيوش العربية أقل تسييسا وأكثر مهنية في استعداداتها لحرب 1973 مع إسرائيل ،الا انه مع انتهاء القتال رجعت الى عاداتها القديمة. الآن، ومع تزايد البيروقراطية في المؤسسة العسكرية العربية، فإن المخضرمين من قادة البنتاغون سيشعرون وكأنهم في رياض الأطفال عند مصادفتهم المنافسات التي تحدث في مقر القيادة العسكرية العربية.
تحمل المسؤولية عن رسم السياسة، والقيام بالعمليات، أو تجهيز برنامج تدريبي نادرا ما يحدث. ويجد المدربين الأميركيين هذا الامر محبط للغاية، خاصة عندما يكرر الضباط العرب وضع اللوم في فشل العمليات أو برامج التدريب على المعدات الأمريكية أو بعض المصادر الخارجية. ويقع لوم كبير على المعدات الأميركية المتوقفة عن الشغل بسبب عدم وجود قطع الغيار، وفي هذه الحالة تشير أصبع الاتهام دوما إلى نظام الامدادات الامريكية، التي يعتقد انها لا تستجيب لمطالب التزويد، رغم أن المدرب الأمريكي يقوم بتوثيق المعدات الناقصة، ويتاكد من وصولها الى البلاد، الا انها تختفي في نظام إلامدادات المحلي المعطوب.
هذه الامور تحدث حتى عند اعلى المستويات، فاثنا حرب الكويت، إستولت القوات العراقية على بلدة خفجي الواقعة في شمال شرق المملكة العربية السعودية وبعد أن قام السعوديين بإخلاء المكان. حينها، طلب القائد العام للقوات البرية السعودية، الجنرال خالد بن سلطان، من نضيره الامريكي، الجنرال نورمان شوارزكوف رسالة تؤكد على ان امر اخلاء بلدة خفجي صدر عن القيادة الاميركية، حتى لا يقع اللوم عليه. وفي روايته عن معركة الخفجي، لام الجنرال السعودي خالد بن سلطان الأميركان على احتلال العراق للبلدة. في الواقع أن القوات السعودية المتمركزة في البلدة كانت قوات خفيفة، وكانت اقل عدة وعتاد من القوات العراقية التي تقترب من المدينة، ولن تستطيع الصمود امامها، فغادرات القوات السعودية مواقعها، الا ان الكبرياء السعودي تطلب توجيه اللوم للأجانب.
أما بالنسبة للمعدات، توجد فجوة ثقافية كبيرة بين نظم الصيانة والخدمات اللوجستية بين العرب والامريكان. الصعوبات التي تواجه العرب مع المعدات الامريكية ليست، كما يعتقد أحيانا لتبسيط المسئلة، هي ان العرب لا تقوم بالصيانة، بل المسئلة أعمق من ذلك بكثير. المفهوم الأمريكي لانظمة التسليح لا يمكن نقله بسهولة للعرب، نظام التسليح الامريكي يجلب معه إجراءات صيانة نوعية واجراءات لوجستية وسياسات خاصة، بل وحتى فلسفة خاصة. كل هذه الامور تقوم على ثقافة الولايات المتحدة، مع ارتباطها بمستوى تعليمي معين، ومشاعر بمسؤولية الوحدات الصغيرة، وتخصيص ادوات صيانة، ومجموعة من التعاليم الصارمة. ادوات الصيانة التي يمكن ان تخصص لكتيبة في الجيش الامريكي، تتوفر مثيلاتها بل وافضل منها في الجيش العربي. الخبرة، والمبادرة، وبدرجة اهم التقة التي يعبر عنها بتفويض المسئولية للرتب العسكرية الادني نادرة في الجيوش العربية. صيانة التجهيزات الامريكية يتوقع ان يقوم بها ادنى الرتب في الجيش، وبالتالي يتطلب هذا الامر تفويض هذه الرتب بالمسؤلية اللازمة لانجاز مهامها. بدون توفر ادوات الصيانة الضرورية، وقطع الغيار اللازمة، والخبرة في ادارة الاجهزة، والخوف من نقل الاخبار السيئة للرؤسا، كل ذلك سيدفع قائد الوحدة للبحث على كبش فداء يُحَمِل اللوم. وسيكون كبش الفداء المعدات الامريكية المتطورة. هذا يفسر لي سماعي، العديد من المرات في مصر، ان الاجهزة الامريكية مفرطة الحساسية.
العمليات الحربية المشتركة:
غياب التعاون هو أكثر الاسباب وضوحا في فشل جميع الجيوش العربية في عملياتها القتالية المشتركة. سرية مشاة الجيش الأردني العادية، على سبيل المثال، لا تختلف في جودتها عن سرية مشاة إسرائيلية مماثلة، الا أن التنسيق اللازم بين قوى الجيش المختلفة في العمليات الحربية المشتركة كدعم المدفعية والقوة الجوية، والخدمات اللوجستية، هو ببساطة غائبا تماما. وفي الحقيقة يزداد التفاوت في غياب التنسيق كلما علت الرتب العسكرية، وينتج هذا التفاوت والتشتت عن ندرة التدريبات المشتركة بين الأسلحة المختلفة، وإذا حدث تدريب مشترك يكون القصد منه نيل رضاء الزوار وليس كسب المهارات من التدريب.
هذه المشكلة تنتج عن ثلاث عوامل اساسية. العامل الاول: عدم تقة العرب في كل شخص خارج عن أسرتهم، غياب التقة بالضرورة يؤثر سلبا على العمليات الهجومية. الاستثناءات من هذا النمط تقتصر على وحدات النخبة فقط، والتي يتركز دورها في جميع أنحاء العالم العربي على حماية النظام، بدلا من الدفاع عن البلاد.
في الثقافة التي يستند تقريبا كل مجال من مجالات النشاط الإنساني فيها، بما في ذلك الأعمال التجارية والعلاقات الاجتماعية على بنية الأسرة، هذا التوجه الثقافي موجود أيضا في الجيش، لا سيما عند ضغوط المعارك. العمليات الهجومية في الأساس تعتمد على كثافة النيران وعلى المناورة، عنصر المناورة يجب ان يثق في دعم عناصر الوحدات التي توفر له غطاء النيران، فإذا انعدمت الثقة في توفير هذا الدعم، يتطلب المضي قدما ضد القوات المناوئة خروج الضباط الي المقدمة وقيادة العساكر، وهذا الامر لم يكن باي حال سمة من سمات القيادة العربية للاسباب التي ذكرناها انفا.
العامل الثاني: النظام الفسيفسائي المعقد من الشعوب المختلفة يخلق مشاكل إضافية للتدريب، فالحكام في الشرق الأوسط يستفيدوا من الولاءات الطائفية والقبلية ويوظفوها للمحافظة على السلطة. في سوريا تسيط الأقلية العلوية على الدولة، وسكان الضفة الشرقية يسيطرون على الأردن، والسنة تسيطر على العراق، ونجد تسيطر على المملكة العربية السعودية. هذا المنحى له آثار مباشرة على الجيش، حيث تؤثر الاعتبارات الطائفية على التعيينات والترقيات. بعض الأقليات، مثل الشركس في الأردن والدروز في سوريا، ربطوا وجودهم بالنخبة الحاكمة وأداو أدوار الحماية الحرجة لها، ويتم استبعاد الضباط من الطوائف او الاعراق الاخرى. وفي كل هذه الاحوال، فإن تعيين الضباط يتم بناء على اعتبارات طائفية يعتمد فيها على الولاء وليس على الجدارة والكفاءة، مما يعمل على إضعاف الجيش.
انعدام التقة لا يتوقف عند افراد الجيش الواحد بل يتعداه الى العلاقة بين الجيوش العربية، فالجيوش العربية تحمل القليل من التقة لبعضها البعض، ولاسباب وجيهه. ففي حرب 1967 مثلا، ولغرض استدراج الملك حسين للحرب، كذب جمال عبد الناصر على الملك حسين كذبة سافرة مفادها ان طائراته تحلق فوق سماء تل ابيب، في حين جل طائرته قد قُصِفت في مطارتها ودُمِرت تماما. ولم يختلف نهج السادات عن نهج سلفه، حيث اقنع السوريين بدخول حرب 1973 موهما اياهم بانه سيقوم بحرب شاملة تتضمن مخططا من اجل سوريا ايضا.
مع هذا النوع من التاريخ في التعامل بين الجيوش العربية، ليس من المستغرب أن تتدنى درجة التقة بين هذه الجيوش، كما يندر التدريب المشترك بينها. وخلال حرب عام 1967، على سبيل المثال، لم يتم تمركز ضابط اردني واحد في مصر رغم مشاركتهم في الحرب.
العامل الثالث: حكام الشرق الأوسط يعتمدون بشكل روتيني على تقنية توازن القوة للحفاظ على صلاحياتهم. وهذا يجعل بناء أي شكل من أشكال القوة الشخصية صعب إن لم يكن من المستحيل، ويجعل القياده مرتعبة وغير متزنة. وينطبق الشيء نفسه على المؤسسة العسكرية، فلا يمكن تصور رئيسا قويا لهيئة الاركان المشتركة.
الاوامر المشتركة هي حبر على ورق ليس لديها وظيفة فعلية. وينظر القادة الى الاوامر المشتركة، والتدريب المشترك، والجيوش المشتركة، وتكامل الاطقم بحذر شديد، وتعتبرالعلمليات المشتركة عند كل الجيوش العربية كسيف ذو حدين، احد الحدين موجه للعدو والحد الاخر موجه للداخل. والقوات البرية في جانبها هي قوات حفظ النظام القائم وفي نفس الوقت تشكل تهديدا له. لكل ذلك، لا يسمح الحاكم العربي للتدريب المشترك بين القوات المختلفة ان تكون عملية روتينية، والعذر الجاهز لايقاف هذه التدريبات هو النفقات المادية، الا ان هذه الاعذار غير مقنعة اذا نظرنا الى عمليات الشراء المتكررة لاجهزة لا يمكن تحمل مصاريف صيانتها. وفي الحقيقة، عمليات التدريب المشتركة بين القوات المختلفة تكرس الالفة بين هذه القوات، وتليين الخصومات فيما بينها وتمحو الشكوك وتزيل الفرقة، وتقلل من امكانيات الحاكم في استخدام تنافس هذه القوة لصالحه، لذلك ليس من مصلحة الحكام ان يحدث التعاون بين هذه القوات.
يبرز هذا الوضع، تقنية توازن القوة، أكثر وضوحا في المملكة العربية السعودية، حيث يتولي قيادة القوات البرية و الطيران وزير الدفاع ، الأمير سلطان ، في حين أن الحرس الوطني تحت امرة الأمير عبد الله ، نائب رئيس الوزراء وولي العهد . في مصر، تتوازن قوات الأمن المركزي و الجيش. وفي العراق وسوريا ، يقوم الحرس الجمهوري بهذا الدور.
وفي الحقيقة يقوم الساسة بخلق العقبات للحفاظ على الفرقة والتجزئة بين مكونات الجيوش. فعلى سبيل المثال، الحصول على طائرة عسكرية من القوات الجوية لغرض استخدامها في عمليات تدريب القوات المحمولة جوا، سواء كان هذا الامر في التدريب المشترك او لدعم التدريب، يتم هذا الامر على مستوى القيادات العليا في وزارة الدفاع، واذا تطلب الامر عدد من الطائرات فربما يحتاج الى موافقة الرئيس. ورغم ان زمن الانقلابات العسكرية قد ولى واصبح تاريخا، لكن الخوف من الانقلابات لا يزال حاضرا بقوة. فالتدريبات الواسعة النطاق للقوات البرية تصبح مصدر قلق للحكومة و يثم مراقبتها عن كثب، لا سيما إذا تم استخدام الذخيرة الحية في هذه التدريبات. وفي المملكة العربية السعودية يوجد نظام محكم ومعقد للحصول على التصريحات اللازمة من القادة العسكريين للمنطقة وحكام المقاطعات، وكل منهم له قنوات متعددة لتأمين طرق الامداد، والحصول على الذخيرة، وإجراء التمارين، وهذا يعني أن نجاح اي انقلاب محتمل يتطلب عدد هائل من المتآمرين الموالين للانقلاب. لقد تعلمت الأنظمة العربية كيف تكون في مأمن من الانقلابات.
يتبع ………
(اميس انتمورا)
__________________________
طالع الأجزاء السابقة: