(ماذا يريدُ هيكل، وماذا يفعلُ الغنوشي، وما يتمنى مترى؟)
• تونس إلى الأمام، مصر الى الخلف دُرّ
نشرت صحيفةٌ فرنسيةٌ خلال الفترة الماضية كاريكاتير يُدلل على مأزقِ الربيعِ العربي في شمال أفريقيا، فما تراهُ الصحيفة: أن في تونس الشعب عرف طريقه، وأنه في مصر عاد القهقرى، وأنه في ليبيا دائخ. وتناقلتِ الأنباءُ أن الغنوشي يلعبُ دورَ اصلاحِ ذات البينّ بين الفُرقاء الليبيين، أما هيكل فقد نبهَ إلى أن الخطرَ على مصر يأتي من ليبيا وليس من سيناء، في حين قامَ مترى بزيارةٍ رسميةٍ إلى تونس كي يفُكَ الطريقة التي اتخذتها سبيلا لما بعد المرحلة الانتقالية.
قبل، أن ليبيا غير البلدين تونس ومصر من ناحية أنها دخلت في حرب لم تضع أوزارها بعد، وكان الشريكُ في هذه الحرب الأمم المتحدة مُتمثلة في مجلس الأمن وقراريه بخصوص حمايةِ المدنيين، إذا تم تدويل المسألة الليبية منذ 19 مارس 2011م وحتى الآن. وقبل أيضا، انتفض الشعبُ الليبي في فبراير 2011م بعد ثورتي تونس ومصر، وبالتالي فإن ما حدث في ليبيا ذا بعد اقليمي، وهكذا منذُ البدء كان للبعدين الدولي والاقليمي التأثير الاساس فيما حدث داخليا، بيد أن هذه البديهيات تستبعد منذ اللحظة الأولي من أي تحليل أو تفكير لاتخاذأي قرار، رغم أن هذين الاستحقاقين الفاعل الأول داخليا، وليس ما يتخذهُ الفرقاء الليبيين من تهم يكيلها كل للأخر كصاحب أجندة خارجية اقليمية ودولية، ليس هذا فقط دليلا على خصوصية المأزق الليبي، بل مؤشرٌ أن المسألة الليبية في لحظة استثنائية كما لحظة الاستقلال الاولى، حين كانت مصر وروسيا تضعانِ العصى في دولاب استقلال ليبيا.
• الجوكر اللاعب مُسيل اللعاب!
ثمة جوكر يُلعب ويجعل كل اللاعبين في أسره هو النفط.
وتتمظهرُالمسألةُ الليبيةُ في جعبة هيكل كخطر مزعوم على أمن مصر، في حين تتشخص في نظر الغنوشي كمسألة اعاقة في مسار الحوار الوطني وإن تم حقنها بمصل المسار التونسي الناجح فإن الاعاقة ستزول، و ما يريد مترى- أي الأمم المتحدة – أن يعتبره التشخيص الصحيح والدواء في حالة واحدة. لكن كما يلعب النفط كجوكر في المسألة الليبية يلعب غيابه عند الجارتين نفس اللعبة، في الحالة المصرية تقهقرت الثورة بضخ سيولة النفط الخليجي للجيش المصري ليستعيد المبادرة ويستعيد السلطة، أما في الحالة التونسية فالغنوشي كما السبسي شاهدا -وهما يعرفا موازنة تونس-أن الافلاس لا يدق الباب بل فتحه على مصراعيه، وفي كل الأحوال الجوع كافر كما التخمة. الجوكر هو ما قرأ الرائيان: هيكل والغنوشي، والبقية دخان، كل نار ما تعمى به الأبصار الكلّيلة، مترى كمندوب للأمم المتحدة يعمل على أن تعطى ليبيا ظهرها لشرقها كله، وأن تتخذ من غربها السبيل، بمعنى أن بوابة “بن قردان ” قد تكون بوابة الربيع العربي في غرب شمال أفريقيا.
• في وحدة ليبيا ضعفها، البلسم المرغوب!
شرق ليبيا ساحةُ العراك والجوكر لاعب رئيس، وليس التدخل العسكري الأمريكي في السيطرة على الباخرةِ المشبوهة ذات اللا جنسية إلا أيقونة فيها كما كل أيقونة سحر الفاعلين، الفاعل الدولي كما بطل هوليودي يتدخل ساعة الحسم، الفاعلون الإقليميون كل يرسل رسائله :هيكل المهدد، الغنوشي المصلح، وبوتفليقة في غيبوبة، فيما الفاعل الجنوبي يتحين الفرص وهو مجهول الهوية حتى الساعة. الفاعل المحلي :الاخوان محاصرون بشارع يرفضهم جملة وتفصيلا، والتطرف سكين ذو حدين، محمود جبريل شيطان الاخوان يرجمونهُكى يوهمونه بالفاعلية التي فقدها وتسربت من بين يديه، فصار يلعب الدور ما منحه له خصومه، أما ما يسمى التحالف فقد ولد ميتا، النخبة الليبية كما الشارع الذي خرج من عقود أربعة عجاف ففقد البوصلة وكاهله مثقل، لكن الشارع يستمد قوته من الماضى فهو ضد كل من يذكره به:نظام القذافي ما لم يسقط بعد بكل تنويعاته وحربيته. هكذا الفاعل المحلى فاعل مغيب وتلفزيوني وحاصل في هذه المذبحة التي تدُك أركانه وتمزقه. لكن المسألةَ الليبيةَ كما مسائل عدة يضيقُ أفقها فتعكس ضيقها، سوريا تفعلُ فعلها في لبنان، وتركيا كما في اسرائيل، العراق مأزقٌ خليجي وايراني، وسلاحُ ليبيا كما يقال خطر على أمن مصر قبل خطر اسرائيل وغزة وسيناء معا، وحين تكون مُعضلة الجميع تكونُ حلاً للجميع، هكذا تتجمعُ زوابع الصحراء الليبية الكبرى التي هي منبع الجوكر، وفي النفط تكون وحدة ليبيا كما فيه مُكنة تقسيمها الذي إن كان يبدو سهلا فإن ارادة الليبيين مدعومة بإرادةٍ دولية تجعل منه الحلَ المُستحيل، يقولُ القائل : لماذا المستحيل؟، وأقول لأنهُ في وحدةِ ليبيا ضعفها، وفي تقسيمِها قوةُ القنبلةِ الانشطارية التي تنفجر ثم تتفجر في متتاليات ليس الاقليم الشمال (المتوسطي) بقادر على لملمتها لضعفها وقوة فاعليتها، ليبيا كما لبنان – ولعل مترى خيرُ شاهد على ذلك – وجودها بحالها خيرُ لكلِ الأطراف من احتمالاتٍ مُفتوحة دون أفق.
__________________
إفتتاحية صحيفة “ميادين” السنة الرابعة… العدد (152)… 08-18 أبريل 2014