محمد دربي
ما الإنسان ؟
سؤال قديم طرحه أحد أهم الفلاسفة في عصر التنوير: ما الإنسان؟
بعد سنوات طويلة أجابه آخرون: الإنسان هو ذلك المخلوق الذي ينبغي أن يطرح على ذاته أسئلة يصعب أن يجد لها اِجابات يقينية واضحة وحاسمة، ولكن عليه أن يسأل.. فيما بعد بسنوات غير قليلة يضيف آخر مؤمناً بفاعلية العقل والتفكير العقلاني: ولكن تحت أي ظروف وفي أيّ مكان وزمان يمكن للإنسان أنْ يطرح الأسئلة والتساولات بطريقة عقلانية ؟ من الناحية الفكرية لا يكتفي بذلك فيستطرد كي يسأل: هل السؤال ذاته ممكناً ؟ وهل من الممكن أنْ نعرف ما الذي يجعل الإنسان أنْ يسأل عن الأسئلة ذاتها ولماذ لم يصل إلى إجابة حاسمة نهائية فيها؟ مثلاً: هل من العدل أن نقيم ألاخرين وافكارهم عبر عدسة الآهية لا ترى إلا المطلق وما ينسجم ويتناغم مع ما تعتقد فيه؟ فكيف السبيل إلى المعرفة للتواصل العقلاني دون أنْ يلتجئ المرء إلى النزاع والعنف؟ وكيف يمكن التحرر من الرضوخ لمسايرة الأراء الغالبة على أن الاختلاف في الأراء هو أصل التقدم الفكري.
حق التنفس
في المجال الخرافي الاجتماعي يكاد أن يفقد الإنسان التنفس حالما يسأل ما لا ينبغي أن يُسأل وبالذات في مواجهة أطنان الشهادات العليا في شتى المجالات وفي الكلمات والمقالات وتكاثرها المتضخم الدائري و القبول بها كما أُنزلت تحت بند الطاعة الفورية بلا نقاش ولا نقد، أما إذا رضي و أثار الصمت و التبلد فسيفوز بعطف و رضى النخبة الثقافية، إذ ذاك قد يُحرم المرء من التنفس في حوانيت الثقافة والسياسة التي يتزاحم فيها السّباقون إلى الموائد في كل ما تعرضه من لقاءات وحورات لا يطيب التفكير والمقام لهم إلا فيها ومع أقرانهم حتى وإن أخفتهم المنية ؛ولكن السؤال هو مجرد اِحتفال بالدهشة المعرفية ومحاولة للتحرر من الركود استجابة لنداء يأتي من الشعور بالحرية: أفلا يصح عند السّباقين أن يؤخذ التساؤل في الإعتبار وبالذات السؤال الذي لا يثبت ولا يستريح؟ إذن، فلا عجب أذا أصبح السؤال رمزاً لواقع الحرية.
خجل المعرفة
منذ عشرات آلاف السنين والإنسان يروغ للمعرفة ويبحث عن مصادرها وفي فترة لاحقة وضع لها نظرية فأتسع في البحث عن مشاربها، غير أنّ تاريخنا المعاصر هو الأول من نوعه حيث غدى الأنسان أشكالية لذاته وغدى لا يعرف على وجه الدقة من هو رغم تعنته على أنّه يعرف، غير أنّه في ذات الوقت – وعلى نحو خجول- يعرف أنه لا يعرف وبطرق مختلفة وفي أحيانٍ كثيرةٍ من داخل فكرة البحث عن اِدراك التحولات الجذرية في العقل وفي العاطفة، كأنّ الذهن لا يستطيع الأستغناء عن هذه التحولات.