المقالة

حبوا الوطن

أمسية ضاجة بالشعر والغناء شنفت أسماعنا، أنصتنا بانتباه ووجع، ضحكنا لغمزٍ ولمز نبشَ مفارقات همومنا اليومية، دُهشنا لطفولة اليوم تغنى أمل الغد «بكره أجمل من النهارده»!، استعدنا أغانى ظلت عالقة بأذهاننا زمن النضال القومى أنا العطشان ماليش ميه إلا فلسطين، صور ومشاهد عبرت بمخيلتنا وحلقت بنا ونحن جلوس بقاعة أنيقة وعند إحدى شرفاتها، وقد امتلأت المقاعد بعائلات جاءت وأطفالها فمن سيعلو صوته هو صوت الناس أبوهم وابنهم، كانت شارة المسرح القومى بحى العتبة تعلن أن ركحها يتصدرهُ شاعر وطن عارك الخطوب والأزمات فأطلق كلماته حواديث الناس منغصاتهم، مشاعرهم، آمالهم، كنا فى صحبة الشاعر الكبير «فؤاد حداد» (1927-1985) من ضرب بمطرقته مُستحثا وعينا عبر جل دوواينه، وقد انتخب منها ابنه الشاعر أمين حداد نصوصا حاذت بعضها لتشكل نسيج عرض شعرى غنائى «حى على البلد».

كان حضورا مؤجلا لدعوة تلقيتها منذ عروض شهر رمضان، من عتيدى جريدة روز اليوسف «رجب بدر» و«إسماعيل الحاوي» وهما من فريق العمل المسرحى «حى على البلد» ومن رواد المسرح القومي، ساعة أعلمانى بأسبوع عرض جرى استحداثه مع هذا الشهر (يوليو) قررت أن أجيب لما أحب «والرجل تدب مطرح ما تحب» تيمة فؤاد فى المسحراتي، وفى ليبيا نقول «تمشى الرجل وين ما يحب الخاطر»، دخلت المسرح القومى فى مساء موعد العرض وجمعنا مُخرج العرض أحمد إسماعيل بطاولة كرم ورحابة على رأسها د. جابر عصفور وزوجته، الكاتب والباحث د. نبيل عبدالفتاح، الإذاعى القدير والكاتب الصحفى على الخولي، الشاعرة الروائية التشكيلية الإماراتية ميسون صقر، ود. كريمة الحفناوى الكاتبة بجريدة الدستور، وزوجها طبيب القلب د. محمد حسن خليل وعلى قهوة القومى تبادلنا الأحاديث حداد الشاعر وهو المترجم، حول المسرح المصرى بداياته والمسرح العربى برموزه مررنا بتونس والجزائر ولبنان، وعلق د. نبيل عبدالفتاح: المسرح فكر ونحتاج فى أوطاننا مناخا ديمقراطيا ينطلق فيه هذا الفن، فوافقته معتبرة أن ذلك من أس كيانه ما يجعله عاكسا لواقع الحال طارحا مقتضيات علاجه.

هو ركح المسرح ولأتذكر علاقتى به وقد أمضيت سنين أحاضر بقسم المسرح بكلية الفنون والإعلام بجامعة طرابلس، وكانت لى تجارب كممثلة مسرحية فى بلد ظل مناخه طاردا ونابذا له، غير أن مدينة بنغازى شهدت فرضها ودفاعها عن هذا الفن وبعروض جعلت المتلقى (الجمهور) يعاضد تلك المقاومة من فاعليه ليكون فى الموعد الذى لم يخطئه أبدا، وسيمارس المسرح دورا معاندا وناقدا تلك الأوضاع التى عاشتها المدينة ومنها مسرحية شَرّحت حادثة مُصاب الإيدز التى ضربت أطفال المدينة تحت سمع وبصر النظام 19.

ساعة خرجنا من العرض «حى على البلد» اتجه بنا مخرج العمل «أحمد إسماعيل «ومدير عام المسرح «يوسف إسماعيل» إلى صالة الضيوف وإذا بكادر العمل يتوالون علينا سلاما وترحيبا على رأسهم من جسدوا بأصواتهم وأوصلوا بجدارة وتمكن حروف وكلمات أشعار فؤاد حداد لما يزيد على الساعة رفقة الفرقة الموسيقية بقيادة المايسترو د. صابر عبدالستار الفنانون الممثلون الكبار: عهدى صادق، أشرف عبدالغفور، مفيد عاشور والموسيقار محمد عزت، وفاجأتنا بقبلات الـ مرحبا الطفلتان المغنيتان فرح وهناء وبملابس العرض بألوانها الزاهية وهفهفة وانسياب تفصيلها، وكان أن أعلن الفنان عبدالغفور أنه لأول مرة يغنى على ركح المسرح صحبة فرقة وعلق ضاحكا: مش عارف إن كنت حعيد الغُنا مرة ثانية، نجح العرض بأصوات فنانيه العارفة بمكامن المعانى المعلنة والمستترة منها، كانت الفنانة رحاب رسمى شعلة حيوية وجذب، والصوت الأوبرالى سارة مدحت التى نابت عن الفنانة نهال خالد وقد نجحت بأدائها. وتبقى الإشارة إلى ما أحدثه دخول الفنان عهدى صادق وقد كسر إيقاع العرض الشعرى طالعا من بين الجمهور بحلم «عبدالله العجوز مع السلطان» ثم متلبسا هيئة فأر محيلا «رقصة فار» حداد إلى دراما معبرة عن حال «العيانين الكحيانين».

كان عرضا شعريا غنائيا يجعل من دور المسرح ووظيفته متطلبا رئيسيا فى راهننا الذى نقاوم فيه سواد العنف والتطرف، فبالكلمة كان البدء.

مقالات ذات علاقة

النمر الأزرق أو إدواردو غاليانو

محمد الترهوني

سفينة الحمقى

الصديق بودوارة

أين ليبيا التي عرفت؟ (23)

المشرف العام

اترك تعليق