بمناسبة اليوم العالمي للتصوير الفوتوغرافي الذي يوافق 19 أغسطس/ آب/ أوت/
طـه ڪريوي
ضمن سلسلتنا من المقالات والجلسات التي سنصل من خلالاها لتحسين معارفنا عن التصوير الفوتوغرافي، وأيضاً لتحقيق هدف الوصول إلى إلمام المصورين الجدد والهواة، الكامل بقواعد التصوير لنحقق بذلك تطوير أداء المصورين الفوتوغرافيين بشكل عام، وبالأخص المهتمين بالتصوير الصحفي، والتصوير التوثيقي، وتصوير الشارع، وسنعرض في مقالنا هذا أجزاءً بسيطة من الأطروحة التي تم إعدادها لنيل درجة الدكتوراه في مجال العلوم السمعية البصرية.
هناك خلل نمر به اليوم في أساسيات مفهومنا عن الصورة بشكل عام (الصورة الثابتة/الفوتوغرافية والمتحركة/الفيديو) وبشكل خاص في الصورة الفوتوغرافية، هذه المشكلة ليست وليدة اللحظة، وإنما نتجت عن عدة ظروف وأسباب ليس بيدنا أن نغيرها اليوم، وإنما وجب معرفتها والاطلاع عليها لفهم مكمن الخلل.
وأيضاً هناك أسباباً وظروفاً يمكننا أن نغيرها، وهي معضلة تمس كل البشر بالأساس تقريباً، ودون استثناء ويمر بها المصورين اليوم في كل أنحاء العالم وبالأخص في عالمنا العربي، وكذلك وقع فيها الكثير من المصورين الجدد والهواة في العقدين الأخيرين، والمتمثلة في عدم اعتمادهم على البحث والمطالعة لكسب المعرفة، للوصول للمعلومة الصحيحة بنسبة 100% واقتصار ذلك على النقل وبالذات الشفوي من بعض ممن سبقهم، وهي الطريقة التي قد تكون ساهمت دائماً في وصول المعلومة إما منقوصة أو تحمل في طياتها بعض من المفاهيم المغلوطة.
نستطيع أن نلخص بأن هذه المعضلة تفاقمت بمرور الزمن والمسألة تماماً كتدحرج كرة الثلج، وللتأكيد على ذلك نرى اليوم اعتماد الكثيرين من المصورين الشباب في الآونة الأخيرة للحصول على المعلومة من خلال ما نسمعه ونراه في الفيديوهات عبر الإنترنت، والتي لا تشكل عيباً في حد ذاتها، بل بالعكس، فهي الأدوات التقنية الحديثة والسريعة المثلى اليوم التي تساهم في الوصول للمعلومة بسرعة البرق، إلا أن الملاحظ، أن معظم المحتوى الموجود الآن والمنشور على الإنترنت، تشوبه العديد من الشوائب، سواءً في دقة المعلومات أو انتقاصها أو اجتزائها، وكل ذلك عائد، لوفرة واستسهال من يقدم المعلومة، دون وجود ضوابط، للتأكد من معايير صحة ودقة وعدم اجتزاء ما يقدم.
اليوم سنتوقف عند محطة مهمة، وهي إحدى المعلومات التي شابها بعض التشويه وعدم الأمانة في نقلها عبر الأجيال في مجال العلوم البصرية والمرتبطة تماماً بمجال التصوير الفوتوغرافي، لتصبح بذلك نتيجة هذا النقل، نوع من الانحراف غير المقصود، وخللاً في المفاهيم في واحدة من أهم قواعد التصوير الفوتوغرافي والمرتبطة أساساً بالعلوم البصرية، هذه القاعدة التي قد يدركها الكثيرون بشكلها الصحيح دون تشويه، ولكن للأسف الشديد يجهلها كثيرون جداً، وطبعاً هذا ليس انطباعا لدي أو لدى المتخصصين وإنما شيء مثبت مما نراه من صورٍ هنا وهناك.
المشكلة تتعلق بشكل إطار الصورة الفوتوغرافية، وهنا لا نقصد بالإطار (البرواز) الخارجي للصورة، الذي يعزل الصورة عن محيطها أو ليسهل تعليقها وعرضها، وأيضاً لا نقصد قاعدة التأطير داخل الصورة الملتقطة، وإنما المقصود هو شكل وأبعاد الصورة الفوتوغرافية في حد ذاتها.
إطار الصورة الفوتوغرافية وهو الذي من المفترض أن يكون متناسباً مع نتيجة الصورة البصرية الطبيعية، بغض النظر عن أبعادها المتوازنة (Aspect Ratio) ، والذي وضع، بناءً على معطيات صحيحة قديمة قدم الفنون التشكيلية، والانحراف في الأبعاد المعمول بها اليوم في الصورة (البصرية) والمبنية على معطيات مستحدثة، لا علاقة لها من النواحي العلمية بمجال الرؤية البصرية، وإنما لأسباب إما تقنية صرفة أو لأسباب تجارية بحتة، ويعود جلها نتيجة للقصور التقني في فترات ما، في الدورة الإنتاجية المتكاملة لمخرجات صناعة الصورة، من حيث الآلات والمعدات والمواد وحتى المهن المرتبطة والمكملة لها. قبل أن تظهر الصورة الضوئية بمئات السنين، وضع الرسامين مجموعة من القواعد للصورة، بنيت هذه القواعد على الملاحظة والمشاهدة، وأثبتت العلوم اليوم أن تلك القواعد البصرية، لم تكن مخطئة وأنها لم تأتي من فراغ، إلا أن المتخصصين من الرسامين والتشكيليين، رغم قناعتهم التامة بكل تلك القواعد آن ذاك، إلا أنهم لم يكن باستطاعتهم إثبات علميتها، أو مصداقيتها ودقتها.
أولى تلك القواعد، ما يعرف بالإطار (Frame) أو ما يطلق عليه من قبل أهل الصورة الضوئية والسينمائية وأهل الفيديو فيما بعد بالـ “كادر” وهي الكلمة (التسمية) الفرنسية لنفس المسمى.
الرسامين الذين زينت رسوماتهم عبر التاريخ، قباب وأسقف وجدران الكنائس والمعابد، كانوا يدركون بأن الجداريات تعطيهم مساحةً أوسع، وحريةً في الحركة، للقيام بأدائهم وإبداعاتهم في رسم وتلوين لوحاتهم الفنية، ولكنهم أيضاً وضعوا قواعد لا جدال فيها عندما رسموا صورهم (رسوماتهم) على لوحات القماش، التي جعلوها مستطيلة الشكل، وجعلوا من هذا الشكل المستطيل القاعدة الأولى للصورة، مستندين على مجال وزاوية رؤية العين الواحدة في لحظة الجمود، وأيضاً على مجال وزاوية رؤية العينان معاً في حالة الجمود، حيث يزيد اتساع المستطيل المتمثل في زاوية الرؤية، يميناً ويساراً فقط، أي أنه في الحقيقة باستخدام العين البشرية، لا يمكن للعين أن ترى ما هو أعلى وما هو أسفل هذا الإطار المستطيل إلا من خلال تحريك العينان إلى أعلى وإلى أسفل النقطة التي كان تركيز العين عليها، أثناء لحظة الجمود، تماماً كما نفعل اليوم بالكاميرا. وبهذا نجد أن الإطار الطبيعي للصورة والذي لا يستهجنها العقل هي الصورة المستطيلة الشكل، في حين أن غير ذلك من الأشكال الهندسية لإطار الصورة، تستدعي عقل المشاهد أو المتلقي لملئ الفراغات التي تنتج عن اختلاف الشكل المستطيل، وهو الأمر الذي يشكل تشتيتاً للذهن والنظر معاً.
ومن هذه القاعدة سنجد أن الإطار الطبيعي المماثل لمجال رؤية العين هو المستطيل الأفقي، الذي وضع كأساس للإطار الذي يجب رسم (تصوير) المناظر فيه بديلاً عن العين البشرية، وليطلق عليه مسمى الإطار الأفقي، أو ما يعرف اليوم لدينا باسم (Landscape).
ثانياً وجدوا أن الإطار المستطيل بشكله الطبيعي المحاكي للعين، سيكون دائماً أفقياً وفق موضع العينين، إلا أنه يمكن استبداله عمودياً، في حال استخدام عين واحدة، مع شرط خلق حواجز للعين لتضييق مجال الرؤيا، ولتتأكد من ذلك بنفسك، اغمض إحدى عيناك، وضع يداك الإثنين على جانبي العين المفتوحة لتأطير ما تشاهده لحصولك على منظراً مرئياً عمودياً، وستلاحظ أن ما يتميز به هذا المشهد الضيق حصر تركيز النظر لما هو واقع في مجال نظرك، وأنه مناسباً جداً لرؤية شخص واحد دون تشتيت، وسنجد أن من هذا التكنيك، أصبح موجود لدينا إطار محدد الجوانب هو المستطيل العمودي أو ما يطلق عليه اسم (Portrait)، والذي يستخدم لحصر صورة شخص ما بالذات عن قرب. لم تكن هذه القاعدة هي الوحيدة ضمن عدد من القواعد التي وضعت، للتعامل مع الصورة (الرسم) وإنما هناك المزيد منها، معظمها له علاقة بمحتوى الصورة أو ما يسمى التكوين (Composition) والتي سنتحدث عنها في وقت لاحق عندما تحين الحاجة للحديث عنها، ونكتفي هنا بالتأكيد حسب كل ما تقدم، بأن أي شكل آخر لإطار الصورة غير المستطيل يعتبر معيباً، لما به من تشتيت للعين والعقل.
كما لا بد أن نشير إلى أنه اليوم، على الرغم من التداول الكبير للصورة في حياتنا، بإطارات مختلفة الأبعاد والأشكال غير الشكل المستطيل، إلا أن الصورة ذات الإطار المستطيل هي الصورة الوحيدة المعترف بها رسمياً في المعاملات الرسمية والدولية، سواءً كان ذلك في مجال الصحافة والإعلام، أو فيما يخص التوثيق والبحث العلمي، أو حتى في المعاملات الحكومية، وحتى في مسابقات التصوير الاحترافية. الملاحظة الوحيدة التي يستوجب ذكرها هنا، والتنبيه والتشديد عليها وهي أن هذه القاعدة والعديد من القواعد الأخرى قد لا تنطبق على إحدى أنواع التصوير الضوئي، ألا وهو التصوير التجريدي الذي هو خارج موضوعنا بالأساس، وهو كمثيلاته من الأنماط التجريدية التشكيلية المختلفة الأخرى، التي لا تخضع للضوابط البصرية المقيدة ولا تخضع لسلطة وسطوة المقاييس البصرية بقدر ما تخضع لسلطة وسطوة الخيال، بسبب اعتمادها الكلي على الإبداع التخيلي قبل التعبير عنه بالإبداع البصري.
بدايات التطبيق الفعلي لقاعدة الإطار المستطيل في الصورة الضوئية وما صاحبه من خرق للقاعدة
لو قمنا بالعودة للوراء قليلاً لنتتبع مسار تاريخ الصورة الضوئية، سنجد أن هذه القاعدة (الإطار المستطيل) تم تطبيقها منذ بداية التصوير الضوئي ولمدة سنوات طويلة، باستخدام جميع الأنواع المتعددة من الآلات (الكاميرات) والمعدات (العدسات) والمواد التي من خلالها أصبح ممكناً إظهار الصورة الملتقطة وحفظها، بداية بألواح الكربون مروراً بألواح الزنك ووصولاً للأفلام وطباعة الصورة على الورق. ومع بداية مراحل تقدم صناعة الأفلام وطباعة النيجاتف (الصور السلبية) ومن ثم طباعتها على الورق، قام بعض مصنعي آلات ومعدات التصوير من بين أهمها شركة كوداك (Kodak) بخرق هذه القاعدة لأسباب تقنية واقتصادية بحتة، وكسرها بإنتاج كاميرات وأفلام تظهر نتائج الصورة الضوئية مطبوعة على الورق باطار مربع، كان الهدف من إنتاج هذه الكاميرات التي تكسر قاعدة الإطار المستطيل، هو إنتاج كاميرات صغيرة وخفيفة ورخيصة للعامة، بغية جعل الكاميرا أداة في متناول عامة الناس، حيث لم تمكن التقنية آن ذاك شركة كوداك والشركات المصنعة الأخرى، من توسيع رقعة المساحة داخل الكاميرا وعلى الأفلام دون زيادة التكلفة، ولهذا بدأ ظهور وانتشار الصورة المطبوعة ذات الإطار المربع الشكل، وفي فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية من القرن الماضي استمرت حتى الستينيات السبعينات حين أطلقت شركة بولورويد كاميراتها للصور الملونة السريعة الظهور بإطارها المربع الشكل، والتي هي أيضاً اختفت تدريجياً لأسباب تتعلق بجودة ودقة المواد المثبتة لألوان الصورة، والمدة التي تبقى عليها الصور على حالتها الأصلية، دون أن تتبدل ألوانها نتيجة لعوامل كثيرة منها الحرارة والرطوبة وكمية الضوء التي قد تتعرض لها تلك الصور، بعد طباعتها. في نفس هذه المرحلة، سنجد أنه كان هناك دائماً كاميرات وأفلام وصور يستخدمونها المحترفين، نتائج صورها مطبوعة على ورق ذات إطار مستطيل الشكل، وهي مصنعة من قبل نفس الشركات آنفة الذكر، ولكنها غالباً ما كان سعر آلات التصوير تلك وأفلامها التي لا غناً عنها في عالم الصورة الاحترافية، مرتفعاً للغاية مقارنةً بالكاميرات والمواد التي كانت تروج له للعامة، تلك الكاميرات باهظة الثمن غالباً ما كانت متاحة للاستخدام العلمي والفضاء وللصحفيين ولدى الجهات التي تعمل على التوثيق، سواء كانت جهات علمية أو مراكز بحث أو جهات عسكرية أو أمنية.
وهذا يثبت أن تلك الشركات كانت تعلم جيداً تلك القاعدة الأساسية فيما يخص الإطار المستطيل الشكل، وتعمدها التغاضي عن تلك القاعدة بإنتاج كاميرات وأفلام، وبالنهاية صور مطبوعة بإطار غير مستطيل الشكل من أجل التمكن من إنتاج المزيد من الكاميرات بتكلفة زهيدة نسبياً، أي لأجل المصلحة المادية، في حين أن الإطار المربع الشكل لم يعتد به رسمياً في مجالات عديدة من التصوير، ومن قبل جهات عدة، كانت أهما تعمل في مجالات الصحافة والتوثيق منذ ذلك الوقت وحتى اليوم.
السينما والتلفزيون وأثرها على إطار الصورة
السينما التي اعتمدت في عالمها على الصور المتحركة أو بالأصح المستمرة والتي أساسها صورة ضوئية واحدة، من بين سلسلة من الصور عددها 24 صورة ضوئية في كل ثانية، اعتمدت نفس القواعد، وأولها الإطار المستطيل، ومع مرور الوقت زادت في اتساع المستطيل لفسح مجال رؤية أوسع في محاكاتها لمجال رؤية البشر، باعتبار أن المشهد الكامل يرى بعينين اثنين معاً، لتكون أقرب إلى الواقعية من إطار العين الواحدة، وعلى الرغم من أن السينما اليوم يزيد عمرها عن 100 عام، لم نرى يوماً فلماً سينمائيا يستخدم إطاراً غير المستطيل الشكل.
أما التلفزيون وهو الأداة البصرية الثورية، التي شهدت تطوراً سريعاً وهائلاً منذ اختراعه وحتى اليوم، فله أيضاً نصيب لا بأس به من المساهمة في تبدل المفاهيم حول الصورة وشكل الإطار وحجمه لدى المتلقي، وتشويه تلك القاعدة البصرية لديه دون أن يدرك ذلك الأثر، على مفهوم الشكل المستطيل وارتباطه بمجال الرؤيا الطبيعية، ففي بدايات اختراع شاشات التلفزيون كانت الشاشات بإطار مربع الشكل، هذا الإطار المربع أنتجته الشركات المصنعة آن ذاك نتيجة إلى الحدود التقنية المكتشفة والمتوصل إليها، واعتمادها على شاشات مدفع (الكاثود والأنود) الإلكتروني والذي ظهر على شكل دائري كروي في الأساس، فتلك الشركات في الحقيقية عملت جاهدةً لتغيير شكل إطار شاشاتها من الدائري إلى المربع، بجهد جهيد، ومع مرور السنين وتقدم التقنية بدأت شاشات التلفزيون تستعيد شكلها الطبيعي المتمثل في إطار مستطيل، شيئاً فشيئاً، حتى تم التخلص تماماً من شاشات مدفع (الكاثود والأنود) الإلكتروني، واستبدالها بتقنية (LCD) ومن ثم تقنية (LED) والتي فسحت مجالاً لعودة الشاشات أي الصورة بإطار مستطيل الشكل بل بأكثر اتساعا، وهذا دليلاً آخر لغير المتخصصين في مجال العلوم البصرية السمعية، يؤكد أن الإطار المستطيل الشكل والذي وضعت قاعدته منذ مئات الأعوام هو الأنسب للصورة التي نراها بعيوننا.
كاميرات التلفزيون منذ بدايته هي الأخرى خضعت في بداية الأمر لمجاراة شكل الإطار المربع الذي يمكن عرضه على إطار شاشات التلفزيون المربعة الشكل، وذلك كان نتيجة العائق التقني وليس اختيارا، ولكن سرعان ما تبدل ذلك بتصحيح تلقائي، انعكست نتائجه تماماً عند ظهور كاميرات الفيديو، التي ظهرت منذ البداية بإطارها المستطيل الشكل. ويعزو بعض الباحثين أن فترة ظهور التلفزيون بإطاره المربع الشكل، أثر بشكل دراماتيكي على مفهوم إطار الصورة لدى المتلقي ولهذا السبب تحديداً، وجدت شركات صناعة الكاميرات الفوتوغرافية حجة ومخرجاً لها للاستمرار في صناعة كاميراتها التي تتماشى نتائج صورها، مع ما يتقبله العامة.
الهواتف المحمولة والسويشيال ميديا وأثرها على إطار الصورة
مع تواجد التقنية الرقمية ودخول الصورة الرقمية إلى حيز الوجود حرصت الشركات المصنعة للكاميرات DSLR جاهدة للحفاظ على القاعدة الأساسية التي عليهم هم توفيرها وهي قاعدة الإطار المستطيل، على أن يطبق المصور باقي القواعد من خلال تجربته ومعرفته وخلاصة فنه، فاليوم لا يوجد كاميرا على الإطلاق نتائج صورها لا تكون بإطار مستطيل الشكل، فكل المتحساسات الضوئية (السينسورز) بالكاميرات مستطيلة الشكل، ونتائج صورها بالتالي كلها دون استثناء بإطار مستطيل الشكل.
وينطبق ذلك أيضاً على كاميرات الهواتف المحمولة التي تنتجها الشركات وتتنافس في تحسين جودتها ومقدار عدد نقاط الوضوح (البكسل) فيها والتي وصلت إلى ملايين النقاط، هي بالتأكيد شي عظيم يضيف إلى عالم الصورة، ويعززه. هذه الشركات مثل سابقاتها من شركات تصنيع الكاميرات والأفلام سابقاً، وعلى الرغم من أن همها الأساسي المزيد من تسويق منتجاتها وتحقيق الربح، إلا أنها حرصت دائماً على تقديم الأفضل دون المساس بالقواعد التي لا يجب المساس بها في عالم الصورة، وهو الإطار ذو الشكل المستطيل، وحقيقة هي لم تبخل بتقديم ما يمكن تقديمه لإنتاج صوراً أفضل مع حرصها على تلك القواعد البصرية السليمة والتي من ضمنها الإطار المستطيل، بل أنها تحاول إتاحة مجالات أوسع للصورة بوجود التقنية الرقمية، حيث ظهرت الصورة البانورامية وصورة °360 والصور ثلاثية الأبعاد، وكل يوم ترى المزيد من الاختراعات والابتكارات، إلا أن تلك الشركات لم ولن تجبر أحداً على أن يستخدم الكاميرا بالطريقة المثلى أو أن تجبر الناس على الالتزام بإنتاج صوراً ذات إطار مستطيل.
الهواتف المحمولة نعمة ونقمة في آن واحد، فكونها نعمة، هي بالتأكيد سهلت على الجميع التقاط الصور ونشرها، فمئات الملايين من البشر اليوم تحمل في جيبها وبيدها كاميرات تلتقط من خلالها مليارات الصور يومياً وتقوم بمشاركتها مع الأصدقاء والأحباب، وهذا جيد بالتأكيد، وجعل من ثقافة الصورة تنتشر شيئاً فشيئاً، إلا أن الجانب السيء منها والذي يعد نقمة على عالم الصورة بمفهومها الاحترافي والتقني، هو عدم اكتراث الملايين من هؤلاء الناس بكيف يجب أن تكون عليه الصورة، وبدون دراية لأبسط قواعد التصوير أصبحنا نرى صوراً ومصورين، (وأقولها بكل أسف) لا يرون أي مشكلة في صورهم التي تتعارض مع الكثير من القواعد البصرية، حتى بما فيها البديهية أو التي تتناسب مع مجال الرؤيا الطبيعية للعين البشرية، أو حتى تلك القواعد التي لو طبقت ستظهر جماليات أكبر بالصورة.
مواقع التواصل الاجتماعي والتي نتعامل معها عشرات المرات إن لم نقل مئات المرات يومياً يحاول بعضها التقيد بتلك القواعد، إلا أن البعض الآخر منذ تأسيسه يبحث عن أن يكون مختلفاً عن المعتاد والسائد وذلك لجلب الانتباه وإعطاء إحساس يالتميز والاختلاف، وهذه مسائل تسويقية يطول شرحها ولا مجال بذكرها الآن، ولكن كل همها هو الحصول على أكبر من الزبائن والمستخدمين، من أكبر الأمثلة على ذلك شركة إنستغرام وتطبيقها الشهير، الذي يعرض صوراً ذات إطار مربع الشكل للظهور بمظهر متميز عن بقية المنصات، ضاربة عرض الحائط بقاعدتنا، والتي ضلت وأبقت على تلك الصور بإطارها المربع، حتى استحوذت شركة أخرى عليها وهي شركة فيسبوك، والتي تدرك مدى أهمية تلك القاعدة بالنسبة للصورة حيث أجرت تعديلاً على المنصة يسمح بعرض صور بإطارها الطبيعي مستطيل الشكل، لتستجيب بذلك لإلحاح وإصرار المتخصصين في ضرورة تعديل الكارثة التي أسست لها سابقتها.
في خضم كل هذه الفوضى البصرية، أصبحنا اليوم نعيش في وسط تلوث بصري رهيب من حيث الكم والشكل، دون أن نجد من يحرك ساكناً والأدهى والأمر أن المتخصصين في الصورة وهنا نتحدث عن المصورين بالدرجة الأولى، يشارك بعضهم في المزيد من هذا التلوث البصري، وهم غير مدركون لذلك، فنحن اليوم لا نلوم غير المتخصصين الذين وجدوا أمامهم كل الخيارات، التي قد يكونون اختاروها دون استشارة وتوجيه.
عزيزي المصور الفوتوغرافي، ما ينبغي عليك فعله اليوم، حتى تثبت لنفسك قبل أن تثبت للأخرين، بأن أعمالك التي تبذل جهداً ووقتاً ومالاً لالتقاطها وإظهارها وعرضها، تستحق فعلاً أن ترى من قبل عيون الآخرين، وأن تعتبر نتائجها احترافية، أو ذات قيمة فنية عالية، هو التوقف تماماً عن التقاط صوراً بإطار معيب، بإطار مربع الشكل لا يوحي إلا بأنك هاوي لا تمتلك الأدوات الفعلية التي تجعلك تعد من بين المحترفين الحقيقين. هذا الكلام قد لا يروق للبعض، وقد تكون أنت أحد هؤلاء، ولكن يجب عليك أن تسمع هذا الكلام، ويجب أن يقوله لك أحد ما، وأنا كمثلي من المصورين المحترفين والمتخصصين بالعلوم البصرية السمعية، الذين يحاولون إيصال المعلومة الصحيحة، لأكبر عدد ممن يتعاملون مع الصورة بكل أشكالها، وبالذات من المصورين الفوتوغرافيين الذين هم بالدرجة الأولى مهتمين بهذا المجال، نحن نحاول إيصال المعلومة الدقيقة غير المنقوصة، وإظهار مكمن الخلل، والأخذ بيد زملائنا وأبنائنا المصورين في هذه العتمة وفوضى المعلومات حتى يصلوا إلى مرحلة متقدمة من الوعي والمعرفة، والإلمام بأدق المعلومات في هذا الفن، وليقوموا هم أيضاً بدورهم مع الأجيال القادمة، في تصحيح المفاهيم المغلوطة التي اجتاحتنا جميعاً، كجائحة كورونا، تلك الجائحة التي نعيشها ونعانيها جميعاً منذ ما يزيد عن السنة، ولا نعلم متى نخرج من دوامتها وتنتهي آثارها علينا.
نشر في 24 يناير/ كانون الثاني/ جانفيي 2021