بعد صلاة العِشاء والانتهاء من وجبة العَشاء، جرت العادة في القرية أن يلتقي بعض الرجال أمام دكان القرية الوحيد، والذي يجمعهم هو تقصير الليل، والاستماع إلى ما هو جديد في البلاد الخارجية من خلال راديو الدكان.
صاحب الدكان جاء إلى هذه القرية قبل سنوات، وشيد الدكان من الطين وسقفه من جريد النخيل، وفرح أهل القرية بذلك، لأن هذا الدكان وفر عليهم الذهاب إلى القرى المجاورة لشراء حاجاتهم البسيطة..
الدكان من الدخل به عدد من الأرفف البسيطة، قديمة جدًا، صنع بعضها من الخشب، جلبها صاحب الدكان الحاج علي. جل ما يباع هو الشاي الأخضر والسكر، إلى جانب الكتان أو القماش، وزيت الزيتون والمضغة، وهي نوع من التبغ، إلى جانب نوع واحد من السجائر..
كما يوجد بدكان القرية فنار إضاءة واحد وطاولة وكرسي خشب قديمان جدا، واضح عليهما الترميم الدائم، وفرشة حصير مهترئة من كثر الجلوس عليها…
الحاج علي اختار مكان الدكان قريباً من الطريق، حتى يكون قريبًا من المسافرين، ويستطيع أهل القرى الأخرى الوصول اليه..
يقوم الحاج علي بإشعال النار وتجهيز عالة الشاي وهو فرحان، ويأتي بالراديو الذي يملكه والوحيد في القرية، وعندما يقوم بتشغيله يسمع الناس صوت الموجات وهي تتبغبغ….
يرحب الحاج على بضيوفه الدائمين، يجلسون، وتنطلق رحلة إعداد الشاي والهدرزة، تارة يستمعون إلى الراديو والأخبار، وتارة أخرى إلى الأحاديث وأخبار القرى الأخرى، يرشفون الشاي ثلاث مرات ..
الدكان كان محطة للسيارات العابرة، التي تأتي من الشمال إلى فزان، واستراحة لهم بعد عناء السفر وطول الطريق.. اعتاد الناس على الدكان، حيث يعتبر هو المكان الوحيد الذي يجدون فيه أخبار العالم السياسية والثقافية، إلى جانب ما يحدث في المدن من خلال سائقي السيارات التي كانت لاندروفر أو أوستين…
عندما ينتصف الليل، تنتهي رحلة الشاي وسماع الراديو، ويعود كل واحد إلى بيته بهدوء، ويخلد الجميع للنوم في شغف إلى ليلة الغد، للعودة إلى دكان القرية…