طيوب عربية

حكاية قصيدة

الأديب مصطفى لطفي المنفلوطي (الصورة: عن الشبكة)
الأديب مصطفى لطفي المنفلوطي (الصورة: عن الشبكة)

في يوم الثالث من نوفمبر عام 1897م عاد الخديوى عباس حلمي الثاني حاكم مصر المعين من قبل سلطة الاحتلال الإنجليز إلى القاهرة قادما من الإسكندرية ، وأقيمت له الاحتفالات في القاهرة، وفي نفس هذا اليوم نشرت مجلة “الصاعقة” الأسبوعية الأدبية، في صفحتها الأولى قصيدة عنوانها (تهنئة مرفوعة إلى عباس حلمي لمناسبة عودته إلى القاهرة)، دون ذكر قائلها، وجاء مطلع القصيدة مفاجئا وصادما:

قـــدومٌ ولـــكـــنْ لا أقـــولُ ســـعيدُ

ومُلْـــكٌ وإن طــــال المدى سيبيدُ

انتشرت القصيدة في مصر كلها، واهتزت من وقعها أركان القصر الملكي، ونسخها الطلاب والمتعلمون ووزعوها على عامة الناس، وقبض على صاحب المجلة بتهمة (العيب في الذات الخديوية)، وبالتحقيق معه نسب القصيدة لنفسه، لكن تبين للقضاء أن الأديب والشاعر مصطفى لطفي المنفلوطي (1876ـ1924م) هو ناظم القصيدة، ولما تم التحقيق معه اعترف بأنه صاحب القصيدة ، لكنه لم يكن ينوي نشرها، ومن حسن حظه أنه حبس لفترة وجيزة ، ثم أطلق سراحه بعد دفع غرامة مالية بسيطة.

القصيدة بلغة عامة الناس قوية ولاذعة في الهجاء ، فقد استهلها المنفلوطي بأن قدوم عباس ليس سعيدا، وأن ملكه إلى زوال، وهو حين غاب عن القاهرة عمت البشرى الناس، لكنه حين عاد إليها عاد الحزن مرتسما على الوجوه، ويتساءل الشاعر: لماذا كل هذه التهاني بقدوم عباس هل رأى منه الشعب مكرمة وأفعالا حسنة؟، بل بالعكس سفكت في عهده دماء كثيرة وسيق الكثير إلى السجون، ولا غرابة في هذا فعباس طاغية كجدوده  المقدونيين والأتراك.

ثم سأل عباس: هل حقا تتمنى كأبيك وجدودك أن تكون خليفة للمسلمين؟، ويجيب بأن زوال الدنيا والموت أهون عليه من توليته خليفة، وفي آخر القصيدة يدعو  الانجليز إلى عزل عباس عن الحكم (وهو ما حدث فعلا بعدئذ)، ويرى أنهم الأقدر على إقامة العدل بين المصريين، ولأن القصيدة طويلة فقد اخترت منها هذه الأبيات:

قـــدومٌ ولـــكـــنْ لا أقـــولُ ســـعيدُ
ومُلْـــكٌ وإن طــــال المدى سيبيدُ

بَعُـــدتَ وثغرُ الناسِ بالبشرِ باسِمٌ
وعُــدتَ وحــزنٌ في الــفؤادِ شديدُ

تمـــرُّ بنا لا طــــرفَ نحــــوكَ نــاظرٌ
ولا قــــلبَ من تلك القــلوبِ وَدُودُ

عــــلامَ التـــهاني، هل هـــنـاك مـآثِرٌ
فنــــفرحَ أو ســعْــيٌ لديــــكَ حمــيدُ

إذا لم يكـــن أمــرٌ ففيــمَ مـــواكـــبٌ
وإنْ لم يــــكن نهْـي فــــفيــمَ جُنــودُ

تُـــذكــــرُنـــا رؤيــاكَ أيــــامَ أُنــــزِلَــــتْ
علينــــا خطــوبٌ من جُــدودِكَ سُودُ

فكــــم سُفِكــتْ منـــا دمـــاءٌ بريـــئــةٌ
وكـم ضمِـــنتْ تلـــك الـدمـاءَ لُحُـــودُ

وكــم صــارَ شـمـــلٌ للــبــلادِ مٌُشتَّــتا
وخُـرِّبَ قـــصـرٌ فـــي البـــلادِ مَـــشيدُ

وسيـــقَ عظيــمُ القــومِ مِـــنَّا مُكبــلاً
لــــهُ تحــتَ أثــقـــالِ القُـيــــودِ وئــــيـدُ

أعبــاسُ تــــرجـو أنْ تكــــونَ خـليــفـــةً
كـــــــــمـــــــا ودَّ آبــــــــاءٌ ورامَ جُـــــــدودُ

فيــــا ليـــتَ دنـــيـــانا تــــزولُ وليــــتـنــا
نكـــونُ ببــطــنِِ الأرضِ حيـــن تســــودُ

مقالات ذات علاقة

الشارقة للكتاب يقيم حفلات توقيع لأكثر من 100 مبدع

مهند سليمان

أحمد ضياء يكتب عن مسرح الصدمة

المشرف العام

يوسف جزراوي يقول في البدء كان العراق

المشرف العام

اترك تعليق