المقالة

أخرج من جسدي ارجوك لا تؤذيني

من أعمال الفنان محمد الشريف.
من أعمال التشكيلي الليبي محمد الشريف

قصتي اليوم حول عدم الإيمان بالشي أو نفعل غير ما نؤمن به إيمانا صادقا.

صرخت مها وهي ترتعد: أرجوك لا تؤذيني، أرجوك لا تؤذيني، لا تقرب مني، لا تدخل لجسدي.

وعلت صرخة قوية زلزلت اركان البيت، كانت هذه صرخة مها عندما لمست يد زوجها كتفها محاولا إيقاظها مما حل بها من هذيان..

مها هي سيدة في بداية عقدها الثالث، شقراء الشعر ذو بشرة بيضاء يشوبها الاحمرار، من أسرة واصول عريقة، عرفت أسرتها بالعلم والتجارة، من الأسر الراقية التي تحترم المال، ولا تصرفه إلا فيما ينفع أي ارستقراطية العصور الوسطى لا برجوازية العصر الحديث.

المهم كانت مها من البنات البشوشات، ذات مزاج ضاحك ومتهكم على كل موقف، أثناء وجودك قربها لا يغلق فوق من الضحك الهستيري. المهم بمجرد أن تخرجت هذه المها، حتي سارعت خالتها عافية إلى خطبتها لأبنها أحمد، قرة عينها وأحب أولادها. والحاجة عافية قريبة من الدرجة الثانية لمها من والديها الاثنين. فمن المتعارف عند الاسر الارستقراطية، تزويج أبنائهم من نفس الاسرة، من باب الحرص على النسب والمال.

المهم كان لأحمد أخا يصغره بسنتين، اصرت الحاجة عافية من زواجهما في نفس اليوم. فاختارت للأخ الأوسط ابنة الشريف نهال، وهي قريبة من حيث الوضع الاجتماعي لا النسب.

كان عرساً تقليديا مهيبا، لكن المفارقة أن مها شابة تحب الحياة، تحب الضحك تحب الموضة، تحب أحاديث البنات وتتقمص أدوار الزوجات المطيعات بجداره. أما نهال فهي شخصية شابة، لكنها اقرب للجماد، لا تري لها بسمة أو ضحكة عالية او حديث قد يشدك اليها، عندما تنظر اليها تجدها كأنها تتحدث مع خيال كأنها تسبح في عالم غير عالمنا. وزد على هذه الشخصية المركبة، دخلت في عالم آخر، عالم كل شي حرام، هذا العالم دخلته من باب صديقتها المعقدة نفسيا، من خلال الاستماع لأشرطة مشائخ من خارج ما ألفته مجالس الدروس الدينية في بلادنا.. أول شيء اللباس الإسلامي، الخمار والقفازات والعباءة الواسعة، وفوقها تلبس الفراشية البيضاء لباس أمهاتنا التقليدي.

المهم من أول يوم هي وسلفتها في صراع وحوار الطرش، في قولة؛ لباسك حرام، التلفزيون الأغاني حرام، الوضوء بالماء الساخن غير مستحب، وو وو، الخروج للأسواق حرام لعن الله..

كان يوم الجمعة، يوم اجتماع العائلة على الغداء مع أمهم، الأبناء وزوجاتهم وابنائهم، يوم الرعب في قولة؛ لا تأكل وسلفها موجود، ممنوعات ممنوعات ووو.

في يوم، حاولت مها أن تغير من طبعها وتحاول الاستماع الى سلفتها نهال، أخذت شريط الكاسيت الذي أعطته لها، لتستمع إليه مع قولة: الله يهديك يا مها.

فتحت مها الشريط، ورفعت صوت المذياع حتي يصلها وهي تغسل في الحمام ملابس العيلة، وبدأت منسجمة وهي تجهز الملابس وتعمل على تعبئة الغسالة بالمياه.. وإذ بصوت عياط قوي، وكلمة: (أخرج منها). وصوت مرأة تعيط بأعلى صوتها: (لا لن أخرج، او ادخل في هذه المرأة). ومن الخوف سقط القردل وأحدث صوتا قويا! متلازما مع صوت صراخ المرأة من المسجل، ثم هدوء هدوء، ثم صوت الرجل يقول: (أخرج منها وإلا نقتلك.. اهو نقترب باسم الله القدير سأحرقك).

وهنا التبست مها، واعتقدت إن الجني سيدخل في جسمها وأخدت تصرخ بأعلى صوتها: لا لا لا تؤديني، سلام قولا من رب الرحيم.. بالله عليك لا تؤذيني.

طبعا مها لم تسمع او تري احمد زوجها، الا بعد الصراخ والكف القوي، الذي هوي على خدها من احمد لتفيق، فقالت: آه أحمد!.

الشريط كان لشيخ وهابي، يحاول معالجه امرأة من جن متلبس بها، وهو في الأساس هديه نهال لسلفتها ليهديها من الشيطان إللي فيها.

الآن؛ نهال أصبحت الآن تشتغل كاشير في كندا، ونزعت الخمار والفراشية، وارتدت بنطلون وبلوزة وشاربة علي الموضة.

4.12.2023

مقالات ذات علاقة

ليبيا وتحدي المستقبل.. فرصة الإصلاح لا تتكرر

رمزي حليم مفراكس

علموا أولادكم رُكوب الخيال

فاطمة غندور

الثيوقراطية والعلمانية وجهان للراديكالية

علي بوخريص

اترك تعليق