بدرالدين المختار
كانت ليلة شديدة البرد، سجل فيها الدكتور رلّيني الضابط المسئول عن الأرصاد الجوية في حملة العقيد أنطونيو مياني ثلاث درجات تحت الصفر!
معسكر الحملة الإيطالية في آقار على مسافة خمسة عشر كيلومترا من براك، وقوات المقاومة الوطنية بقيادة محمد بن عبد الله البوسيفي مرابطة عند مياه محروقة وقد ركزت في رمالها علما أخضر اللون كتب عليه:
“لا إله إلا الله. محمد رسول الله”
تليها: “وما النصر إلا من عند الله”.
(ولا صلة لهذه الراية من قريب ولا من بعيد براية الجماهيرية كما يزعم بعضهم في فيديو منشور في يوتيوب).
كتب العقيد مياني في تقريره الرسمي مايلي:
“كان محمد بن عبد الله يعرض عليّ قتالا للحياة أو الموت، تتوقف عليه سلطته، وعليه يتوقف وجود رتلي، وفي حال الهزيمة كان قليل منا سيستطيعون العودة إلى براك”.
وفي أول الصباح تحرك الرتل، وبدأت عند الساعة التاسعة والنصف معركة عنيفة اعترف مياني نفسه بخسائره فيها فقال إن الجنود كانوا في حال لا يحسدون عليها؛ احتشدوا في العراء أمام عدو كثير العدد يتسم بالنشاط ويحتمي بعناية في الخنادق. واعترف كذلك بأن الطريقة الوحيدة التي كان عليه أن يتخذ قرارا شجاعا بشأنها هي الهجوم بقواته كلها دفعة واحدة.
ويقول جويدو فورناري مؤلف كتاب “أرتال مياني” إنه عند نهاية المعركة (حوالي الساعة الخامسة مساء) كان البوسيفي قد قضى نحبه على أرض محروقة ومعه مائتان وخمسون من رجاله، منهم شيخ زاوية في وادي بيّ واثنان من مرشديه وجدت جثامينهم فوق الراية.
وحريّ بنا أن نشيد بهذا الكتاب الفذ في موضوعه، وقد اعتمد مؤلفه على وثائق وتقارير العقيد مياني الذي سيكون مسئولا عن سلسلة هزائم فظيعة للإيطاليين فقدوا فيها إمبراطوريتهم الصحراوية في ليبيا، وقد بدأت الهزائم في قارة سبها ثم وادي مرسيط حتى كانت القاضية في القرضابية، وهو ما أوجب إعادة الاعتبار التاريخي إليه في إيطاليا بهذا الكتاب الذي عرّبه عبد الرزاق عيد وعنونه “الإيطاليون في الجنوب الليبي”، وقدم له الدكتور محمد سعيد القشاط.