من مقالات منتصف الليل (6)
الصديق الطيب البخاري
بعد اسم الله جلّ وتعالى باسمه والصّلاة والسّلام على رسوله.
إنّها فائدة من معلومة دينيّة في تاريخ حياة سيدنا محمد عليه أفضل صلاة وأزكى التّسليم، فلمن أرادها أزفّها له.
وبداية القول نطرح هذا السّؤال: لماذا كان سيدنا محمد عليه الصّلاة والسّلام خير مخلوقات الله سبحانه وتعالى وأشرفها؟
الجواب هو: لأنّ الله العليّ القدير شرّفه وأعلى من شأنه بكونه المخلوق الوحيد وصل لسدرة المنتهى أو قرب منها، وفيها كلّمه الله وأملى عليه الواجبات وأوامره وطريقة عبادته.
واليكم الحكاية بالتّفصيل؛ فعندما عرج سيّدنا محمد الى السّماء وهو يردف سيّدنا جبريل على ظهر البراق، واجتازا كافّة سماوات الدّنيا والتقى فيها مع من التقى من أنبياء الله ورسله، وصل به جبريل لقرب سدرة المنتهى، توقّف جبريل والبراق في ذاك المكان وتلك اللّحظة مخبرا الرّسول الأعظم بعدم تجاوزه لهذه النّقطة والاّ سيحترق من نور الله المولى عزّ وجلّ.
أمّا أنت يا محمد فالطّريق أمامك سالك والله بعد أمره ودعوته لك بزيارته في انتظارك.
وصل سيدنا محمّد لسدرة المنتهى أو قرب منها، بل أعلاها في ذاك المقام المحمود حتّى أنّه سمع فيها صرير القلم وهو يكتب قدر الله في مخلوقاته، وأراد أن يسلّم على الله، واحتار كيف يلقي السّلام على من هو السّلام أصلا، ثمّ همّ بخلع نعليه تأدّبا وتكريما لموقفه ذاك أمام الله خالقه، فناداه الربّ من علياه تكريما له وتشريفا أن ادخل دون خلع نعليك.
وحين أراد رسولنا الكريم إلقاء السّلام جمع كافّة السّلامات والتّحيّات وهو يخاطب الله ربّ العالمين فقال بإلهام من الله: التحيّات لله، والزّكيّات لله، والطّيبات لله، والصلوات لله.
ردّ عليه الله عزّ وجلّ بعد أن حيّاه النّبي محمّد بكافّة التحيات التي يعرفها بجميعها: السّلام عليك أيّها النّبي ورحمة الله، سعد نبيّنا الكريم بهذه التّحيّة من الله واطمأن لها.
ومن حبّ رسولنا العظيم لكلّ مخلوقات الله وخاصّة منهم المؤمنون برسالته، أراد أن تعمّهم تحيّة الله له فقال: السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين.
وحين سمع سيدنا جبريل عليه السّلام هذا الحوار، واجابة سيّدنا محمّد بطلبه ورجائه أن يعمّ سلام الله على باقي مخلوقاته من عباده الصّالحين قال بعلوّ الصوت: أشهد أن لا اله الاّ الله وأشهد أنّ محمّدا رسول الله.
بعدها أمر الله العزيز الحكيم جميع مخلوقاته بما فيهم كافّة الملائكة أن يصلّوا على رسوله ويسلّموا عليه تسليما.
لذلك جاء في كتاب الله العزيز (القرآن الكريم) قوله تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ الأحزاب 56.
وحيث أنّ جبريل ومعه الملائكة كانوا بأمر الله يصلّون على سيّدنا إبراهيم واله، فهم يردّدون أن صلّي اللهمّ على محمّد واله كما صلّيت على إبراهيم من قبله، وبارك على محمّد واله كما باركت من قبل على ابراهيم واله إنّك حميد مجيب.
((اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك في العالمين حميد مجيب)).
وهذه هي قصّة جلوسنا باختصار للتحيات في كلّ صلواتنا المفروضة علينا، وكذا النّوافل قبلها أو بعدها وما نقول فيها من أمر الله.
نسأل الله أن ينفعنا بعلمه، ويبارك لنا المقصد من نشره.
والسّلام ختام.