المقالة

المثقفون الجدد والمشهد الثقافي (1)

 

يشهد الأفق الثقافي منذ فترة لا بأس بها (بضع سنين) تجليات وومضات مشرقة، تطل وتشع وكأنها بوادر فجر يبزغ سيعلن عن نهار، فهل جادت أغصان الزيتون وامتلأت عراجين النخيل واستوت سنابل الشعير في وديانها؟!.. رغم حدة وقسوة شوكه وصبره على الماء، يزهر التين على ثمره.. إنها تأكيدات الخصوبة وجماليات الثمار.

لا يظنن أحد أن الجفاف دائم، أو أن العقم أبدى، لا يكون التكلس خاصية تمس البشر الأخيار أحفاد العلماء والصالحين نسل المجاهدين الأبطال، سلسلة الإنتاج الحضاري متصلة، وإن تباعدت حلقات الإبداع فيها، فمدينتنا درة مضيئة تنير وإن خفت ضوؤها تشع وتبهر متى تألقت إنها صفحة مدادها نور في سفر الوطن المستور والمشهور.

ما قصدته ووصفته بالفجر الجديد والإشراقات ما هي إلا مقدمات وملامح لصياغة حداثية للمشهد الثقافي الليبي ينهض بها ثلة من المجتهدين والمبدعين بذاتية شبه مطلقة وباختراقات مبتكرة كما أن وسائل الإنتاج وأدوات الفعل تبدو هي الأخرى غير تقليدية.

هذا الحراك الذاتي طال حقول وأغراض شتى للمجهود الثقافي الجديد المشاهد والذي أدهش المتابع النشط وكل المهتمين بالشأن الثقافي المحلي وربما حرك لدى البعض منهم رغبة في التحليل والكشف عن حقيقة ما يجري ورصده.

وبغض النظر عن معايير التجويد لما يطرح من إنتاج ثقافي لاشك انه سيحققها بالتراكم في الإنتاج والتوسع في الأدوات وفتح أفاق مناسبة لاستقبال النتاج وتداوله في المستقبل وقبل هذا وذاك يجدر بنا الوقوف عند هذا السؤال

السؤال: هل ما نشاهد ونسمع حقيقة أم سراب؟

الإجابة: بكل تأكيد نعم فنحن نشاهد صورة ونسمع صوت ونسترجع الأصداء.

كما أن استرجاع وتدارس التجارب والنتاجات السابقة للمثقف الليبي في سياقها الزمني وظرفها البيئي الثقافي والاجتماعي والسياسي تؤكد على تميز المرحلة الراهنة من حيث التوصيف والنتاج والشخوص والمدارس والمناهج، يضاف إلى ذلك ما يستفاد من إعمال المقارنة الإقليمية لما يطرح من مثقفينا الشباب وما يطرح في أقاليم أخرى، وهنا لازالت متمسكا بالقول بأنني أتحدث عن فضاءات خاصة ونتاجات ذاتية لا استدعي ضمنها امتدادات رجالات السبق والريادة في الثقافة الليبية إجمالا ولا اعني بها مخرجات ومفاعيل المؤسسات الرسمية القاصرة والفاشلة دائماً في إحداث بعث ثقافي حقيقي، لاقتناعي بان هذا الأمر لا يمكن إخضاعه للمؤسسات الحكومية اعتمادا على نتائج الفشل المعروفة عالميا وأيضا بالنظر إلى التجارب الأهلية والشخصية الأكثر نجاحاً في بقاع شتى من العالم، كما أن المثقف الحقيقي يدرك أن العملية الإبداعية إجمالا بات من المستحيل قولبتها أو تأطيرها لاستيفاء أجندات غير إبداعية لأنها سوف تفقد حتما شرعيتها كعملية ذاتية داخلية تتوجه بوحي إرادتها ولا تدار من خارج قدسها الشخصي الفردي [شرنقة النمو والتخلق]، وسوف يؤدي أي حصار أو استحواذ عليها إلى فقدانها أيضا لمشروعها الإنساني المجتمعاتي، أي توجهها نحو مجتمعها المحلى والمجتمع الإنساني اجمع وستعلن إن فعلت عن العقم القابع في عقول مريديها ومديريها.

الثقافة والمشتغلين بالهم الثقافي هم واقع في الحال أناس يمارسون التفكير والقراءة والكتابة والرسم والتصوير ليس لأجل أنفسهم فقط ولكن لإحداث مناخات وبيئات مفترضة ومثلى لحياة إنسانية أفضل، أنهم يصنعون حياة من عصارات الفكر ومستلهمات الكتابة وإيحاءات الواقع مستشرفين أفاق جديدة.

مما سبق نجد من اللائق والمناسب أن نستشعر السرور ونستبشر بجهود فرسان المقدمة الذين يشقون سحب الظلام والضباب ويقدمون إبداعهم على منصات صنعتها ذواتهم واجتمع حولها وحولهم من يستلذ نتاجاتهم، وهذا ما نراه ونسمعه في بعض الصحف والمجلات المحلية التي صارت تبتعد إلى حد ما عن الخطاب الرسمي التقليدي المؤسساتي الذي يندرج ضمن ما يعرف بخطاب التعبئة والوعظ والتوجيه وتسويق ثقافة التعليب والتقليب وهي أبعد ما تكون عن أي اتصال عضوي أو وظيفي بالعملية الإبداعية المثلى التي تستمد جذورها وتترعرع في أراضي الحقول المفتوحة.

الطليعيون الجدد نجحوا في تغيير بعض أدوات الخطاب ومناهجه وغايته، وساهمت مشاركات البعض منهم في تحريك عربة الإبداع الثقافي المحلي بل وربطها عبر مواقع مجتمع المعلومات في التعريف بالمسألة الثقافية الليبية منهجها وفكرها رموزها وهمومها.بحيث صار لبعض الأسماء الليبية أكثر من حضور وأكثر من مساهمة، هذا الأمر يظل مهما من باب الانفتاح والتواصل والاطلاع والتعريف بالذات والمهم مواكبة ورصد التطور وبالتالي ابتداع معايير التوصيف والتقييم المهمة للذات والأخر.

المواقع الثقافية الليبية بدأت خجولة ونحيلة لا بسبب القائمين عليها فقط ولكن لانعدام تأسيس حقيقي للثقافة الشاملة في المجتمع الليبي، كما أن الممارسة للثقافة ظلت رأسية ولم تتحول إلى الأفقية من جانب المواطنين خاصة الشباب الذين ابتعدوا عنها لافتقادها للجاذبية في السائد منها، ومع هذا أطلت علينا أخيرا بعض المواقع الرصينة والرزينة والحريصة على تحقيق ممارسة جديدة وذاتية وتعكس الطيف الثقافي في مرآة الإبداع الجديدة بشفافية وصدق تحرص على حضوره في ما تقدم من نتاجات ليبية تنشد البروز والتعبير عن الحضور،وان كانت تشق طريقها بتؤدة ودون تكلف أو استعراضية إلا أنها تسهم بقدر ما تستطيع في تعميق الظاهرة وترسيخ أمثل لتقنية حديثة تفتح أفاق واعدة للرؤى والتعبير عن الفكر وطرح الإبداع.

وهي بالفعل تستقطب الأتباع وتغري المطلعين تكسب رواجا في الداخل والخارج خاصة فيما يتصل بتوفير مساحات النشر كمصبات مباشرة وميسرة لتسييل المنتجات الإبداعية مما أسهم في تقديم وجوه جديدة وأقلام واعدة بل في إعادة إنتاج وتأهيل لبعض المخضرمين من وجوه الثقافة الليبية الذين ظلوا في الظل دون رعاية إلي حين أو لان بعضهم غير مقتنع بجدوى وجدية الثقافة بدون حدود ودون قيود كونهم يخشون الجديد ويترددون في قبوله بفعل رواسب القمع الذاتي أو الخشية اللامبررة من براح فضائي يستوعب الكل ولا يجتزئ احد – كونهم سليلي المؤسسة الرسمية – وهذا ما سيحدث المجايلة المطلوبة وينزل بمستويات الخطاب المتعالية في أزمنة الكهنوت الثقافي إلى درجات الحوارات العقلية والفكرية والمبارزات الإبداعية الهادفة والبناءة

(عقل لعقل ورأي لرأي وفكر بفكر)

مقالات ذات علاقة

يمكن أن نسأل الجمهور

أحمد بللو

فلسفة الضمير

المشرف العام

طرابلس الليبية تستعيد روحها

محمد الأصفر

اترك تعليق