إنّ من أهم المعايير، التي يُحتكـَم إليها لاستبيان مدى جمال الصوت، ه وأنْ تستمع إلى صاحبه، وه ويؤدي العمل الغنائي من غير استناده إلى المجموعة الصوتية ( الكورال ) وهذه الأخيرة، ليست كما ( الكومبارس ) المعروف في الفنّ السابع، إذا تشكـّل على هيأة مجموعات من المارة في خلفية مشهدٍ سينمائي ما، أ والمتجمهرة على هامش مشهدٍ ثان ٍ، فللمجاميع الصوتية دورٌ فاعل أعمق الفعل، في إضافة الزخم الصوتي اللازم إلى العمل الغنائي، وخصوصاً في أداء الملاحم الوطنية، والموشحات الأندلسية، وهي من أبرز طبوع الغناء العربي المُعتـَرف به، فهي غالباً ما تـُؤدّى بأسلوب جماعي وإنشادي، وقد يُستمَع في أحايين كثيرة إلى عمل ما، يبرز فيه صوت ٌ يتميز بجوابٍ عال ٍ، يُضفي على الغناء حلاوة مُستحسَنة، تدركها الآذان بيسر ووضوح، لكون هذا الصوت، يظهر بين أصواتٍ أخرى متشابهة فيما بينها، وه ومن يتباين عنها في حدته وعلوه، كأنْ يكون صوتاً نسائياً بين زحمة أصوات رجال، المُصطفـَّة حناجرهم على شكل صفين أ وأكثر.
ولوعرفنا حقيقة معنى الصوت الجميل، لأدركنا أنّ من العسر بمكان، نقد الأصوات الموجودة واستخراج الجميل منها، أي معرفة الصوت الحقيقي من الرديء، لأنّ معنى النقد في اللغة، ه والتفريق بين العملات النقدية الحقيقة والمزوّرة، فالصوت الحسن في فنّ الغناء لا الإلقاء ولا الخِطابة، ه وذلك الصوت المتكامل الأبعاد، والصحيح الطبقات – العُليا والوسطى والمنخفضة – ه وذلك الصوت السليم النبرات، والواسع المساحة، والناطق للحروف بشكلها الصحيح، لجهة مخارجها الفعلية، بإعطاء كل حرف حقه، ه وذلك الصوت الذي لا ترتفع فوقه الموسيقا البتـّة، وإنما يظل محافظاً على نسقه المرتفع على المعزوفات طيلة زمن الأغنية، حتى من غير استعمال مُكبِّر الصوت.
وليس بالضرورة أبداً، أنْ يكون الصوت الجهوري القوي صوتاً جميلاً في فنّ الغناء العربي، طالما أنه بعد عن الأداء بالإحساس وعن الانغماس في اللحن حتى القاع – كما ه وصوت الفنان المصري ” علي الحجار ” الذي أُشتهـِر بقوة وعل وكعب صوته، غير أنّ ما يُعاب عليه، ه وضمور نبراته وضعف الأسر لديه – وإظهار العُرب العربية ومحاسن الجمال الكامنة فيه، فيصبح الصوت إذا تجرّد من هذه الجماليات كلها، كما صوت الخطيب في وقعه على المسامع ؛ فالصوت الجميل الذي يصل بالمتلقي إلى طبقات الطرب العُليا، يجب أنْ تجتمع فيه الخصائص المذكورة أنفاً كلها، وإلا فسوف يغد وصوتاً ناقصاً، لا نستطيع أنْ نرميه بالصوت الجميل، لذا نجد من هم على إحدى هذه العـِلل من الفنانين، وقد اعتمدوا على تقنية ( الكورال ) الذي يستكملون به ما تفتقده أصواتهم غير المتكاملة البهاء، وخاصة منهم من ه ومصاب بتقاصر في الأنفاس وبارتعاش في النبرات، فنراه من وقت لآخر، يُريح حباله الصوتية المتراخية، عندما يُسلّم بالغناء للــ (الكورال).
فثمة أصوات عربية كثيرة، اشتهرت وحسبها البعض على الأصوات الجميلة، وه وبذلك يسيء للجيل السابق من زمن الغناء العذب، الذي كان يُصنّف الأصوات التي ستجيء أسماؤها فيما بعد كأمثلة على ذلك، على فنّ (المونولوجست) لا كما تعتبر الآن، كالفنان العراقي ” كاظم الساهر ” الذي أحسبه على فنّ التلحين أكثر مما أحسبه على الغناء، لانتفاء اكتمال خصائص الجمال في صوته، الذي يفقد توازنه في الطبقات العليا ويختنق كأنه عند عنق زجاجة، يتأرجح بين الخروج والرجوع من حلقه، وكذلك الفنانة المصرية ” أنغام ” والفنان التونسي ” صابر الرباعي” وغيرهم المزيد، ولكي تستجلي صحة ما ذهبت إليه بخصوص هؤلاء الفنانين، ما عليك أيها القارئ المستمع، إلا أنْ تـُطبّق عليهم أحد المعيارين، فإما أنْ تحاول أنْ تجد لهم أغنيات، قد قدّموها من غير الاتكاء على (الكورال) وإنْ وجدتها، فسوف لن تعثر لنا عن أغنيات أخريات لهم، أدّوها من دون الاستعانة بتقنية مُكبِّر الصوت.
وفي ليبيا هناك صوتٌ مدربٌ وجميلٌ – وصفة الجمال هنا، تتضمن كما ذكرت في البداية، قوة الصوت كذلك – لطالما أسعد وأسر بحضوره مستمعيه من الأجيال جميعها، بأعماله الرائعة والرائدة، مثل (غزال الريم) و(الوفاء يا ريدي) ألا وه وصوت الفنان ” عبد اللطيف أحويل ” الذي عُرِف عنه الغناء من دون مُضخِم ولا ناقل صوت، وإلى جانب القوة التي يتمتع بها صوته، الخصائص التي أوردتها أنفاً، التي مكّنته من أنْ يبرز صوته إلى جانب صوت آخر يناقضه في الطبقات، ه وصوت الفنان الشاب ” خالد عبد الله ” في فرقة المألوف، وفي برنامج ( أسماء الله الحسنى) – الذي لحنه الموسيقار العبقري ” محمد عطية ” – فضلاً عن موهبته اللحنية، التي اكتملت، حينما أثمرت عن تلحينه لأغنية (صبّح عليك الورد) التي غنّاها له ولنا، الفنان الراحل “نوري كمال”.
بنغازي – ليبيا: 31 / 3 / 2009