طيوب عربية

مع تجليات أوّليات الشعر ومصادره!! .. الشعر ديوان العرب

شناشيل

عزيزي القارئ الكريم:

مازال حديثنا موصولا مع جنة الأدب ومعيار الشعر العربي من خلال أولياته ومصادره ونشأته الغنائية وصناعة وفنونه ومذاهبه ومدارسه واتجاهاته وتحولاته مع العصور الأدبية..

وقد كتبت بضع دراسات وعدة بحوث منشورة عن ماهية الأدب وفن الشعر بأنواعه من قبل..

وفي هذا المقال أيضا بعد نظرات وتأملات ذاتية متوالية لتلك الفلسفة الاستكشافية مع مسار التناغم تناولا للسليقة والفطرة وروح التّعلم معا..

 مع منحنى معادلة الأخلاق والفكر والوجدان الذي يترجم لنا بواعث الإنتاج الأدبي الذي هو عنوان هذا الإنسان بين الواقع والخيال تعبيرا وتصويرا لتلك الحياة التي تحمل منعطفا مؤثرا في إطار الصراع والحلم في انطلاقة لها اتجاهات وتطورات نحو بناء معنوي ومادي شامل لكل ما يحيط بنا في تجسيد معالم الحقيقة بالكلمات التي تنطق بقيم الجمال والإبداع مع فنون الأدب ويبقى الشعر سيدها بموسيقاه التي تغازل الروح بين ملامح الرؤية هكذا..

فأولويات الشعر العربي في الجزيرة ربما قد بدأت مع ثورة التمرد منذ أن وجدت القبيلة بين البدو والحضر..

ومن ثم يمضي الإنسان يحمل مشاعر توظف تلك الأحاسيس والبواعث من أعماق التجارب بالكلمات..

بداية من الحداء إلى الغناء ثم النشيد في الحرب والحماسة وتتوالى صناعة الشعر حسب اللغة والتعبير والخيال والموسيقى.. ولذا تم ارجعه إلى قديما إلى مرثية( آدم وحواء ) في شبه أبيات شعرية عند مقتل قابيل لأخيه هابيل..

ويقال إن أول من أخذ في ترجيح الحداء هو (مضر بن نزار ) فإنه سقط عن جمل فانكسرت يده، فحملوه وهو يقول: ” وايداه! وايداه! “.

وكان أحسن خلق الله جرماً وصوتاً، فأصغت الإبل إليه وجدت في السير، فجعلت العرب مثالاً لقوله “هايدا هايدا” يحدون به الإبل.

وقالوا في أصل الحداء غير ذلك كما في ( كتاب العمدة) ولكنهم لم يرجعوه إلى ما قبل زمن مضر، وهي أقوال لا دليل عليها، وإنما جاءوا بها تأويلاً للفظ الحداء عند العرب.

ثم خرجوا عن هذا الوزن في الحداء إلى وزن الأصوات في الحروب، إذ كانوا في ذلك لا يجرون على نظام كنظام الأمم المتحضرة، ومن أجل ذلك كان طبيعياً أن تكون تلك الأصوات القوية مما تشد به القلوب على القلوب، وهم لا يمدحون.

ومهما يكون من تفسير:

فالشعر قديم في فطرة العرب ، ولكنا إنما نبحث في هذا الكلام المقفى الموزون، فهو بهذا القيد لا يكون شعراً حتى يكون قد استوفى صفة اللفظ، ولا يستوفيها حتى تكون الألفاظ قد مرت بها اللغة في أدوار كثيرة ؛ ونطقوا بهذا الكلام، وكيفية تم أجراه على ألسنتهم، كأمة وليس تقليدا لأمم أخرى بالمخالطة والجوار..

والعبرانيون قد يشترطون القافية دون الوزن، فيكون الشعر شبيها بالسجع عند العرب؛ فضلاً عن أن هذه الأوزان العربية ليست لأمة من الأمم.

قال ابن رشيق في ذلك:

“كان الكلام كله منثوراً فاحتاجت العرب إلى الغناء بمكارم أخلاقها، وطيب أعراقها، وذكر أيامها الصالحة، وأوطانها النازحة، وفرسانها الأنجاد، وسمحائها الأجواد، لتهز نفوسها إلى الكرم، وتدل أبناءها على حسن الشيم، فتوهموا أعاريض فعملوها موازين للكلام؛ فلما تم لهم وزنه سموه شعراً؛ لنهم قد شعروا به، أي فطنوا له”.

والخلاصة في أوّليات الشعر العربي:

لقد ارتبطت أولية الشعر العربي بذكر حرب البسوس ، تلك الحرب التي دارت رحاها بين قبيلتي بكر وتغلب منذ أوائل القرن الخامس الميلادي ، حيث ترجع إليها أقدم مجموعة من الشعر العربي التي تستند إلى مصادر صحيحة نسبيا ، لشعراء مشهورين في تاريخنا الأدبي كالمهلهل ابن ربيعة ، والمرقش الأكبر والمرقش الأصغر وجليلة البكرية وسعد ابن مالك والحارث ابن عباد وغيرهم أما قبل هذا التاريخ فيصعب فيه تحديد التاريخ الذي بدأ فيه العرب الأوائل ممارسة فن الشعر.

وعند هذا الحد تتوقف المصادر في البحث جملة وتفصيلا على الوضع المنهجي السليم دون تخمين، إلاّ أنّ ما بين أيدينا من مادة لا يساعدنا على أن نجزم برأي في هذه الأولية وكل محاولة يبذلها باحث لتحديدها إنّما تكون من قبيل التخمين.

 ومن ثم يقول مصطفى صادق الرافعي عند حديثه عن أولية الشعر:

 “وقد تصفحنا التواريخ العربية ، وأرجعنا ما نقلوه عن أهل الرواية وهم مصدر آداب الجاهلية وأخبارها، فرأينا أنّ ما كتبوه من ذلك إذا صلح أن ينقل فهو لا يصلح أن يعقل”.

ويقول المستشرق نيكلسون إنه:

“من المستحيل أن نثبت بأي درجة من التأكيد ، التاريخ الذي بدأ فيه العرب ممارسة فن الشعر”.

كما ذهب إلى الرأي نفسه كل من بروكلمان ، وكارلو نالينو.

وهذا عندما كنت أقرأ موسوعة تاريخ الأدب لأستاذنا الجليل د. شوقي ضيف رحمه الله.

ومن خلال الأولية الزمنية للمحاولات الناضجة أو مرحلة القصائد ، فإننا نجد كثيرا من القدماء يخصون المهلهل ابن ربيعة بفضل ريادة الشعراء أصحاب القصيد ، وفي ذلك يقول ابن سلاّم: “وكان أوّل من قصد القصائد وذكر الوقائع، المهلهل ابن ربيعة”. ويقول الإمام السيوطي: “أول من يروى له كلمة تبلغ ثلاثين بيتا من الشعراء: مهلهل ” ومعنى هذا أن المرحلة التي سبقت حرب البسوس كانت مرحلة مقطوعات وأبيات متفرقة ، وهو ما أكد عليه السيوطي في قوله: ” لم يكن لأوائل العرب من الشعر إلاّ الأبيات يقولها الجل في حاجته”.

وبعد رحلة قراءة ونقد وثائق في الشعر العربي ، فإنّ هذه النصوص ذاتها تلقى ظلالا من الشك حول ريادة المهلهل في إطالة القصائد فمن أوّل من أطال القصيد في الشعر العربي..

وقد ذهب القدماء في تعليل تسمية المهلهل – وهو عي ابن ربيعة – مذهبين: أولهما أنه أول من هلهل الشعر ، وذهبوا في توضيح معنى الهلهلة مذهبين أيضا:

– فقالوا حينا: هلهل الشعر ، أي أرقه ( من الرقة).

– وقالوا حينا آخر:

هلهل القصيدة بمعنى أطالها ، وهو أوّل من يروى له قصيدة تبلغ ثلاثين بيتا.

ونكتفي في هذا المضمار بهذه المحاولات كمقدمة ومدخل لمن أراد أن يستزيد.

وأولية الشعر الجاهلي بدأت عند العرب قبل الإسلام بحوالي 150سنة، إذ وثَّق الشِّعر الجاهليّ حياة العرب قديمًا، وتقاليدهم، ومعاركهم، ووصف طبيعة حياة البيئة الجاهليّة، وما تحتويه من جماد، وحيوان، إضافة إلى ذكر أسماء فرسانهم، وآبار مياههم، وغيرها من الأحداث، والمعلومات في الجاهليّة، كما اشتمل هذا الشِّعر على كل هذه الأنماط.

ثانيا مصادر الشعر العربي:

جمهرة أشعار العرب؛ وهي لأبي زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي. وتضم تسعاً وأربعين قصيدة طويلة موزعة على سبعة أقسام، في كل قسم سبع قصائد، والقسم الأول: خاص بأصحاب المعلقات، وهم امرؤ القيس، وزهير، والنابغة، والأعشى، ولبيد، وعمرو بن كلثوم، وطرفة؛ والقسم الثاني خاص بأصحاب المجمهرات وهي لعبيد بن الأبرص، وعدي بن زيد، وبشر بن أبى خازم، وأمية بن أبي الصلت، وخداش بن زهير، والنمر بن تولب، وعنترة..

كتب الحماسة لأبي تمام والبحتري موزعة على عشرة أبواب أكبرها باب الحماسة وشعراء الجاهليين والإسلاميين والعباسيين..

ثم كتاب الحماسة للبحتري مقطوعات قصيرة للشعراء أكثر ١٧٤ باب..

ولابن الشجري مختارات حماسة أيضا.

وكتابة الطبقات للشعراء

لابن سلام الجمحي والشعر والشعراء لابن قتيبة.

وكتاب العقد الفريد لابن عبد ربه.

ومن الكتب الجيدة التي تشتمل على شعر جاهلي كثير، كتاب “الكامل” للمبرد، و”البيان والتبيين”، و”الحيوان” للجاحظ و”أمالي أبي زيد”، و”أمالي أبي على القالي”، و”مجالس ثعلب”، وكتاب “المؤتلف والمختلف” للآمدي، و”معجم الشعراء” وكتاب “الموشح” للمرزباني.

وهناك أشعار جاهلية كثيرة مثبتة في كتب النقد، مثل “نقد الشعر” لقدامة بن جعفر، و”الصناعتين” لأبى هلال العسكري، و”الوساطة بين المتنبي وخصومه” للجرجاني، و”العمدة” لابن رشيق القيرواني.

وإذا كان الكثير من الدواوين المفردة، ودواوين القبائل قد ضاعت ولم تصل إلينا، فإن كتاب “الأغاني” لأبي الفرج الأصبهاني قد احتفظ بشعر كثير مع ترجمات غنية للشعراء من القرن السادس حتى القرن التاسع الميلادي، والحق أنه أكبر مصدر لتاريخ الشعر الجاهلي وأصحابه.

وبعض الباحثين قد أبدوا استغرابهم أن يكون الشعر الجاهلي بما فيه من فن متقدم وليد تلك المدة القصيرة التي يحددها الجاحظ بمائة وخمسين عامًا أو مائتين فقط قبل الإسلام..

 يقول أحمد حسن الزيات:

“وليس يسُوغ في العقل أن الشعر بدأ ظهوره على هذه الصورة الناصعة الرائعة في شعر المهلهل بن ربيعة وامرئ القيس، وإنما اختلفت عليه العُصُر وتقلبت به الحوادث وعملت فيه الألسنة حتى تهذب أسلوبه وتشعبت مناحيه”.

وما أكثر المصادر في عصرنا الحديث والإضافات لمعجم الشعراء والموسوعة الشعرية التي لها روافد وتوابع لا تتوقف أمامنا..

وقد سطر عمالقة الفكر والأدب صفحات مضيئة معاصرة لتلك المصادر والمراجع على سبيل المثال:

أحمد حسن الزيات في تاريخ الأدب العربي.

وجورجي زيدان ومصطفى صادق الرافعي ودكتور طه حسين و د. شوقي ضيف وناصر الأسدي.

وأخيرا تحمل بحور الشعر وموسيقاه ونقده مقطوعات كثيرة منه وكتب علوم اللغة المختلفة والدراسات الحديثة حتى يظل التواصل في ديمومة بين القديم والحديث في حلقة وسلسلة متلازمة مع الزمان والمكان والمحافظة والتجديد شكلا ومضمونا داخل معطيات الحياة دائما.

مقالات ذات علاقة

صورة أمي.. . صورة أمّتي*

حسين عبروس (الجزائر)

من إخناتون إلى موسى كتاب يضيء على التاريخ المصري القديم

مهند سليمان

لا يزال السهر زعلان

إشبيليا الجبوري (العراق)

اترك تعليق