عبدالله الغزال
قبل خمسة عشر عاما أو يزيد همس لي الناقد العراقي الشهير الدكتور صالح هويدي وهو أستاذ النقد الأدبي بجامعة الشيخ زايد وقتها قائلا إن عبدالحكيم المالكي يقود فتحا كبيرا في عالم النقد الأدبي. كنا نتجالس في مقهى صغير في حارة من حواري الشارقة القديمة ذات أصيل نحتسي القهوة، وكنت وقتها في الحقيقة مستضافا لتكريمي بنيل الجائزة الأولى عن مجموعتي القصصية السوأة ذات السبع القصص الطويلة.
أضاف الدكتور صالح وهو يرفع فنجانه إلى فمه وصلعته تلمع في شمس الغروب: حكيم درس الهندسة أليس كذلك؟ لكنه لم ينتظر إجابتي فأكمل: هذا سر عبقريته.
وفي ليلة أخرى التقيت فيها بالناقد السوري الكبير الدكتور سمر روحي الفيصل فأسر لي بأن عبدالحكيم المالكي يتجاوز كثيرا ما يطرح الآن في معامل النقد ونظرياته، وابتسم قائلا: حكيم واسع الاطلاع حقا.
وفي الواقع، لا زلت أذكر جيدا كيف كان الناقد المغربي الكبير الدكتور سعيد يقطين ينصت لأحاديث حكيم باهتمام حين كان في زيارة لمصراته بعد ذلك، وكيف كان يولي البروفسور محمد الخبو وهو الناقد التونسي الأشهر لما يقوله المالكي اهتماما خاصا.
لم ينته ذلك العام حتى حصد حكيم جائزة كبيرة في النقد الأدبي هناك عن كتابه آفاق جديدة في الرواية العربية.
ثم ألحقه بإصدار كتابين عن مجلس الثقافة العام بليبيا هما كتاب السرديات والقصة القصيرة الليبية وكتاب استنطاق النص الروائي الذي بذل فيه جهدا إضافيا من حيث اشتغاله على نصوص روائية ليبية لروائيين شباب لم ينالوا الحظ الكافي في المعامل النقدية.
ثم جائزة دار نعمان للثقافة والنشر بلبنان سنة 2006، في مجال النقد الأدبي.
ثم أصدر بعد ذلك كتابا عالي القيمة ودراسة موسوعية عميقة ضمت ثلاثة كتب موسّعة تغطي مدونة السرد الليبي في القصة والرواية، وكان هذا الكتاب قد صدر ضمن منشورات جامعة مصراته قبل سنوات. وكتاب جماليات الرواية الليبية من سرديات الخطاب إلى سرديات الحكاية.
ثم كتاب السرديات والسرد الليبي، وهو كتاب عالي القيمة ودراسة موسوعية عميقة ضمت ثلاثة كتب موسّعة تغطي مدونة السرد الليبي في القصة والرواية، وكان هذا الكتاب قد صدر ضمن منشورات جامعة مصراته.
وكتاب استنطاق النص الروائي وهو موسوعة ضخمة صدرت عن دائرة الثقافة والإعلام بحكومة الشارقة.
ثم جاء كتابه جماليات الرواية الليبية الذي خرج للنور بعد صدور الموسوعة النقدية الضخمة التي صدرت عن المجموعة العربية للتدريب والنشر، وأخضع فيها الكاتب أكثر من 20 عملا روائيا من 9 دول عربية للنقد والدراسة والتحليل في محاولة للوصول بالنقد العربي إلى نظرية موحدة تجمع بين علوم السرديات وعلوم السيميائات.
وها هو اليوم (بالرغم من كل هذا العنت والزمن الصعب) يثري المكتبة العربية بهذه الباقة الرائعة (كتاب السرديات والرواية التونسية وكتاب التداخل النوعي والإجناسي أداة لتحليل الرواية، وكتاب، النقد التطبيقي للقصة الليبية القصيرة).
حكيم الذي شق طريقه بعبقرية فذة حتى في مجال تخصصه الأصلي وهو الهندسة الميكانيكية ليثير في رأسي الآن تلك الذكريات البعيدة حين كنا نترافق في كلية الهندسة وكيف كان بارعا بحق وكيف كان صبورا كريما مفتونا بالأدب والشعر وهو يتفوق في التفاضل والتكامل وعلوم المصفوفات والانتقال الحراري وميكانيكا الموائع وهندسة التوربينات والديناميكا الحرارية. ثم يكمل مشواره العلمي بعد ذلك في دراسته الهندسية العليا بتفوق كبير.
ثم يكمل عطاءه وتتبنى مكتبة ودار الشعب بمصراته إصدار ثلاثة كتب على نفقتها لهذا الناقد القدير وهي باقة خاضت في مجاهل فنون السرد العربي (والتونسي والليبي خصوصا) نزل فيها المالكي إلى أعماق لم تطأها قدم إنسان من قبل، ثرية جدا بكم هائل من الاكتشافات والرؤى الجديدة تكشف بحق قدرة هذا الناقد على سبر الأغوار القصية لعلوم النقد لفن كتابة السرد وزواياه المعتمة التي حاول النيهوم وغيره من بعض الهواة الولوج إليها بتواضع كبير مقارنة بالنقلة الهائلة التي انتقل بها المالكي بالنقد عبر أبحاثه وكتبه وموسوعاته العلمية..
ما أنجزه الأستاذ المالكي يعتبر من أهم المراجع البحثية للطلبة الدارسين، بل وربما أعتبره أهمها على الإطلاق، وأيضا يعتبر محطة فائقة الأهمية حتى للسائرين في دروب السرد الباحثين عن أسراره..