المقالة

الخازوق معادن

(0)

– خيرك تمشي أعرج يا احمد؟

– ما سمعتش شن صار؟

– شن صاير؟

– فيه خازوق جديد، نوعه حارق خارق خش السوق !

– وما خشش في حاجة ثانية؟

– خش في ليبيا!

(1)

إنّ الارتباط التاريخي بين أمة من الأمم ورمزها هو ارتباط مقدس يصعب فكاكه والتخلص منه، إن هذا الرباط ينبع من غريزة هذه الأمة وتقوقعها في دائرة من الدوائر لا تخرج منها أبداً، ولا أدري إن كان ما قلته الآن له علاقة بما سأقوله بعد ذلك، لكن أجد نفسي مضطراً لأن أشرح بعض البديهيات المكررة في التاريخ، وإننا في أمة كالأمة الليبية نحاول دائماً أن نأكل البازين.

والبازين هذا هو شبه مخروطي أو لنقل مخروطيٌ إلا قليلاً، أو لنقل هو خازوق في أولى مراحله للتشكل، وقد يبدو داروين صادقاً بعض الشيء في ما يُسمى بالنشوء والارتقاء، فالخازوق يا سادة يا كرام، تحول من مجرد إبرة في كومةِ قش ويا تعس حظ من دخلت فيه إلى صاروخ نووي ما إن خشّ فيكَ من جهة حتى اخترقك من جهةٍ أخرى، ونحنُ هنا لسنا في صدد تعريف خاص جامع وشامل للخازوق، وبما أننا تطرقنا للموضوع لما لا نعرف؟، ما ضير؟

الخازوق يا سادة يا كرام، وبعد الجلوس على الخازوق المقدام، أحمد ربي العلّام، أقول الخازوق هو لغةً – كما يقول المعجم الوسيط – : الخَازُوقُ : عمودٌ مدبَّب الرأْس ، كانوا يُجِلسون عليه المذنبَ في الأَزمان الغابرة ، فيدخل في دُبره . ويخرج من أَعلاه .

وأعلاه هذه وحدها نضع تحتها خطين، لأن أسفله ليس أعلاه، ولأن عدد الفتحات في أعلاه تزداد كثيراً عن التي في أسفله، تخيّل خازوقاً يخرج من خشمك أو أذنك أو فمك، ولا جيكسُو صحيح؟، إذاً تخيّله يتغلغل داخل أسفله ليردده إلى أسفل السافلين بإذنٍ من الله، يقول مولى خازوقخان في فتحِ الخازق :

وإنّي لوددتُ أنّي على خازوقٍ كأنّه الدّرُ في رأسهِ جرَمُ.

أسلّمهم ذات اليمين بهِ، وذات القعودِ من تحتها دَمُ.

وهذا قول مولى خازوقخان لا شأن لنا به لكن جاءَ ضمن التعريف والتختريف.

أما الخازوق شرعاً ففيها أقوال لا قولان ولا ثلاثة، فيجوز إن كان المتخوزقُ ليبياً، أما ما يجوز في حق المُخَوْزِق أن يكون ليبياً أيضاً. وهذا يكفي، يقول ابنُ مخزوق.

ولا أدري ما أريد حتى الآن من هذا الكلام العشوائي، ولكني في صدد ترتيب أفكاري حول هذه الإشكالية التي وددت أن أوضحها للعامة عسى أن يتعظوا.

( 2 )

– خازوقك مليح، منين خديته؟

– والله من الوطني للخوازيق؟

– وجايبين حاجات جديدة؟

– تي شن تقول، عندهم بضاعة رهيبة يومتها جابوا خازوق أكبر من القرعة الحمرا، فيه منه أحجام : حجم هيئة نزاهة وحجم قانون عزل.

– آه نعرفه ، بوي مجربه ماهو كان أزلام. فيش جديد؟

– فيه : القايد !

– القايد القايد؟

– لا القايد القايد!

– ما تقوليش خو الـ؟

– هو بنفسه!

– احييييييييه ، باهي ما فيش شي أجدد بكل؟

– قالوا راجوا، مرات ينزل الدستور المدة الجاية!

– زعما قداش بيكون حجمه ؟

– ما لا عين رأت ولا خطر علي بال متخوزق!

( 3 )

أما ما يهمنا هو إيجاد تعريف معنوي أو حقيقي للخازوق السياسي، بعض المتخوزقين يقول إنما الخازوق في دولةِ العسكَر، وبعض أهل علمان يقولون إنما الخازوق يأتِي مع كتب مقدسة هدية، أما الإسلاميون يقولون الخازوق كل ما خالف شرع الله، يقول أحدهم في هذا الصدد: خازوق بما يرضي الله ولا عشرة على الشجرة، لتسأل أحد المارين من الطرقات سيقول لك : الخازوق لما يحشيك صاحب الإيفكو من تاجوراء للمدينة بجني وفمك ساكت. وامرأة توضح أنّ الخازوق هو عندما تتزوج رجل قدراته غير مثيرة للاهتمام، أما الرجل المتزوج سيقول لك أنّ الخازوق كل الخازوق لما تتزوج، ولا أدري ما علاقة هذا بالسياسة، لكنهم هكذا… تسألهم عن السياسة يجيبونك عن أسعار الدلاع في السوق. وهذا إن كنت تدري خازوق فضي.

وبما أننا تطرقنا إلى الخازوق الفضي فالخوازيق معادن وألوان، الخازوق الخشبي يُستخدم للحالات الطارئة، الجرائم الاعتيادية كأن تكون قائداً في آخر سنين دولتك ستقعد عليه يعني ستقعد عليه، وإن قعد هو تحتك! وهناك خازوق حديدي وهو عادةً ما يستخدم في جلسات الحِوار الوطني، يضع كل فرد خازوقه الحديدي على الطاولة ويتناقش الجميع حول هموم الوطن والإشكاليات التي تواجهه وما إن ينهون الجلسة دون التوصل لشيء حقيقي يفتتح رئيس الجلسة دُعاء الاستخزاقة وهو ما يُدعى به قبل الجلوس على الخازوق، يقولون : اللهم أجرنا شرّ التفاهم واحفظ خوازيقنا لنا ذخراً … ثم يُقِعدُ كل واحدٍ منهم الطرف المخالف له على خازوقهِ الخاص. ثم ينصرفون.

وهناك خازوق “سامي” تسعد به فئة من الناس وهذا الخازوق السامي تجده في ساحات العزل السياسي وخُطب الجُمعة وكأنه ملاك من رب العالمين جاء ليخوزق العالمين، وكأنّي بالخازوق السامي حاد جداً، ” دامي” كما يقول أهلنا بليبيا وهي تعني صعب عناده، وإنّي والله في خاطري أن أهدرز عليه كثيراً لكن الوقت لا يسع، وإن كان يسع فاعلم أنّ خازوقاً ما قد جعله كذلك.

أما عن الخازوق الفضي فهو نوع راقٍ جداً متواجد في جينات الأمة الليبية، فهي أمة رائعة بحق تعلم كيف تصنع طواغيتها أقصد خوازيقها، فهم من التنافر حتى يمكن لخازوق واحد أن يجمعهم، ومن اهتمامهم بأسعار الدلاع أكثر من أسعار السياسيين حتى ليمكن حشيِهم بخازوق الأسعار، والحشي هو الفعل الخاص بالخازوق، يقولون : فلاناً حشوه أي تم وضع خازوق ما تحته ليجلس عليه مرتاحاً. يقولون أيضاً : طحت وين استرحت تعبيراً مجازياً عن الخازوق المُحاط بك.

وهناك خازوق ذهبي يتمثل في مؤتمر الريكسوز العام، هؤلاء الرائعين مجانين السياسة يصنعون خوازيقاً لا يمكن ردعها، ترى خازوقاً منهم بمئتيْن، وإذا بهم يحاولون دائماً إرضاء الفئة الشعبية بتقديم آخر إصدارات الخازوق الموجودة في السوق بل إنهم يصنعّون ويصدرونها لنا حفظهم الله، فمنذ مدة تخوْزَقَ الشعب السعيد بقرارات مخروطية الشكل كقانون العزل السياسي المُعظَم الذي يريدون تحصينه دستورياً – المثير للخوزقة هنا أنه لا وجود لدستور!- وبعدما صوتوا على هذا القانون المُعظَم وجدت بعض الكتل أو لنقل المخروطات السياسية أنهم قعدوا على خازوق ذهبي بعدما قالوا على حدِ ما قالوا : يوجد تخوزيق… أقصد تزوير !

والله لولا الخوف من اتساع ” المقام” في الحديث عن الخازوق لما ” ضقت” ذرعاً في الحديث. لكن كما قال أبو تمام:

هو الخازوق كما شاهدته دولٌ … من سرّه ” حشيٌ” ساءتهُ حشياتُ.

( 4 )

– ما هذا الذي تجلس عليه يا احمد؟

– خازوق سيدي!

– تحشم ؟

– هو أنتم خليتوا في أمها حشومة!

مقالات ذات علاقة

أسئلة مشروعة

عادل بشير الصاري

ثوار ….. وأشياء احرى (2)

أحمد معيوف

جميعا عند الجدار الأخير

عمر الكدي

اترك تعليق