المقالة

فيلم تونسي.. الهروب الكبير والقبض العظيم!!!

من أعمال التشكيلي الليبي جمال الشريف (من معرض دمى)
من أعمال التشكيلي الليبي جمال الشريف (من معرض دمى)

استيقظ التونسيين صبيحة يوم 31 اكتوبر الماضي على خبر صدمهم وبعث في انفسهم نوعا من الخوف والرعب مع عديد التساؤلات التي عمت الشارع التونسي.. وذلك عقب إعلان خبر هروب عدد خمسة مساجين مصنفين كإرهابيين بل ومن كبار الارهابيين ومتعلقة بهم جرائم متعددة منها اغتيالات سياسية وعليهم احكام عديدة تصل الى الاعدام والمؤبد خاصة ان هذا الهروب الغير مسبوق بهذا الشكل في السجون التونسية تم من سجن يفترض انه اقوى واهم السجون في البلاد عامة الا وهو سجن المرناقية الذي يضم بين اسواره اهم واكبر السجناء والمتهمين.. ليكون الهروب الكبير.

وترافقت مع خبر الهروب عملية نشر لعدة صور من المفترضة انها توضح اماكن الهرب وطريقتها وكانت عبارة عن شباك صغير جدا تم قص بعضا اسياخه الحديدية وكذلك برج مراقبة يتدلى منه بعض الحبال المتنوعة.. وهو ما وضع الكثير من الشكوك حول عمية الهروب الغير منطقية من هذه الاماكن المصورة والمنشورة فور انهاء عملية الهروب لتزداد الاسئلة حيرة واستغرابا عمن وراء عملية التصوير هذه اصلا وسرعة النشر لهذه الصورة الوهمية لعملية الهروب.. فمن يقف وراء كل هذه العملية هروبا وتصويرا ونشرا …؟؟

الامر الذي جعل الكثيرون في حيرة مما حدث اضافة الى الخوف والقلق من اسباب هذا الهروب ومن يقف وراءه ولماذا في هذا الوقت بالذات.. بين من ربطه بموقف تونس من تفاعلات القضية الفلسطينية واحداثها الاخيرة بعد عملية طوفان الاقصى.. وبين من ربطها بإمكانية عمليات ارهابية قادمة ستنفذ على الاراضي التونسي يقف خلفها بعض الجماعات الداخلية والدول الخارجية.. وهناك من ذكر ان الهاربين قد غادروا البلاد التونسية فور هروبهم بل منهم من حدد وجهتهم الى الاراضي الليبية فلعيا بل هناك من وصل به الامر الى تحديد مدينة درنة لتكون الوجهة لهم وكأن درنة الليبية ناقصة مشاكل ولم يبقى لها الا احتضان مثل هؤلاء المساجين الفارين من سجون بلادهم.. وذلك في تحاليل واحاديث اعلامية لا تسمن ولا تغنى من جوع ولا تقدم حقائق ولا معلومات فعلية عما حدث حقيقة.

ليعيش الشعب التونسي اياما وهو ينتظر أي اجابة على تساؤلاته في كيفية الهروب او التهريب كما تبين لاحقا ولو نسبيا.. ومن وراءه واين ذهب هؤلاء الفارين…؟؟ وهل هم مازالوا داخل التراب التونسي ام اصبحوا خارج البلاد فعلا …؟؟ اسئلة كثيرة تداولات في الشارع التونسي طيلة ايام تطلب مغرفة ما حدث حقيقة.

وعقب يومين او ثلاثة من عملية الهروب الكبير و فجأة يتم الاعلان عن اول الحوادث المرتبطة  بعملية الهروب والهاربين وذلك عندما اعلن عن سرقة مصرف تونسي في احدى ضواحي العاصمة قيل ان الفارين من السجن هم من كان وراء عملية السرقة  وانهم سرقوا مبلغ زهيد لا يتجاوز 20 الاف دينار تونسي  وكما العادة تم نشر عدة صور لما قيل انها السيارة التي كان يقودها الفارين عند قدومهم للمصرف ثم بعد عملية السرقة تركوها في احدى الاماكن القريبة من مكان عملية السرقة ولا يعرف احد كيف ذهبوا بعد ذلك ولا من كان وراء عملية التصوير والنشر رغم وجود بعضا من رجال الامن بالمكان حسب الصور الملتقطة وهو ما يفرض منع التقاط هكذا صور ونشرها بهذه السرعة .

بل زاد حجم الاسئلة حول كيف يمكن ان يغامر من هو فار من السجن تاركا خلفه احكام تصل الى الاعدام لكي يقوم بهكذا عملية من اجل عدة الاف لا تغني لا تسمن من جوع رغم كل ما قيل ان خلفهم دول وجماعات اخرى ساعدتهم على الهروب وهو ما يعني انهم ليسوا في حاجة الى اموال حتى يقوموا بهكذا عملية مشبوهة لا معنى لها لمن يريد الفرار والتخفي عن اعين الامن والشرطة ومن تبحث عنهم كل السلطات التونسية في مشهد يكاد يكون ادرمي ترجيدي من افلام الاكشن التي ربما لا تشاهدها حتى في السينما العالمية الا في افلام بوليود الهندية ربما .

لتمر عدة ايام اخرى لا تتجاوز ال10 ايام حتى كانت المفاجأة الكبرى والخبر العظيم الا وهو القبض على احدى العناصر الفأرة بل واكثرهم خطورة وسط احدى شوارع حي التضامن بالعاصمة تونس وهو يتجول بشكل طبيعي وعادي جدا دون أي مظاهر للتخفي او الخوف التي يفترض انها امر طبيعي يقوم أي انسان مطلوب مطارد فما بالك بمن تبحث عنه كامل الدولة التونسية وبكل مكوناتها الامنية وحتى الشعبية ومن صورهم تنتشر في كل مكان بل حتى طريقة القبض ومن قبض عليه كانت محل نقاش وتضارب في الاقوال حول كان وراء عملية اكتشاف هذا الشخص والقبض عليه  وهل هم مواطنين عاديين كما تداول في اول عملية القبض ام انهم امنيين كانوا ينتظرون في عين المكان الذي كان يقصده المعني وكأنهم كانوا على علم بتوجهه الى ذلك المكان في انتظار وصوله حتى تكتمل الصورة ويكون القبض علني وامام الناس وبشكل لا يزيد الا من علامات الاستفهام وطرح الاسئلة التي لن تكون لها أي اجابات حقيقية .

ويكتمل الفيلم باخر المشاهد عندما يتم في ذات ليلة وبعد القبض على المتهم الاول وبساعات محدودة الاعلان عن القبض على بقية الفارين الاربعة الاخرين وفي مكان واحد يجمعهم في احدى الجبال القريبة من العاصمة ودون اي ردة فعل ينتظر ان يقوم بها مثل هكذا نوعية من الهاربين في عملية قبض عظيم تسجل في التاريخ.

لينتهي الامر بخير وسلام ويخرج رجال الامن ابطال والامن التونسي على احسن ما يرام وترتفع الاصوات التي تشييد بهم وتحيهم على هذا العمل الجبار.

 لكن.. يبقى السؤال الذي لا اجابة له ولن تكون له أي اجابة اصلا.. وهو هل فعلا كانت عملية هروب او حتى تهريب محدودة المشاركة وبطابع خاص من قبل الفارين ومن ساعدهم فقط ام انها اكبر من ذلك ويمكن ان تكون عملية دولة من الاساس وكان وراءها اجهزة رسمية لها علاقة بالأجهزة الامنية وحتى السياسية افتعلت هذه العملية لأغراض اخرى تهدف الى عدة مكاسب محلية وربما حتى خارجية.. منها اشغال الراي التونسي في فترة معينة ربما لها علاقة بالوضع القائم في البلاد ومحاولة توجيه الانظار الى هذا الحدث الكبير عند حدوثه وهو امر ليس بجديد وتقوم به كل الدول والانظمة عند الضرورة ومحاولة اشغال الراي العام عن امور اخرى اكثر اهمية وتأثير في الشارع الداخلي وحتى عند الراي العام الخارجي.

وهل كانت العملية مرتبطة بأحداث معينة كانت تعيشها تونس في تلك الفترة وارتبطت مع الاحداث.. ومنها الموقف من فلسطين وخاصة في موضوع اصدار قانون تجريم التطبيع من عدمه والذي تبين لاحقا ان السلطة الحاكمة او بالأحرى الحاكم الأوحد لا يريد لمثل هكذا قانون ان يرى النور رغم كل مواقفه المعلنة والداعمة للقضية الفلسطينية بكل قوة نظريا على الاقل..

ام ان للأمر علاقة بأثبات قوة ومكانة الامن التونسي بكل مكوناته خاصة امام ما يوجهه من نقد واتهام من قبل عديد النشطاء والمعارضين خاصة نتيجة ما يقوم به من اعمال ضد معارضي النظام وتحديدا الرئيس  وعمليات القبض التي لا تتوقف وطريقة القيام بها من زوار للفجر واقتحام للبيوت وغيرها جعلت منهم هدفا لكل الرافضين لهذه الافعال داخل البلاد وخارجها وما حدث من هروب ثم قبض سريع حولهم فجأة الى ابطال يجب دعمهم والوقوف معهم وانه امام مثل هذه الافعال يصبح من حقهم القيام بما يريدون لحماية البلاد كما يريدون دون أي معارضة او رفض حتى لا يتكرر سيناريو الهروب الكبير مرة اخرى.

او ان للأمر علاقة بالوضع الاقتصادي والازمة المالية التي تعيشها البلاد في السنوات والاخيرة وخاصة في فترة “جماهيرية قيس سعيد” بعد ان فشلت كل الجهود في الحصول على القروض الخارجية التي كلن يمكن ان تساهم في تقليص حدة الازمة ولو نسبيا مع اختفاء العديد من السلع الاساسية او ارتفاع اسعار جلها ليصبح صعب الحصول عليها من قبل المواطن البسيط “الزوالي بالمعنى التونسي”.

 الاحداث كثيرة والاسباب اكثر التي يمكن ان تجعل من مثل هذه العملية جزء من خطة مدبرة داخل اروقة السلطة الامنية خاصة لإبعاد الراي العام عنم احداث محددة لا يراد لها ان تكون متصدرة المشهد في تلك الفترة وهو امر ليس بجديد في حكم الدول وافعال الامن.

فهل فعلا ما حدث في تونس من هروب مساجين كان مجرد عملية طبيعية ومحاولة هروب تخص المساجين ومن ساعدهم فقط.. ام انها فعلا كانت عملية مدبرة لها اهداف اخرى اخرها تمكين المساجين من الهروب النهائي فعلا.. بل وهل حقا من تم تداول صورهم واسماءهم وتهريبهم والقبض عليهم لاحقا هم فعلا نفس الاشخاص الذين تداولت صورهم وذكرت اسماءهم حقا.. ام هناك في الامور امور وفي الحدث احداث ليكون الهروب الكبير والقبض العظيم اساس الحدث فعليا في فيلم تونسي ربما يكون متقن التأليف لكنه لم يكون متقن التنفيذ والاخراج بشكل تام لا لمن يريد ان يظهر السلطة وامنها في موقف الابطال الذين لا مثيل لهم ولا بديل عنهم.

وستبقى كل الاسئلة دون أي اجابات مهما طالت الايام والسنوات حتى ما يطلبه التونسيين انفسهم من كيفية تنفيذ عملية الهروب ولا كيف كانت عملية القبض فعليا وحقيقة لأنها ستصبح جزء من اسرار الدولة الامنية كما غيرها مما حدث في تونس خلال السنوات الماضية ومنها الاعلان عن محاولات اغتيال للرئيس التونسي دون اظهار أي تفاصيل او معرفة أي حقائق عن مثل هذه المحاولات حقيقة ومدى حقيقة ما اعلن فعلا.. وغيرها الكثير مما تعيشه تونس منذ سنوات ويمضي ويمر دون وضوح واجابات.

مقالات ذات علاقة

جائزة نوبل للروائي الليبي هشام مطر؟

محمد قصيبات

وداعاً سيد الريشة المقاتلة

عمر الكدي

أيُّ إصلاحٍ يعنون؟!

علي عبدالله

اترك تعليق