الطيوب : متابعة وتصوير / مهنَّد سليمان
بحضور لفيف من المثقفين والمهتمين نظم صباح يوم السبت 11 من شهر نوفمبر الجاري مجمع اللغة العربية بطرابلس محاضرة للدكتور “عمر لطفي العالم” في إطار البرنامج العلمي والثقافي للمجمع لعام 2023م، جاءت بعنوان (اللغة العربية واللغات الأوروبية، جدلية العلاقة بين القرآن واللغة)، أدارها وقدمها الدكتور “الصدّيق بشير نصر”، واستهل الدكتور العالم في توطئته إلى أن هذه المحاضرة هي مساهمة لبحوث طرقها كثيرون قبلي ربما اجتهد بعضهم وأفلح، وله أجران وقد لا يكون وله في كل الأحوال أجر واحد، وأردف بالقول : إن كان هذا العمل على حرف فسيحفظ التاريخ والثقافة ذلك وما العلم إلا مساهمة البعض يبني فيه على البعض الآخر، والنتيجة أن العلم بناء إنساني متراكم والثقافة كذلك، وأضاف الدكتور العالم بأن هنالك خطاب تقتضيه الضرورة الحاضرة لما أصاب اللغة العربية من وهن وأصابها من ركود وأصابها من رشق السهام من الخاص والعام سواء بسواء حيث أوجّه هذا الخطاب إلى اللذين استخفوا بلغتهم العربية، وإلى اللذين فتنوا بالثقافة الغربية بنظرياتها وأطروحاتها وفلسفاتها اللادينية القديمة والمعاصرة، واللذين يلتمسون الحل للخروج من المأزق الثقافي اللذين يعانون منه في المرحلة الآنية أو يعاني منه المستوى العام على الساحتين العربية والإسلامية بوجود حلول أخرى هي حلول في النهاية تعكس جهلا مبينا بتاريخ ثقافة هذه الأمة وماضيها والاستخفاف بماضيهم ولغتهم بقرآنهم وبقول مختصر مفيد بدينهم الإسلامي الحنيف.
وحدة الدين واللغة
كما أورد الدكتور العالم رواية من إحدى الورايات الكثيرة التي لفت إلى أنها قد لا تنعي للقارئ العادي شيئا بقدر ما تعني الكثير للدارس والباحث، وركز الدكتور العالم على الروايات حول قراءة أفراد من بعض قبائل العرب لآية قرآنية بلهجاتها بين يدي الرسول الكريم جعلت ابن قتيبة يقول (لو أن كل فريق من هؤلاء أُمر أن بزول عن لغته وما جرى عليه اعتياده طفلا وناشئا وكهلا لأشتد عليه وعظمته المحنة فيه، ولم يمكنه إلا بعد رياضة للنفس طويلة)، وأكد الدكتور العالم بأن تلك هي الحقيقة التاريخية التي لا سبيل للقفز فوقها باعتبارها جسّدت ومثلت بالأدلة والبراهين وحدة الدين واللغة لدى العرب، وفي المقابل أوضح الدكتور العالم أنه لا ينبغي لهذه المعطيات أن تُنسينا بأن القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان فالقرآن وحي منزل للبيان والإعجاز بينما القراءات اختلاف ألفاظ الوحي المذكورة في كتابة الحروف تبعا لكيفيتها.
العربية والمنهج العلمي
فيما أضاف الدكتور العالم أن العربي لم يفعل ذلك بداعي النظر إلى غيره من اللغات بل بعامل حسي تأصل ورثه كابر عن كابر، وله العذر كل العذر إن لم يجامل على حساب مشاعره أو التفريط بوديعة صنعها له الزمان بطوله وفضوله، واستطرد الدكتور العالم مشيرا إلى أن الأوروبيون أخذوا على اللغة العربية (انحرافا) على المنهج العلمي السوي لتنبهر النخبة العربية المستحدثة بطروحات علم اللغة الحديث وبالأثر الإبجابي على النهضة الأوروبية الشاملة، وتساءل الدكتور العالم قائلا : ترى أي رقية أي تميمة تلك التي دفعت عن اللغات الأوروبية الحية شيطان التخلف وأدخلت لغة الذوات فردوس التقنية الموعود ؟، وتابع موضحا : كانت اللغات الأوربية الحديثة التي نعرفها اليوم قبل الاجتياح الروماني مجرد لهجات محلية أما بعد الاجتياح فقد أصبحت ألمانية أو فرنسية وما نحوها، واحتفظت اللاتينية بمكانتها في صورة المصطلحات العلمية لاسيما في المعاجم المتخصصة، وفي الصلوات والحلقات الاجتماعية المغلقة، ومهّدت هذه الفسيفساء اللغوية لنشوء الدرس اللغوي الأوروبي، وأضاف الدكتور العالم بأن إدراك الفارق اللغوي في نظرتنا الشاملة للعربية بالقياس إلى غيرها الأوروبيات بالخصوص يتطلب بالضرورة تتبع المنهج الذي سلكه الدارسون اللغويون الغربيون، ومقابلته بالجهد العربي المبكر الذي ينتظر حكمكم عليه، مؤكدا بأن التطور البارز في الدراسات اللغوية الغربية لم يقع إلا في عام 1786م إذ أحدثه السير “وليام جونز” بالتأكيد على انتساب اللغات السنسكريتية واليونانية واللاتينية إلى لغة واحدة.