من مقالات منتصف الليل (3)
الصديث الطيب البخاري
قال الله تعالى في كتابه العزيز:
بسم الله الرّحمن الرّحيم {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} الأنفال 33.
ففي باب بيان بلاغة القرآن الكريم نورد هذا السّؤال كفائدة لغويّة:
لماذا استعمل الله العليّ القدير كلمة العذاب (ليعذّبهم) بصيغة فعل عند ذكره (وَأَنتَ فِيهِمْ)، بينما استعمل كلمة العذاب بصيغة اسم فاعل (معذّبهم) عند ذكره (وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)؟؟؟
نقول بعونه تعالى الآتي:
من المعلوم أنّ الفعل أي فعل يحمل في معناه زمنا محدّدا (ماض أو مضارع – حالي – أو مستقبل، أمّا اسم الفاعل فيحمل في صفته جميع الأزمنة من ماض وحاضر ومستقبل.
فمن دقّة كلام الله اللّغوية في القرآن أن استعمل في نفيه وقوع العذاب صيغة الفعل وزمنه هو (وأنت فيهم) سواء على المؤمنين به أو غيرهم من المشركين، باعتبار وجود سيدنا محمّد عليه الصلاة والسّلام بينهم في مكّة.
وبعد خروجه منها مهاجرا الى المدينة نزل قوله تعالى:
{وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ ۚ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}. الأنفال 34.
فهنا زال نفي الفعل (يعذّبهم) بزوال زمنه (وأنت فيهم) دليل ذلك ما حدث للمشركين من هزائم وقتل في حروبهم ضدّ الرّسول الكريم حتى أن عاد اليها سيدنا محمّد عليه الصلاة والسّلام ومعه صحبه فاتحا وهذا أشدّ عذاب طال أئمّة الكفر في مكّة، فتحقّق العذاب بعد نفيه لانتفاء الزّمن (وأنت فيهم).
أمّا عندما أراد الله نفي وقوع العذاب في أي زمن كان (ماض أو حاضر ومستقبل) استعمل صيغة اسم الفاعل الذي لا زمن له معذّبهم (معذّب) بقوله (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)
وبعد انتقال رسولنا الكريم عليه أفضل صلاة وأزكى تسليم الى الرّفيق الأعلى زال نفي وقوع فعل العذاب بزوال زمنه (وأنت فيهم) وبقي نفي الوقوع ببقاء اسم الفاعل (معذّب) وبصفته التي لا زمن لها.
فما لنا سوى الاستغفار كوسيلة لاتّقاء عذاب الله فاستغفروه أستغفر الله العظيم
والسّلام ختام.