المقالة

“هات الشّنطة”… لنتسكّع في “شـــارعنا القديـــم”

218

تبقى الذاكرة مرتعا خصبا للطفولة بكل تفاصيلها، فنكبر ونبتعد بالعمر عنها، لكنها تأبى أن تفارقنا لتطل برأسها الجميل مع أول نسمة تهب من الماضي، فكم تسكّعنا في “شارعنا القديم”، عندما دعتنا “عيدة الحرابي” لذلك، لتكون كل شوارعنا مسرحاً للأحلام، وكم أذهلَنا “حسين” الشاطر، الذي لم يخيب ظنّ والده يوما، فظنّ كلّ طفل ليبي أنه “حسين”، وكل فتاةٍ تصوّرت أنها “زكية”، كلما استمعنا للراحل “محمود السوكني” وهو يقول بحُب وثقة:
هات الشنطة تعال ورّيني إيش خديت اليوم يا حسين
عارفك شاطر وتهنيني ديما مذاكر درسك زين

أما البارع الذي روّض شراسة الطفولة فينا، وحوّلنا إلى كائناتٍ وديعة تتسمّر بالساعات أمام شاشة تلفزيون القناة الواحدة، فهو الجميل “جابر عثمان” الذي جعلنا نغازل مدارسنا اعترافا بالفضل، فغنينا معه “مدرستي”، وميّزنا في أغنياته جمال الكائنات، فمن “ديكي الملوّن” إلى “أرنب أحمد”، حتى وصلَنا معه إلى حدّ مرافقة “حبّة القمح” في رحلة البزوغ والعطاء، ولعلّنا اختبرنا للمرة الأولى، كيف نرسم الجمال لأنه وحده يليق بالأوطان، فهو من حثّنا على ذلك عندما همس في قلوبنا “هيا نرسم أجمل زهرة”.

ويظل درسنا الأول في العشق، هو ماقدمته لنا موسيقى “علي ماهر” بصوت الفتى “وليد الكور” في الأغنية التي أجْرتها لهجتها الليبية البسيطة على ألسنة كل أطفال الوطن، وحتى الكبار، لارتباط ظهورها بحروب خاضها الوطن مرغما، فتحسّسنا الخطر في عيون الأمّهات وفي أحاديث الجيران، لنتمنى أن “نقود الطيّارة” يوما، لنكون طرفا في معركة الوجود ودرء التجهّم عن محيا الوطن الغارق في المأساة، ومهما كبرنا، سيظل شارعنا القديم الحديقة الخلفية لأمنياتنا، وسنحلم أن يصبح أطفالنا في شطارة “حسين”، وسنتمنى دائما أن يحظى “جوّ” الوطن وبرّه وبحره بالسكينة والأمان.

مقالات ذات علاقة

السؤال الأخير .. قبل أوانه

يوسف الشريف

تحول الهويات واللغات في عصر الذكاء الاصطناعي

أبوالقاسم المشاي

كيف تصبح أديباً في أسرع وقت

مفتاح العلواني

اترك تعليق