في الجبل الاخضر وفي وادي الكوف بالتحديد وحيث يمكن الوصول إليه ,ينتصب كهف الضبعة , ليس شديد الارتفاع ومحاط ككل كهوف الجبل الأخضر بالأشجار البرية , قد لايميزه شيء عن بقية الكهوف هنا , هذه الكهوف التي ظلت تأوي اليها ومنذ ملايين السنين الوحوش والبهائم والطيور والدواب وأيضاً البشر , ولكنه بالنسبة لطلاب التاريخ والانثربولوجيا كنز حقيقي من كنوز الحضارة الانسانية .
يدرس الطلاب في كل جامعات العالم طوراً هاماً من أطوار الحضارة الانسانية هو طور “الحضارة الضبعانية ” وقد جاء اسم هذا الطور الحضاري من هذا الكهف. ,كهف الضبعة بوادي الكوف بالجبل الاخضر كان بداية اكتشاف هذا الطور الحضاري الذي امتد لحوالى الاربعين الف سنة وانتشر أثره عبر الشمال الافريقي إلى الجزائر والمغرب بالتحديد ,حيث تم اكتشاف أثاره هناك أيضا .
سمي هذا الكهف بكهف الضبعة وهي تسمية محلية حديثة لأن أنثى ضبع كانت تأوي إليه وتلد به وتحفظ به صغارها خوفاً من المفترسين ..
الحضارة الضبعانية كانت بدايات الانسان العاقل وبدايات صناعة وتطوير الأدوات والأسلحة , فقد أخذ الإنسان في صناعة أدوات للصيد وللدفاع عن النفس من الحجر والعظام وكل ما يمكن أن يكون حاداً وقاطعاً ,كان على الإنسان الضبعاني أن يخوض معركة البقاء بالجبل الاخضر وأن يدشن لنقلة حضارية هامة ينتقل بها من الفريسة إلى الصياد , ومن الكائن المكتفي بما هو عليه إلى القادر على تكييف محيطه والسيطرة عليه لحفظ بقائه واستمرار سلالته ..
في كهف الضبعة حيث اكتشفت مخلفات إنسان ذلك الطور العاقل عثر على ادوات صيد مدببة صنعت من الحجر والعظام , وتشير تلك المكتشفات إلى أن هذا الكهف كان موطناً لجماعات بشرية عاقلة ,سكنته وتصارعت بالتأكيد للسيطرة عليه مع وحوش وهوام وبشر آخرين ,نظراً لما يتميز به من ارتفاع يسمح بالدفاع عنه ومايوفره من ظل ودفء لساكنيه طوال العام ..
كان بامكان سكان كهف الضبعة الذين يعيشون في جماعة – كما كان الانسان دائماً – أن ينطلقوا للصيد وجمع الثمار والعودة الى الملاذ الأمن الى “كهف الضبعة ” ليلاً وعند اشتداد الحرارة بالصيف .
لم يكن كهف الضبعة الكهف الوحيد الذي سكنته جماعة بشرية عاقلة في ذلك الوقت وتلك المنطقة فبالتاكيد كانت تلك الجماعات تنتشر بالجبل الأخضر وتسكن كهوفه الكثيرة ,تتجاور وتتعاون وأيضاً تتصارع من أجل الماء والغداء مستعملة نفس الأدوات ونفس الاسلحة , ولكن العلماء اكتشفوا آثار ذلك الطور الحضاري بهذا الكهف ونسبوها له ,بل واطلقوا هذا الاسم على كل ماوجدوا من آثار في أي بقعة من العالم تعود لذلك التاريخ ..
الحضارة الضبعانية التي تنسب لكهف بالجبل الاخضر ويدرسها طلاب وعلماء التاريخ والانثربولوجيا لا يبدو أنها ورغم كل ذلك استطاعت ان تلفت نظر الليبيين إلى منجزها المهم “بداية الحضارة الانسانية ” في هذا الركن من ليبيا والعالم .