المقالة

ذكريات سينمائية في البيضاء الليبية

عبدالسلام الزغيبي

السينما المفتوحة لارينا جاردينا. الصورة: عن الكاتبة.


كانت السينمات أو دور العرض منتشرة في المدن الليبية الكبيرة مثل طرابلس العاصمة وبنغازي ومصراته ودرنة وطبرق واجدابيا.

في مدينة طرابلس، كان هناك سينمات صيفية مفتوحة، منها سينما الغريانى بشارع الوادى، وسينما الأرينا جوردينوا- بشارع حسّونه باشا ما بين شارع الاستقلال و شارع 24 ديسمبر ،و سينما الكورسو الصيفى- خلف مصرف الصحاري الرئيسى و مدرسة هايتى، و منها المغطاة التي تعمل طوال العام، وكنت اتردد على أغلبها أثناء زياراتي المتعددة للعاصمة في سنوات السبعينات، ومنها سينما الحمراء (الهمبره)، وسينما ومسرح الودان، و سينما ريفولى، و الكورسال، و ريكس، وريفولى، و قابي، و سينما الميرمارى، و سينما المتروبول، و الاوديون ، وبلازا ، وسينما الغزالة، و سينما و مسرح الكشاف و غيرها من السينمات، ولا نستطيع أن ننسى  أقدم السينمات في طرابلس  وهي سينما النصر فى سوق الترك.

وقد لعبت هذه السينمات دورا كبيرا في توعية الناس ونشر الثقافة الفنية، الى جانب عرض الأفلام السينمائية تم عرض أعمال فنية مسرحية وغنائية على مسارحها، و من أهم مشاهير الفنّانين الذين زاروا طرابلس و قدموا برامج فنية فى دور العرض هذه (فريد شوقى، و فريد الأطرش، و محمد عبد الوهاب، و عبد الحليم حافظ، و عبد الوهاب الدوكالى، و أم كلثوم،،، وغيرهم.

وفي مدينة بنغازي كان هناك، سينمات (دور عرض)، نظيفة، حتى الشعبية منها، كانت مقاعدها نظيفة ومرتبة ومنظمة، وفي بعض دور السينما كان هناك مكان للعائلات.

من هذه السينمات، سينما البرينيتشي (دار عرض بنغازي) واشتهرت بفخامتها، وكانت في بدايتها عام 1928، مسرح وطني ثم تحولت إلى سينما، وسينما ريكس (المجاهد)، التي كانت متميزة بنظامها، واختيار مكان الجلوس بالارقام، وأفلامها الأجنبية، وسينما الحرية (المسرح الشعبي)، والزحام على شباك قطع التذاكر خاصة في أفلام هرقل وماشيستا، وسينما النهضة، وافلام اسماعيل ياسين ووحش الشاشة.

وكان هناك سينمات أخرى، مثل سينما هايتي والنصر في منطقة الفندق البلدي، وسينما الشعبية في بن يونس، والوحدة في بوزغيبة، وسينما الشرق في الصابري، الأندلس والزهراء والهلال في البركة، النجمة في ميدان الشجرة، سينما الحمراء في سي حسين، سينما ليبيا في الماجوري، 9 أغسطس في ميدان البلدية في بعض السينمات كان هناك موقف لأصحاب الدراجات الهوائية (البشكليطات)، وهو عبارة عن عارضة حديدية طويلة مقسمة إلى فتحات تتيح وضع العجلة الأمامية للدراجة.

كانت الناس تهوى الذهاب إلى السينما، وتتعرف على الأفلام من خلال الجرائد اليومية التي كانت تصدر في بنغازي، وتخصص مكان في أحد صفحاتها اسمه (أين تذهب هذا المساء)، وكانت القاعات ممتلئة على أخرها، لأنها كانت الى جانب مشاهدة مباريات كرة القدم، من وسائل الترفيه المتوفرة في ذلك الزمان، مثل الراديو والتلفزيون، والمقاهي، والتمتع بمشاهدة الأفلام المصرية وأفلام الكاوبواي، وأفلام الكاوبوي (الطقش) والعيل (البطل) الذي يتفوق على الجميع، وغيرها… والأفلام الهندية، وهي هواية حرم منها سكان بنغازي منذ سنوات.

وفي مدينة طبرق كان هناك سينما هاييتي وكانت تسمى أيضاً بـ “سينما العمال” والكائنة في وسط المدينة، وتغير اسمها إلى هاييتي تكريماً لدولة هاييتي ودورها في التصويت الشهير نحو استقلال ليبيا.

وشهدت دار عرض هاييتي أو “سينما حلمي” – (نسبة إلى صاحبها حلمي طاطاناكي مالكها ومؤسسها)- عروضاً لأفلام سينمائية نادرة عربية وأجنبية.

وفي مدينة درنة كانت هناك داران للعرض، سينما سليمان الزني وسينما التاجوري، وفي منتصف الستينيات افتتح مفتاح بوخطوة دار عرض رويال. وكان هناك سينما صيفية، صاحبها الزني.

في مدينة البيضاء، وحتى بداية السبعينيات من القرن الماضي، كان هناك ثلاث سينمات في مدينة البيضاء التي تقع في الجبل الاخضر، شرق مدينة بنغازي، الأقدم وتقع فيما يعرف بالسوق القديم او السوق الفوقى، على مقربة من مقام سيدي رافع الانصاري، وصاحبها هو عضو مجلس الشيوخ في العهد الملكي بوغندورة، وأطلق عليها عامة الناس أسم” سينما بوغندورة” ثم افتتح عضو مجلس النواب والوزير محمد بوربيدة سينما فى عمارته خلف البريد الرئيسي القديم مباشرة وسط المدينة وسميت “سينما بوربيدة”..

وعندما ذهبت للإقامة هناك نهاية السبعينات، في القسم الداخلي من معهد البريد للاتصالات السلكية واللاسلكية، أتذكر أني كنت أتردد على اثنين منها” ابوحليمة وبوربيدة”، انا ورفاقي في المعهد،باعتبارها وسيلة الترفيه الوحيدة في شتاء المدينة البارد جدا،  الى جانب ممارسة كرة القدم في فناء المعهد، وكنا نفضل أن نذهب بشكل جماعي في الأمسيات على الارجل وهي مسافة ليست بعيدة، مع الصحبة والحكايات، متسلحين الملابس الشتوية الثقيلة، التي تصل إلى حد ارتداء الملابس التقليدية الشعبية الليبية وفوق منها نرتدي،عباءة الصوف الثقيلة لنتقي البرد الشديد، ونتوجه الى سينما في المنطقة الشرقية من المدينة،كان اسمها سينما”ابوحليمة” نسبة إلى صاحبها علي ابوحليمة الدرسي، وشريكه  بعيو ، التي كانت تعرض  أفلاما أمريكية حربية، وأفلام كاوبوي إيطالية، و افلام طرزان أو هرقل أو شمشون الجبار،وأفلام عربية تجمع بين الفكاهة والصراع الأبدي على المحبوبة ومشاهد فتوة الشاشة فريد شوقي و غريمه الأبدي محمود المليجي، أفلام فريد الاطرش وعبد الحليم حافظ،.و نوادر إسماعيل يس..

كانت تذكرة الدخول في متناول الجميع، وكان هناك تخفيض للطلبة، ويتم تمكين من جاء متأخرا بعد بداية العرض من الدخول مجانا، وإذا صادف وقدمت مجموعة مع بعض، يدفع البعض منهم الرسوم فقط، فالجميع في هذه المدينة الصغيرة يعرف بعضه البعض، بحكم التصاهر والقبيلة.

الطريف في الموضوع أنك تدخل بتذكرة واحدة تتيح لك المكوث حتى موعد إغلاق السينما، والتنقل بين الجزء الأرضي والعلوي، وفي كثير من المرات كنا نجد رواد السينما يغطون في النوم على كراسي الطابق العلوي من السينما، كذلك الشراب والأكل مسموح به، وكان الشئ المدهش والأكثر طرافة هو الملصقات” افيش، بوسترات” أمام الباب الرئيسي للسينما، حيث شباك قطع التذاكر، وحسب ظني أن أدارة السينما الى جانب ملصقات الأفلام المعلقة المكتوب فيها بخط عريض اسم الفيلم والمخرج وأبطال الفيلم ،وغيرها من التفاصيل،  قد اتفقت مع احد الأخوة الظرفاء في المدينة من أجل كتابة عبارات تغري الزبائن للدخول لحضور عروض السينما المختلفة، فقد كان يتفنن في اختيار عبارات فكاهية وشعبية في نفس الوقت لجذب المشاهدين مثل: فيلم عركة وطقش، لا يفوتك مشاهدته، فيلم رعب رهيب وتخويف، فيلم أثارة خطير وتشويق،فيلم غموض وجريمة، فيلم ضحك، وغيرها من العبارات الظريفة الأخرى.

صحيح ان ملصقات الأفلام تعتبر من أهم وسائل الدعاية للأفلام في ذلك الوقت، لكن صاحب القفشات والتعبيرات الظريفة، ساهم بطريقته مساهمة كبيرة في تقديم إضافة للملصق الملون ولفت انتباه جمهور السينما ومحاولة إقناعه بمشاهدة الفيلم الذي يتم الإعلان عنه…

الملصق هو أول أداة لنشوء علاقة بين المشاهد والشريط السينمائي، وهو بطاقة دخول المشاهد إلى الصالة قبل شباك التذاكر. كان الملصق الملون بطريقة حادة وبراقة وجذابة يروج للأفلام العربية والأجنبية ويلعب دور صلة الوصل الأولى بين الفيلم والمشاهد قبل دخوله صالة العرض.. وأحياناً يكون لرسام الملصق قدرته على خداع المشاهدين من خلال اللجوء إلى أبراز مشهد ساحر أو مغر حاله في ذلك حال كل إعلان تجاري يعتمد على الصورة والكلمة معاً كل منها يحاول تفسير الآخر.

الآن ومع مرور الزمن ستغدو الملصقات السينمائية القديمة ثروة ثقافية فنية يتم عرضها في المناسبات والتظاهرات الثقافية والفنية والسينمائي.. تلك الملصقات القديمة التي لم يعد لها وجود لاندثار دور العرض السينمائي في مدينة البيضاء وبقية المدن الليبية باتت أشبه بمشاهد حنين إلى زمن غابر، حاملة في طياتها إشارات إلى تحولات طرأت على عالم السينما والصورة والرسم والمجتمع بأكمله.

مقالات ذات علاقة

حوار بين ناقد مبتدئ وناقد بروف

عادل بشير الصاري

الوهمُ الشعري

يونس شعبان الفنادي

وطــن

الشريف بوغزيل

اترك تعليق