المقالة

طقوس العيد الليبي .. عيادي وسنين دائمة

حلويات العيد (الصورة: عن الشبكة)
حلويات العيد (الصورة: عن الشبكة)

ترتبط المناسبات المختلفة وخصوصا الدينية في ليبيا بعادات وتقاليد تختلف من منطقة لآخري، وهى عادات تناقلتها الأجيال ابتهاجا وتعبيرا عن روح هذا العيد المبارك. تتميز ليبيا بتنوعها الثقافي ذات العمق التاريخي المتأصل جذوره في عبق التاريخ والمستمد من حضارتنا المحلية والحضارات الوافدة علينا. فليبيا تميزها يكمن في تنوعها الثقافي الحضاري الديموغرافي بتنوع مكونات المجتمع؛ عرب، أمازيغ، طوراق، تبو…

هذا التنوع شكل لنا نموذجا تراثيا خاصا لكل مكون، فثقافة وعادات وطقوس أهل الساحل غير أهل الوسط والجنوب. وهنا لابد لنا أن نقف لنؤكد أن طقوس الأعياد هي أحد روافد التراث الإنساني المحلي وغير المادي، مسترشدين بتعريف التراث الذي تعدد وتباينت الآراء حوله. فالتراث هو تراكم الإبداع الإنساني، ومجموعة تجارب الإنسان التي تغطي جوانب حياته وأنماط سلوكه المستمدة من العادات والتقاليد والأعراف المتوارثة جيلا بعد جيل.

مظاهر وطقوس العيد في ليبيا، تختلف من مكون عرقي لآخر ومن منطقة لأخري، وأحيانا الاختلاف يحدث بمنطقة بعينها. يتركز الاختلاف هنا في الملبس والمأكل والاحتفاء بهذا العيد.

التجهيز.. لم ننسي التسوق المحموم في الأيام العشر الأخيرة من رمضان، فجميع الأسواق تشهد تزاحم الأهالي لشراء ملابس العيد لكل أفراد الأسرة، ووفق السعة الاقتصادية والمتفاوتة بين الاسر. وللمرأة الليبية النصيب الأكبر في الإشراف والاقتناء والعناية بجمالها، فمعظم كوافيرات ليبيا تشهد تزاحما مشهودا.

تحرص الليبيات علي تهيئة منازلهن بشراء النواقص، وتغيير بعض المفروشات والنظافة العامة. وليلة العيد يضعن اللمسات الأخيرة ليصبح البيت جاهزا للاستقبال. وفي الماضي القريب كانت النساء يتجمعن في أحد بيوت الجارات لإعداد الحلويات، ويحمل الأطفال سفر الحلويات إلي المخابز العامة في جو من البهجة، ولا أنسي هذه المتعة لأني عشتها في رمي الحلويات في كوشة فشلوم ولكن هذه العادة أصبحت من الماضي.. وكانت الأمهات تعمل علي تزيين كفوف بناتهن بالحناء.

أما الرجال، فمهمة البعض تنظيف المساجد والساحات وتفريشها في الساعات المتأخرة من ليلة العيد لاستقبال المصلين يوم العيد.

يبدأ العيد بالتكبير من مكبرات المساجد، صوت التكبير له وقع طيب مهيب في نفوسنا جالبا للبهجة.

أجواء ليلة العيد بمدينة بنغازي، شارع 20 (الصورة: عن الشبكة)
أجواء ليلة العيد بمدينة بنغازي، شارع 20 (الصورة: عن الشبكة)

والطقوس الليبية في العيد، سأتناولها بالتناوب: التحايا، الصلاة، المأكل، الملبس، طقوس دخيلة.

أولًا التحايا: وهي العبارات التقليدية المتوارثة في المجتمع، التي تختلف كلًا حسب المنطقة والعرق. في طرابلس العاصمة العبارات المتداولة (عيادي وسنيين دائمة، من العائدين الفائزين، عقبي داير). أما أهل الطوارق فالعبارة المتداولة (اساروف ) وتعني التسامح والمغفرة. أما أهل غدامس فترانيم البنات .(الله اللة ديد السماح).

ثانيًا الصلاة: يستقبل الليبيون العيد بجو من البهجة والفرح، وهنا نوضح إننا كشعب نتشارك مع تونس والجزائر في تسمية عيد الفطر باسم العيد الصغير، وعيد الأضحى العيد الكبير، عن سائر الوطن. يلتقي الرجال في الساحات والمساجد لأداء الصلاة ويتصافحون ويتسامحون ويعودون للبيوت فرحين، تكون في استقبالهم النساء بالبخور.

تحتل صلة الرحم المرتبة الأولي في المعايدات، ومن العادة زيارة لبيت أهل متوفي حديث كنوع من المواساة والمشاركة. ومن الطبيعي كبار السن في العيلة والجيران لهم الأولوية فيزور أفراد العيلة بيت الجد وما في مقامه. ومن العادات المحمودة، صحن الود، حيث الأهالي يحملون أطباق الذوقة من الحلويات، وعند عودتهم يرجعوا بصحن مشابه، والذهاب لمدينة الألعاب.

ثالثًا العيدية: وهي مبلغ مالي يخصص للأطفال، فالمصلين يحملون مبالغ لإعطائها لكل من يقابلهم. بعد الصلاة تطوف أسراب الأطفال بلباسهم الجديد وكامل زينتهم للبيوت وأخذ العيدية. وهنا تتنوع العيدية بين نقدية وعينية؛ ألعاب، سكاكر. في غدامس توزع قلية وهي (قمح وسمسم وكتان محمص وسكاكر ملونة) .

لباس العيد للطوارق في ليبيا (الصورة: عن الشبكة)
لباس العيد للطوارق في ليبيا (الصورة: عن الشبكة)

رابعًا الأكلات: كما ذكرنا تتنوع الطقوس بتنوع المكون الثقافي العرقي. في مدينة طرابلس مسقط رأسي وإقامتي، يفطر أهالي مركز المدينة عن الضواحي، فنحن نفطر علي الحوت (السمك)، والبعض يفطر علي 7 زبيبات. وتكون المائدة مجهزة بكل أصناف الحلويات التقليدية: البقلاوة والمقروض والغريبة الدبلة والكعك والفطيرة بالعسل والقهوة والشاي والمشروبات علي مدار اليوم.

الغذاء المتوارث بطرابلس فاصوليا بلحم الضأن، ومبطن وكفته وقلاية وفطيرة، رائحة السمن البلدي من فم الباب تشمها. وعادة الفطيرة كانت تجهز في الساعات الأخيرة من ليلة العيد.

أما المناطق الجبلية فغدائهم، فتات أو بازين، ويفطرون علي الخبز المخمر خبزة التنور. أما المناطق الصحراوية؛ فغداء أهالي الطوارق الملوخية، أما أهالي أوباري فطبقهم مرق لحم الضأن وخبر التنور. أهالي القطرون في أقصي الجنوب يفطرون علي التمر المطحون بالارابا، وهي مستخلص من الحنظل المر. أهالي المناطق الشرقية يفطروا علي العصيدة بالرب مباشرة عقب عودتهم عقب الصلاة.

خامسًا الأزياء: في طرابلس الكبار يلبسوا الزبون، أما الأطفال، فالبنات الفيلوات قبل، والصبيان البدلة الرسمية البنطلون والجاكيت وربطة العنق. أما لباس رجال الطوارق بدلة عربية عليها جلابية مطرزة تطريزا خاصا وغطاء راس تقليدي.

سادسًا الطقوس الدخيلة: عادة السفر خارج البلد أيام العيد، أو الانتقال للترفيه في المنتجعات السياحية. وإقامة حفل المعايدة في المؤسسات الرسمية.

وأخيرا رغم المحن التي مرت بها ليبيا، إلا إننا مازلنا متمسكين بإقامة هذه الطقوس.

وختامًا (لا باس علي سبار الناس).

كل سنه وأنتم بألف خير.. وعقبال داير

12.5.2021م

مقالات ذات علاقة

البنغازيون وربيع الأول..!

امراجع السحاتي

لعنة الحنين

فتحية الجديدي

الكفر الذي يناب عليه

عادل بشير الصاري

اترك تعليق